بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد عليه وعلى أله أفضل السلام وأزكى التسليم إن الأمة الإسلامية تعيش أياماً صعبة من حيث تكالب الأعداء واستئساد الذئاب وحياكة المؤامرات في السر والخفاء للنيل من دينها وعزتها وكرامتها حتى استباحوا الديار وانتهكوا المقدسات لذا فإن المؤمن يجب أن يتحلى بالصفات اللازمة في مثل هذه الموقف ومنها أن « المؤمن كَيِّس ، فـَطـِن » وليس كيس قطن - كما فهم بعض المصحفين - يباع ويشترى وينسج منه ويلعب به المؤمن (كَيِّس )أي عاقل والكيس العقل (فَطِن) ذا بصيرة نافدة لأن الفطنة حدة البصيرة في بذل الأمور يفطن بزيادة نور عقله إلى ما غاب عن غيره فيهدم دنياه ليبني بها أخراه ولا يهدم أخراه ليبني بها دنياه فما بالك برجل مؤمن صادق ذا عقل راجح وبصيرة نافدة جعلته يدرك بواطن الأمور حتى صار حازماً يحذر ما سيقع فلا يؤتى من جهة الغفلة وما أكثر الغافلين المستغفلين في هذا الزمن وليا ليتهم يقتدون بخير القرون الذين سادوا البلاد وعمروها بذكر الله سئل ابن عباس عن عمر رضي فقال: " كان كالطير الحذر يرى أن له في كل موضع شركاً " ولا عجب أن قال رضي الله عنه : لست بالخَبَّ ولا يخدعني الخَبُّ . فلم يكن بالمخادع ولا المخادع يستطيع أن يخدعه إذا فإن السذاجة المفرطة والوقوع في الخطأ مرة بعد مرة أمرٌ مشين ومنقصة لا تليق بالمؤمن عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : « لَا يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ » رواه مسلم ( 2998 ) قال النووي رحمه الله : وَمَعْنَاهُ الْمُؤْمِن الْمَمْدُوح , وَهُوَ الْكَيِّسُ الْحَازِم الَّذِي لَا يُسْتَغْفَل , فَيُخْدَع مَرَّة بَعْد أُخْرَى , وَلَا يَفْطِن لِذَلِكَ. وقال أيضاً : وَفِيهِ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِمَنْ نَالَهُ الضَّرَر مِنْ جِهَة أَنْ يَتَجَنَّبهَا لِئَلَّا يَقَعَ فِيهَا ثَانِيَة . قال السندي رحمه الله : وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون نَهْيًا أَيْ : لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُون غَافِلًا بَلْ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَكُون مُسْتَيْقِظًا عَاقِلًا وَاَللَّه أَعْلَم . فإذا جرب المؤمن فساد أمر يجب أن لا يعود إليه مرة أخرى ومن باب التوضيح فإن من الأمثلة التي تبين مدى سذاجة البعض وقلة فطنتهم وأن كيس القطن أقرب الصفات إليهم اتباعهم لليهود والنصارى ومحاورتهم اليهود وطلب الصلح معهم وقد لدغوا منهم مراراً وتكراراً متعامين عن قول الله تبارك وتعالى وهو العليم الحكيم : { لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا ... الآية } [المائدة:82] فبين سبحانه أنهم أشد عداوة حتى من المشركين والمؤمن لا يرجو منهم وفاء بعهد أو تصديق لميثاق لقول الله عز وجل { أَو َكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ } [سورة البقرة:100] . فالمؤمن كَيِّس ، فَطِن يعلم بأن اليهود والنصارى لن يقدموا له السلام المزعوم والرخاء المنشود بل جاءوا لتفكيك وحدته وقتله وهتك عرضه ونهب ثروته أما من وضع يده في يد الغاصبين وقدم لهم العون خوفاً من جبروتهم أو طمعاً في كذبهم فإنه رضي بأن يكون كيس قطن مستهلك لا ينفع حتى نفسه وسيغزلونه غزلاً يوافق مصالحهم حتى يتبع دينهم { وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ } [البقرة:من الآية 120] وعند إذا لن يكون له من دون الله ولي ولا نصير نسأل الله تعالى أن يُؤْتِينا الْحِكْمَةَ ويرزقنا بفضله الفطنة وأن يثبت علينا ديننا وإيماننا إلى أن نلقاه إنه قريب مجيب