بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد:- في البداية.. يجب التنبيه على أن منهج مواجهة النصرانية المحرَّفة له نفس الأبعاد المنهجية الكاملة لمنهج الدعوة الإسلامية، وهي الحكمة المأخوذة من قول الله عز وجل: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [النحل: 125]، وفيه يقول الأستاذ سيد قطب: "على هذه الأسس يُرسي القرآن قواعد الدعوة ومبادئها، ويعيِّن وسائلها وطرائقها، ويرسم المنهج للرسول الكريم، وللدعاة من بعده بدينه القويم، فلننظر في دستور الدعوة الذي شرعه الله في هذا القرآن.. والدعوة بالحكمة، والنظر في أحوال المخاطبين وظروفهم، والقدر الذي بيَّنه لهم في كل مرة.. والطريقة التي يخاطبهم بها، والتنويع في هذه الطريقة حسب مقتضياتها.. فلا تستبد به الحماسة والاندفاع والغيرة فيتجاوز الحكمة في هذا كله وفي سواه. وبالموعظة الحسنة التي تدخل إلى القلوب برفق، وتتعمق المشاعر بلطف، لا بالزجر.. فإن الرفق في الموعظة كثيرًا ما يهدي القلوب الشاردة، ويؤلف القلوب النافرة، ويأتي بخير من الزجر والتأنيب والتوبيخ. وبالجدل بالتي هي أحسن.. بلا تحامل على المخالف ولا ترذيل له وتقبيح، حتى يطمئن إلى الداعي ويشعر أن ليس هدفه هو الغلبة في الجدل، ولكن الإقناع والوصول إلى الحق.. فالنفس البشرية لها كبرياؤها وعنادها، وهي لا تنزل عن الرأي الذي تدافع عنه إلا بالرفق حتى لا تشعر بالهزيمة، وسرعان ما تختلط على النفس قيمة الرأي وقيمتها هي عند الناس، فتعتبر التنازل عن الرأي تنازلاً عن هيبتها واحترامها وكيانها.