لقد خلق الله سبحانه الإنسان، وجعل له سبيلين عليه أن يختار أحدهما قال سبحانه:{وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ }البلد10) واختياره إن كان صحيحاً يجعل له أعداءً يصدونه عن الصراط المستقيم، قال تعالى :{وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ }.غافر(41) وهذه سنة الله في خلقه، وحتماً فإن معظم الناس يختارون الأسهل، ويختارون ما يكون أشبع لشهواتهم، وأحقق لرغباتهم، وهذه طبيعة النفس البشرية تميل إلى ما فيه شهواتها، لذا كان من علامات الإيمان مخالفة هوى النفس، قال تعالى : { وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى }.النازعات(41)
ولهذا نجد الناس أميل إلى ما فيه خسارتهم في الآخرة، وهذا ما يجعل أبواب الكبائر مفتحة على مصارعها لا يكاد ينجو منها إلا من رحم ربي سبحانه، فليست المشقة في اتباع الشهوات، بل المشقة في مخالفتها، صحيح أن ديننا لا يوجد فيه مشقة كما في قوله تعالى : { وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ُ }الحج.(78) وقال سبحانه: { يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}. البقرة ( 185) وفي الحديث الصحيح عن أنس بن مالك -رضي الله عنه - قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم- : ( يسروا ولا تعسروا وسكنوا ولا تنفروا ). رواه البخاري. ولكن هذا لا يعني أن طريق التزام الإسلام سهل ميسور، بل هو أمر عظيم، لا يستطيعه إلا من يسره الله عليه كما في الحديث الصحيح عن معاذ بن جبل ، قال : قلت : يا رسول الله ألا تحدثني بعمل أدخل به الجنة , قال : (سألت عن عظيم وإنه ليسير على من يسره الله عليه). رواه أحمد وغيره . وحقيقة ذلك أن المؤمن الصادق لا بد له من البرهنة على إيمانه، إذ حتماً سيقع في ابتلاءات عظيمة قال تعالى :{أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ }. العنكبوت(2) وفي الحديث عن أبي هريرة ، أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ، قال : ( بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم ، يصبح الرجل مؤمنا ، ويمسي كافرا ، أو يمسي مؤمنا ، ويصبح كافرا ، يبيع دينه بعرض من الدنيا ) . رواه مسلم. فلا يُكتفى من المسلم ادعاء الإيمان، بل لا بد له من إثبات ذلك من خلال صبره على المحن، ومجاوزته للفتن، قال سبحانه {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ }.البقرة(214) وقد جعل الله سبحانه أمام طريق الالتزام عوائق عدة، وهي أعداؤه، ومن أبرز الأعداء ثلاثة، فمن تغلب عليهم نجا، ومن هزمه أحدهم هلك، نسأل الله النجاة.
عدو المسلم الأول: -إبليس –
وأول أعداء الإنسان ذلك المخلوق العجيب الذي حصر أهدافه في إغواء بني آدم - الشيطان الرجيم- وهو ألد أعداء المسلم، وقد حذر الله سبحانه عباده من كيد الشيطان مبيناً لهم خطورته ومعاداته لهم ، قال سبحانه:{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ }.البقرة( 168 ) وقال سبحانه : {قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ }.يوسف(5) وقال سبحانه: {وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ }القصص(15) فالشيطان متفرغ لإغواء عباد الله، وهدفه الأسمى من ذلك أن يكون أتباعه من أهل السعير، لذا ينصب الفخاخ لاصطياد بني آدم بكل طريقة يستطيعها، قال تعالى :{ ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ }. الأعراف(17) وقال سبحانه:{وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيّاً مِّن دُونِ اللّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُّبِيناً }. النساء(119) وقد تكرر ذكر الشيطان في القرآن كثيراً، كما بين القرآن الكريم أن الشيطان شريك للإنسان في شؤونه كافة، قال سبحانه: {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً }. الإسراء(64) قال الطبري رحمة الله تعالى في تفسير هذه الآية بعد ذكره لأقوال العلماء فيها: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال : كل ولد ولدته أنثى عصي الله بتسميته ما يكرهه الله , أو بإدخاله في غير الدين الذي ارتضاه الله , أو بالزنا بأمه , أو قتله ووأده , أو غير ذلك من الأمور التي يعصى الله بها بفعله به أو فيه , فقد دخل في مشاركة إبليس فيه من ولد ذلك المولود له أو منه , لأن الله لم يخصص بقوله { وشاركهم في الأموال والأولاد } معنى الشركة فيه بمعنى دون معنى , فكل ما عصي الله فيه أو به، وأطيع به الشيطان أو فيه , فهو مشاركة من عصي الله فيه أو به إبليس فيه . أ هـ وهذا ما بينه صلى الله عليه وسلم في كثير من الأحاديث، منها عن علي بن الحسين قال:كان النبي - صلى الله عليه وسلم- في المسجد وعنده أزواجه فرحن ، فقال لصفية بنت حيي :( لا تعجلي حتى أنصرف معك - وكان بيتها في دار أسامة - فخرج النبي - صلى الله عليه وسلم- معها ، فلقيه رجلان من الأنصار ، فنظرا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم- ثم أجازا ، وقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم :( تعاليا إنها صفية بنت حيي ، قالا : سبحان الله ، يا رسول الله ، قال : إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم ، وإني خشيت أن يلقي في أنفسكما شيئا ) رواه البخاري . وعن عائشة ، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال : ( من أكل بشماله أكل معه الشيطان ، ومن شرب بشماله شرب معه الشيطان ) .رواه الإمام أحمد، وعن جابر بن عبد الله أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( إذا دخل الرجل بيته فذكر الله عند دخوله وعند طعامه قال الشيطان لا مبيت لكم ولا عشاء وإذا دخل ولم يذكر الله عند دخوله قال الشيطان أدركتم المبيت فإذا لم يذكر الله عند طعامه قال أدركتم المبيت والعشاء) .رواه ابن ماجة
فلا يكاد يخرج شيء من شؤون بني آدم من تلاعب الشيطان، إذ كما ذكرت لا همّ له إلا إغواء بني آدم، وقد ترك الله سبحانه لنا في القرآن الكريم عبرة إذ ورد في أكثر من سورة قصة آدم عليه السلام مع عدوه الشيطان، ففي سورة البقرة قال سبحانه:{ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }.البقرة(30 ) وسياق الآية يدل على أن الله سبحانه خلق آدم ليكون خليفة في الأرض ، ولم يخلقه ليسكن الجنة، فلم يقل سبحانه- إني جاعل في الجنة- بل قال في الأرض، وكان معلوماً أن الجنة التي دخلها آدم غير الأرض المعهودة بدليل قوله تعالى : {فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ }. البقرة36) ولو كانت الجنة التي دخلها آدم عليه السلام هي الأرض ذاتها كما يدعي البعض، لما كان ثمة فائدة من قوله تعالى ( اهبطوا) فبعد أن عصى آدم ربه أخرجه من الجنة، ولم يكن خروجه من الجنة عن معصيته له، بل كان تحقيقا للقدر الذي قدره الله سبحانه على آدم عليه السلام كما جاء في الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال : ( حاج موسى آدم ، فقال له : أنت الذي أخرجت الناس من الجنة بذنبك وأشقيتهم ، قال : قال آدم : يا موسى ، أنت الذي اصطفاك الله برسالته وبكلامه أتلومني على أمر كتبه الله علي قبل أن يخلقني أو قدره علي قبل أن يخلقني ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فحج آدم موسى ).رواه البخاري. فالله سبحانه ما أخرج آدم من الجنة إلا للحكمة التي ارتضاها له، وهي أن يكون على الأرض خليفة، والسؤال الذي يطرح نفسه، لماذا أدخل الله سبحانه آدم الجنة مع كونه خلقه للأرض؟ جواب ذلك : أن الله سبحانه أراد أن يعلّم آدم من خلال الواقع العملي مدى عداوة الشيطان له، وأنه يأتيه بطرق خبيثة يجمّلها ويزينها له، وهذا ما حصل لآدم عليه السلام، فحينما أدخله الله الجنة أباح له كل ما فيها إلا شجرة واحدة، قال سبحانه: {وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ }. (البقرة35) وكان آدم قبل دخوله الجنة قد علم ما في إبليس من شر وكبر، ويتجلى هذا من خلال قوله تعالى : {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ }. ( البقرة34) فآدم عليه السلام أدرك أن الشيطان عدوه من قبل دخوله إلى الجنة، كما علم أنه ما منعه من السجود له إلا الكبر والحسد، وعلم أيضاً أن إبليس ليس من الملائكة، بل من الجن،قال تعالى:{ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً }.الكهف(50) ورغم علم آدم عليه السلام بأحوال الشيطان، إلا أن الشيطان أغواه وحمله على المعصية، فتسبب ذلك بإخراجه من الجنة، وفي هذه القصة غرائب وعجائب من أبرزها، أن آدم عليه السلام فضّل على الملائكة بالعلم، فقد كان عالماً بتعليم الله له، وقد عاين خبث الشيطان وعايشه، وفوق ذلك كله تنبيه الله له كما في قوله: {فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى }. (طه117)وبعد هذا كله يستطيع الشيطان إغواء آدم ، فعلم آدم عليه السلام، ومعرفته، ومشاهدته ، وتحذير الله له لم يمنعه من طاعة الشيطان، بل تغلب عليه الشيطان بأن حمله على المعصية كما في قوله تعالى :{فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى }. (طه121) ومعصية آدم كانت بسبب إغواء الشيطان له قال تعالى :{فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ }. (البقرة36) والجواب عن ذلك، أن آدم عليه السلام تحقق فيه قدر الله كما أشرت إلى ذلك في الحديث الصحيح، وما يهمنا أن إبليس جاء لآدم من خلال أمرين، الخلد والملك، قال سبحانه:{ فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ }.الأعراف( 20) فلحرص آدم عليه السلام على الخلد والملك، نسى عهد الله مما أوقعه ذلك في المعصية قال تعالى :{وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً }.طه(115) وهذا مدخل عظيم للشيطان على بني آدم، وقد حذر الله سبحانه الناس من الشيطان، وذكرهم بما فعله الشيطان بأبيهم آدم عليه السلام وزوجه، قال سبحانه :{يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ }. الأعراف(27 ) إلا أنه وبعد هذا كله لا نجد من يحذر من كيد الشيطان ، وكأن العداوة بين الإنسان والشيطان أصبحت ضرباً من الماضي، حتى إنه ليقال في المثل الشعبي – لا غريب إلا الشيطان- وما علم أولئك أنه ما من مخلوق يشارك الإنسان في أموره كلها كما يشاركه بها الشيطان، فهو شريك للإنسان في طعامه وشرابه، حتى إنه ليشارك الإنسان في زوجاته، ولهذا كثرت النصوص الشرعية التي تحذر الناس من عداوة الشيطان لهم، فهو عدو مبين بحق، لا يهدأ ولا يمل، بل يبقى عاملاً كل ساعته، وحاثاً لأتباعه على النيل من عدوه اللدود – الإنسان - فلا تزال الشياطين بالناس حتى يخرجوهم من الإيمان إلى الكفر، ثم يزينون لهم الكفر حتى يموتوا عليه، فيصبحوا جميعاً في نار جهنم، فالشيطان هو العدو الأكبر للإنسان فهو المحرك الفعلي للكافرين والمنافقين وغيرهم من أهل الضلال، قال سبحانه :{ أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزّاً }.مريم(83 ) .
إلا أنه رغم عداوته للإنسان فليس له قدرة على إغوائه إلا أن يكون المرء فاسداً بنفسه، قال تعالى :{ وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }.إبراهيم(22) فالشيطان ليس له سلطان على عباد الله الصالحين، إنما سلطانه على أصحاب الأهواء، قال تعالى:{ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ }.الحجر(42 ) وذلك أن كيده مها عظم ضعيف لقوله تعالى :{ الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً }.النساء(76) . وعليه فهذا العدو للإنسان ضعيف، لا يستطيع التسلط على الأتقياء، وهو يخنس بذكر الله، فما دام العبد ذاكراً لله سبحانه يبقى في مأمن من تلاعب الشيطان به، ومن هنا ندرك الحكمة من المحافظة على الأذكار،فما من عمل يقوم به المسلم إلا وله ما يخصه من الذكر، ومن ذلك أذكار الصباح والمساء، ودعاء الخروج والدخول، والدخول إلى الخلاء والخروج منه، وأذكار النوم والاستيقاظ وما إلى ذلك، وكل هذا ليبقى الإنسان ذاكراً لله سبحانه، بعيداً عن تلاعب الشيطان به، وما دام الإنسان في ذكر لله سبحانه، فهو في مأمن من الشيطان، ويكون كيد الشيطان بالنسبة له ضعيفاً، فالذاكر لله من عباد الله الصالحين الذين لا يكون للشيطان عليهم سلطان، وبهذا يزول خطر العدو الأول عن المسلم بطاعته وذكره لله سبحانه، ليقف الإنسان المسلم أمام عدوه الثاني.
العدو الثاني للمسلم: عموم الكافرين.
وهو عموم الكافرين، فالكافرون في حقيقة أمرهم أولياء للشيطان، يحركهم الشيطان كيف يشاء، قال سبحانه:{يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ }.الأعراف(27 ) وأصل العداوة بين المؤمنين والكافرين، أن المؤمنين أولياء لله، على خلاف الكافرين فهم أولياء للشيطان، والشيطان هدفه الأكبر الصد عن سبيل الله، لذا فهو يحرض أولياءه على معاداة المؤمنين، ليصدوهم عن ذكر الله سبحانه، وهذا ما يجعل الكافرين يتكالبون على معاداة المسلمين بكل ما أوتوا من قوة ليردوهم على أعقابهم خاسرين، قال تعالى :{وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَاء حَتَّىَ يُهَاجِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدتَّمُوهُمْ وَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً }.النساء(89) وقال سبحانه: { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }.البقرة(217) وبناء على وحدة الهدف عند الكافرين نراهم جميعاً يضربون المسلمين عن سهم واحد وإن كانت قلوبهم وأهواؤهم شتى، قال تعالى :{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ }.المائدة(51 ) فاليهود والنصارى رغم كفرهم ببعضهم بعضاً، يوالي بعضهم بعضاً لمحاربة الله ورسوله، وإلا فاليهود غير مؤمنين بعقيدة النصارى، وكذلك النصارى يعتقدون أن اليهود على الكفر، وأنهم ليسوا على شيء من الحق، قال تعالى:{ وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَىَ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ }.البقرة(113) ومع ذلك نجد في الواقع العام حرص النصارى على موالاة اليهود، والعمل على صيانة كيانهم رغم كفرهم بعقيدة اليهود، وهذا من العجب،لأن الأصل في النصارى أن يكونوا أقرب للمسلمين من اليهود، فالمسلمون يؤمنون بنبوة عيسى عليه السلام، وأن أمه صديقة، على خلاف عقيدة اليهود في عيسى وأمه عليهما السلام، وقولهم على عيسى وأمه بهتاناً عظيماً، قال تعالى :{وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَاناً عَظِيماً }.النساء(156) وقالوا عن عيسى عليه السلام :{ وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً }.النساء(157) ومع ذلك نجدهم أقرب لليهود من المسلمين، وحقيقة ذلك أن كلا الفريقين وإن اختلفت قلوبهم وأهواؤهم من حزب الشيطان، فهم أولياء للشيطان، فلا يضر الشيطان إن كان أولياؤه يهوداً أو نصارى، أو عبدة أوثان أو أصنام، أو شمس أو قمر، فهؤلاء كلهم من أصحاب السعير،وهم أولياؤه الذين فرح بإضلالهم، على خلاف المؤمنين فهم أعداؤه، ولهذا كان واجباً على المسلمين معاداة أولياء الشيطان والكفر بهم وبما يعتقدون، قال سبحانه:{ قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ }.الممتحنة(4) وقضية الولاء والبراء مسألة أشرنا إليها برسالتنا – عقيدتنا بين الولاء والبراء- فحقيقة العلاقة بين المؤمنين والكافرين هي علاقة عداوة وبغضاء، لا علاقة محبة وتقارب كما يروج إلى ذلك أصحاب القلوب المريضة، فمجاهدة الكافرين أصل في الإسلام، والجهاد ذروة سنام الإسلام، لا عزة للمسلمين إلا به، قال تعالى :{ قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ }.التوبة(14) ولم يقتصر هذا على فئة دون فئة، بل هو عام في المشركين لقوله تعالى : { وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ }.التوبة(36) فيجب على المسلمين مجاهدة الكافرين ليس بغاية التمتع برؤية دمائهم، فالمسلمون ليسوا متعطشين للدماء، بل الإسلام دين رحمة وعدل قال سبحانه:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ }.الأنبياء(107) ولكن المسلمين أمروا بمقاتلة الكافرين ليكون الدين لله وحده، قال سبحانه: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ }.البقرة(193 ) وهذا معنى الحديث الذي ثبت عن أمير المؤمنين عمر – رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ، فمن قالها فقد عصم مني ماله , ونفسه إلا بحقه , وحسابه على الله ) . رواه البخاري. مع أن الله سبحانه لا يُكره الناس على الإيمان كما في قوله سبحانه:{لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }.البقرة(256) فلا يجوز للمسلمين أن يحملوا الناس على الإسلام، ولكن لا يعني هذا أنه لا يجب على الناس أن يدخلوا بحكم الإسلام، لذا فرضت الجزية على الكافرين، قال سبحانه:{ قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ }.التوبة(29) فمن كان في ديار المسلمين من الكافرين وجبت عليه الجزية مع الخضوع لحكم الإسلام وإن لم يكن مؤمناً به، فلا يحق له الخروج عن نظام الحكم في الإسلام، لذا تشمله الحدود وكذلك القصاص في حال خروجه عن أحكام الله، وبهذا يتبين التوفيق ما بين عدم إكراه الناس على الإسلام، وبين النصوص التي دلت على وجوب مقاتلة الكافرين، فالكافر يقاتل حتى لا يظهر الكفر، ولا يدعو إليه، ويلزم بعموم أحكام الإسلام الظاهرة التي لا يشترط لها الإسلام، وأما ما يكون الإسلام شرطاً لأدائه، فلا يطالب به مع إلزامه باحترامه وعدم التعرض له بقليل أو كثير، فالمسلمون إذاً يقاتلون الناس حتى يقيموا العدل، ويبطلوا الباطل، لا يقاتلوا لمجرد سفك الدماء أو ابتغاء أعراض الدنيا، فهم أسمى من ذلك. كما يطلب من المسلمين مقاتلة الكافرين عامة، وهذا ما حملهم على فتح البلاد شرقاً وغرباً، على خلاف واقع الأمة اليوم فقد أصبحت الجيوش العربية لا تُحرك إلا لقمع شعوبها، وحملهم على عبادة الزعماء الظلمة، وعليه تدور رحى المسألة من كون المسلم عبداً لله سبحانه، يقاتل في سبيله، وكون الكافر عبداً للشيطان، ويقاتل في سبيله، وكيد الكافرين بالمؤمنين عظيم قال سبحانه:{وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ }.إبراهيم(46) ومع ذلك فإن كيد الكافرين بالمؤمنين ضعيف، لا يضرهم، ولا يؤثر بهم، قال سبحانه:{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ }.الأنفال(36) وقال سبحانه :{لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدُبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ }.آل عمران(111) وقال سبحانه: {وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً }.النساء(141 ) وفي الحديث الصحيح عن ثوبان قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ): إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها، وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض، وإني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكها بسنة عامة، وأن لا يسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم، وإن ربي قال يا محمد: إني إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد، وإني أعطيتك لأمتك أن لا أهلكهم بسنة عامة، وأن لا أسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم يستبيح بيضتهم ولو اجتمع عليهم من بأقطارها، أو قال من بين أقطارها حتى يكون بعضهم يهلك بعضا ويسبي بعضهم بعضا ) . رواه مسلم .فمهما بلغت قوة الأعداء وعظم كيدهم بالمؤمنين، فلن يضروا المؤمنين شيئاً، فهم كوليهم الشيطان ضعفاء، قد توعهم الله سبحانه بالذل والصغار في الدنيا والآخرة، قال تعالى:{ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }.الحشر(4) وقد توعد الله سبحانه أعداءه بالهزيمة والفشل في الدنيا، والعذاب الأليم في الآخرة فقال سبحانه:{إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ }.المائدة(33) وهذه الآية الكريمة تشمل أنواع الفساد، وفي المقابل، فقد وعد الله عباده المؤمنين بالنصر والثبات، فهو وليهم في الدنيا والآخرة، قال سبحانه:{إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ }.الحج(38 ) وقال سبحانه :{إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ }.غافر(51) وعليه لن يؤثر الشيطان ولا أولياؤه على عباد الله المؤمنين إلا أذى كما في قوله:{لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدُبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ }.آل عمران(111 ) وهو ما يكون من ضرر اللسان غير المتجاوز للضرر الفعلي، ولكن يبقى على المسلم أن يحذر من عدوه الأخطر، وهي نفسه.
العدو الثالث للإنسان: - نفسه-