بقلم "مودنان مروان"
I. تحديد مصطلح "مسرح الطفل" :
هناك صعوبة في التحديد تفرضها شمولية هذا المصطلح، ذلك أننا نجد أكثر من مستوى في التحديد، ولكن وفقا للخطوات المتبعة في هذا البحث، تمت الإشارة إلى ثلاث مستويات رئيسية ستأتي ضمن الإشكالية الأولى.
1) الإشكالية الأولى:
v مسرح الطفل بين التقديم والتلقي :
إذا انطلقنا من نقطة الأداء و اللعب، فقد تم تقسيم مسرح الطفل إلى أربعة أشكال :
· المسرحيات التي يقوم فيها الأطفال بالتمثيل وحدهم.
· المسرحيات التي يقوم فيها الأطفال بالتمثيل إلى جانب الكبار.
· المسرحيات التي يقوم فيها الكبار وحدهم بمهمة التمثيل.
· مسرحيات تقوم فيها الدمى أو العرائس بمهمة أداء الأدوار.
ولكن مسرح الطفل اهتم أيضا بالتلقي، لذلك نجد تقسيما أعم وأشمل مما سبق وهو كالتالي:
· المسرح المقدم من الكبار للصغار : يتأسس هذا المسرح المعد للأطفال بإشراف الكبار على ثلاث انواع رئيسه : مسرح الدمى – بمختلف أنواعه : مسرح العرائس ودمى القفاز والخ – ومن شخوص حقيقين ومن مسرح مختلط من ممثلين ودمى. علينا ان نؤكد قبل أي شيء على التعايش الذي يخلقه مسرح الكبار لدى الأطفال وما يسهله على هؤلاء أيضاً في الوصول إلى مسرح الكبار.
· المسرح المقدم من الصغار للصغار : هو المسرح الذي ينتجه ويقدمه الأطفال لأقرانهم من الأطفال، وهذا ما يطلق عليه تقليديا "مسرح الطفل". ويعتمد هذا المسرح على اللعب الإيهامي أو التخييلي، يستند إلى العفوية والتلقائية ويلهو فيه الطفل على سجيته.
· مسرح مشترك التقديم ومشترك التلقي: وهو الأكثر تداولاً – ذلك الذي يقال عنه "المسرح الطفولي"، وهو مسرح مختلط أو مسرح مشترك مع الكبار من إداريي المسرح والمؤلف والمخرج ومصمم الديكور وبعض الممثلين وبعض الأطفال المساعدين الموجهين.
استنتاج :
إذن، داخل مصطلح " مسرح الطفل" تتعدد الاتجاهات بين التقديم والتلقي، فتارة نجده المصدر والهدف، وتارة أخرى نجده متلقيا فقط، وتارة يتداخل مع الكبار في الإنتاج والاستقبال.
2) الإشكالية الثانية :
v مسرح الطفل وتعدد التسمية :
يلعب المسرح دورا مهما جدا، على جميع الأصعدة، ولما كان المسرح الموجه للطفل يكتسي أهمية كبرى لدوره الرئيسي في العملية التربوية داخل المؤسسة التعليمية أو في المجتمع، كان لزاما تحديد التسميات المعطاة لهذا المسرح، رغم قلة الدراسات و الأبحاث المنجزة في هذا الصدد. وهنا نجد أربعة أسماء رئيسية:
1- مسرح الطفل :
وهو المفهوم الأكثر شيوعا في أدب الطفل، بل نجده يحتوي المفاهيم الأخرى، وهوجنس أدبي له شروطه الفنية ووظائفه ومرتكزاته الأدبية، بل هو أكثر صعوبة من مسرح الكبار، لأنه أشد إلحاحا على الجانب الفني، انطلاقا من تأليف النص انتهاء إلى العرض فوق الركح. ويعرفه موسى كولدبرغ بأنه :" تجربة مسرحية رسمية تقدم خلالها مسرحية لجمهور من الأطفال، والهدف منها هو تقديم أفضل تجربة مسرحية للجمهور، ومن أجل هذه الغاية يوظف مسرح الأطفال جميع تقنيات وقواعد المسرح".
أما الدكتور روجي ديلديم جعل مسرح الطفل مسرحا للإبداع الذي يخص الأطفال والمقدم من قبل ممثلين كبار، حيث يقدمون من خلاله بطرق أكثر فنية بعض المشاكل النفسية، التي تهم وتحسس بمشاكل الطفل.
ولكن تعريف الأستاذ سالم اكويندي يشمل ما سبق، حيث يستنتج أن مسرح الطفل هو مسرح موجه للأطفال أساسا، ويقوم بتوجيهه لهم ممثلون بالغون ولا يمت بصلة للأطفال إلا من حيث المحتوى، أما الشكل فتعتمد فيه تقنيات المسرح وقواعده.
فمفهوم مسرح الطفل : هو ذلك المسرح الذي يخدم الطفولة سواء قام به الكبار أو الصغار مادام الهدف هو امتاع الطفل والترفيه عنه وإثارة معارفه وخبراته وحسه الحركي . أو أن يقصد به تشخيص الطفل لأدوار تمثيلية ولعبية ، ومواقف درامية للتواصل مع الكبار أو الصغار ، وبهذا يكون مسرح الطفل مختلطاً بين الكبار والصغار . ويعني هذا أن الكبار يؤلفون ويخرجون للصغار ماداموا يمتلكون مهارات التنشيط والإخراج وتقنيات إدارة الخشبة ، أما الصغار فيمثلون ويعبرون باللغة والحركة ويجسدون الشخصيات ، وقد يقوم به الطفل تمثيلاً وإخراجاً وتأليفاً مادام الكبار يقومون بعملية ( التأطير ) للعمل.
فمسرح الطفل يعتمد تارة على التقليد والمحاكاة ، وتارة على الإبداع الفني والانتاج الجمالي.
2- المسرح المدرسي:
تعرف اللجنة الوطنية للمسرح المدرسي المسرح المدرسي بأنه مسرح تربوي تعليمي تعلمي، يأخذ معناه من الصفة الملحقة (المدرسة)، باعتباره مكونا من بين مكونات وحدة التربية الفنية والتفتح التكنلوجي، حيث لا يغفل هذا المعنى البعد التنشيطي للمسرح. كما أن هذه اللجنة ترى أن مفهوم المسرح المدرسي لا يستقيم إلا بما يتممه من أنشطة مسرحية أخرى تمارس سواء على المستوى التعليمي التعلمي أو في أنشطة التعاون المدرسي وبشكل متدرج حسب مستويات والمراحل العمرية للمتعلمين.
وقد عرفه الأستاذ حسن مرعي في كتابه "المسرح المدرسي" بأنه مجموعة من النشاطات المسرحية بالمدارس، التي تقدم فيها فرقة المدرسة أعمالا مسرحية لجمهور يتكون من الزملاء والأساتذة وأولياء الأمور، وهي تعتمد أساسا على إشباع الهوايات المختلفة للتلاميذ.
إن الهدف الذي يرمي إليه هذا النوع من المسرح هو تنمية ثقافة التلميذ لجهة عدد من المسائل الهامة التي تتعلق بشخصيته، وتطوير قدرته على التعبير، ورفع مستوى ملكة التذوق الفني لديه، وتعليمه فن التمثيل، والمدرسة كما نعلم هي المؤسسة الفاعلة المكلفة بتربيته بعد الأسرة، وهي التي تقع عليها مسؤولية إعطاء التلامذة الأطفال الفرصة لممارسة خبراتهم التخيلية، وألعابهم الابتكارية التي تعد الأساس لحياة طبيعية سعيدة يتمتعون فيها بالخبرة والحساسية الفنية.
والمسرح المدرسي جزء لا يتجزئ من مسرح الطفل، الذي يعتبر الوعاء الجامع للنشاط المسرحي الموجه للأطفال، فمسرح الطفل هو نفسه مسرح الطفل أكان داخل المؤسسة التعليمية أم خارجها، ولما كان مكان الممارسة المدرسة نسب لها فصار مسرحا مدرسيا بذلك.
3- المسرح التربوي :
يحدد الدكتور محمود الشتوي مفهوم المسرح التربوي في كونه نشاط مسرحي يقدم أو تقوم به المدرسة بمعنى (المسرح المدرسي و مسرح الطفل) الذي تقوم به فرقة مسرحية بالمدارس، والتي تعتبر في نظره روافد المسرح التربوي الحديث.
وقد أخذ الدكتور محمد الشتوي تعريفه هذا من المنظمة الأمريكية لمسرح الطفل التي تعرف المسرح التربوي بأنه شكل درامي ارتجالي لا يهدف للاستعراض.
إن هذا المسرح فرصة لإشباع رغبة التلميذ في المحاكاة والتقليد، التي تتطور تبعا للمرحلة العمرية لتتطور إلى الممارسة المسرحية في شكلها التام، وغايته تغذية الخيال وتقوية الذاكرة والملاحظة والتركيز، ويمكن إن صحت المقارنة اعتبار هذه الكفايات التي يكتسبها التلميذ هنا كفايات ممتدة يوظفها في كثير من الأحيان أثناء العملية التعليمية التعلمية.
4- المسرح التعليمي:
هذا مصطلح قريب جدا من المسرح المدرسي، يصير فيه المسرح وسيلة لا غاية، يرمي بها إلى مسرحة المناهج، لذلك نجده يسمى بالخبرة الدرامية أو الخبرة الممسرحة أو مسرحية المنهج، وهو حسب الدكتور رزق حسن عبد النبي، طريقة لتنظيم المحتوى العلمي للمادة الدراسية وطريقة للتدريس تتضمن إعادة تنظيم الخبرة وتشكيلها في مواقف، والتركيز على الأفكار الهامة المراد توصيلها، ويقوم التلاميذ بتمثيل الأدوار الرئيسية المتضمنة للمواقف، وذلك لخدمة وتفسير وتوضيح المادة العلمية من خلال حل موقف المشكلة تحت رعاية وتوجيه المعلم المستمرة.
وهذا المسرح يعتمد كما سبق الذكر على ما يمكن للتلميذ أن ينجزه بتوجيه المعلم انطلاقا من نصوص معدة ومقررة ضمن المنهاج الدراسي، ويكتسي هذا المسرح أهمية كبرى في الأوساط البيداغوجية لارتباطه أساسا بالعملية التعليمية التعلمية.
يتبين لنا مما سبق تداخل هذه المصطلحات في أصل تعاريفها، وذلك لاعتبارها الطفل أساسا للممارسة وهدفا لها، ولاندراجها كلها تحت لواء مسرح الطفل.
المصادر والمراجع :
" مسرح الطفل " ألفونسو ساستره، ترجمة إشراق عبد العادل، دار المأمون للترجمة والنشر، العراق، ط2، ص16-17.
العربي بنجلون، مسرح الطفل بالمغرب، الجذور والتأسيس، مجلة آفاق تربوية، عدد 5-6/1992م، ص194.
المصدر نفسه، ص15.
سمر روحي الفيصل، ثقافة الطفل العربي، ص158/ أمين محمد أبو حجلة، في مسرح الكبار والصغار، ص105.
موسى كولدبرغ، مسرح الأطفال، ترجمة صفاء وماني، ص11.
د.روجي ديلديم، مسرح للأطفال، (مرجع بالفرنسية)، ص13.
اكويندي سالم، المسرح المدرسي، المفهوم-الأهداف-الممارسة، اللقاء الجهوي الأول للمسرح المدرسي، من1 إلى 3 دجنبر 1994م، مراكش المنارة، ص4.
سالم اكويندي، مسرح الطفل والثقافة المؤسسية، مجلة آفاق تربوية، عدد 10/1995م، ص155.
حسن مرعي، المسرح المدرسي، دار مكتبة الهلال، ص13.
مرعي، حسن، 1993 ، المسرح المدرسي، دار مكتبة الهلال بيروت، ص13.
الحسين فسكا، المسرح المدرسي ومسرح الطفل، الدليل الإخباري، العدد 335، الجمعة 22/02/2013.
د. محمد الشتوي، ملحوظات حول المسرح التربوي، مجلة عالم الفكر، المجلة 18، العدد 43، يناير 88.
د.رزق حسن عبد النبي، المسرح التعليمي للأطفال (مسرحية المناهج)، ط1، الهيئة المصرية العامة للكتاب.