ندما نمارس جهداً عقلياً أو جسمانياً فإننا ننشد النوم من أجل شحذ الطاقة الذهنية وإعادة الزخم للقوة البدنية.
والجهاز الهضمي بدءاً من المعدة مروراً بالأمعاء وانتهاء بالكبد والبانكرياس والمرارة، هو في أشد الحاجة الى الراحة، وهذه الراحة تتم بالإمساك عن الطعام والشراب، أي بالصوم.
فالصوم يقود الى إذابة المواد المتراكمة خصوصاً الشحوم العالقة ببطانة الشرايين الدموية فيسهل من تدفق الدم بما يحمله من غذاء وأوكسيجين الى الخلايا.
عدا هذا فالصوم يسرع من إزالة الخلايا التالفة لتحل محلها خلايا جديدة مملوءة بالنشاط والحيوية.
ان جهاز الهضم هو الرابح الأكبر من عملية الصوم، ولا غرابة في الأمر فهو مسؤول عن استقبال الطعام والشراب واستقلابهما، وفي السطور الآتية نسوق المزايا التي تعود بالنفع على جهاز الهضم.
الصوم والمعدة: ان الصوم من طلوع الفجر وحتى غروب الشمس يعتبر رحلة استجمام مهمة للمعدة لتعود بعدها للعمل بنشاط وحيوية، وفي شكل عام ان يحقق الصوم للمعدة ما يأتي:
- يقلل من افراز العصارة المعدية ما يسمح بضبط الحموضة المعوية.
- يمكّنها من رفع قدرتها على العمل.
- ينشط غددها الداخلية الموجودة في باطنها.
- يعطيها الفرصة لإصلاح ما تلف من أنسجتها ولترميم جدرانها.
- يسرّع الشفاء من بعض العلل التي تصيب المعدة في عقر دارها خصوصاً التهاب المعدة المزمن.
الصوم والأمعاء: ان أثر الصوم على الأمعاء يتجلى كالآتي:
- يحسن من حركة الأمعاء ما يسهل عملية طرد الفضلات وبالتالي منع الإمساك.
- يساعد الأمعاء على تجديد ترسانتها الخلوية خصوصاً الغدية لتعمل على أحسن ما يرام.
- يقدم معونة ثمينة للغاية للشفاء من العلل المزمنة من طريق منع التماس مع الطعام وإفساح المجال للخلايا الملتهبة لترمم نفسها.
الصوم والكبد ان الكبد يقوم بوظائف حيوية تجعل منه المحور الرئيس لمختلف العمليات الإستقلابية في الجسم، فهو المصنع الفيزيولوجي البيوكيماوي الذي يتم فيه حرق العناصر الغذائية المهمة وخزنها، كما انه يلعب دور مصفاة للدم ويفرز مادة الصفراء وينظم مستوى السكر في الدم. وعند ممارسة فريضة الصوم يحصل للكبد الآتي:
- إراحة الكبد من عناء العمليات اللازمة لهضم الغذاء، وبناء على هذا فإنه يتفرغ لعملية تنقية الدم من السموم والفضلات العالقة به.
- إرغام الكبد على تفكيك سكر الغلوكوجين والعمل على تجديده لاحقاً.
- تجديد قدرة الكبد على تخزين سكر الطاقة الغلوكوز.
- المساهمة في تجديد شباب الخلايا الكبدية.
- مساعدة الكبد في التخلص من نواتج العمليات البيولوجية التي تتراكم بين خلاياه.
- الوقاية من الإصابة بمرض التشحم الذي ينتشر بكثرة بين المصابين بالبدانة، وقد بينت البحوث العلمية أهمية الصوم في علاج هذا النوع من التشحم، إذ في الصوم تنشط عملية هدم الأحماض الدهنية الكبدية على حساب بنائها ما يشجع عملية التخلص من الشحم.
الصوم والبنكرياس: كما هو معروف فإن غدة البانكرياس تفرز هرمون الأنسولين الذي يعمل على تنظيم سكر الدم، وهرمون الغلوكاغون الذي يقوم بفعل معاكس للأنسولين.
أيضاً تفرز البانكرياس عصارة تحتوي على انزيمات مهمة لهضم البروتينات والأدهان والسكريات قبل أن يتم امتصاصها من قبل الأمعاء.
ان الصوم يقدم للبانكرياس منفعتين هما الراحة اللازمة لبناء وإصلاح خلاياه، وتحسين الكفاءة الوظيفية لهذه الخلايا.
هذه هي منافع الصوم على جهاز الهضم، ولكن مهلاً فهذه المنافع تنسف من جذورها في حال ممارسة سلوكيات تلحق الضرر بجهاز الهضم.
ومن هذه السلوكيات: - مباغتة المعدة بكميات هائلة من الطعام ما يعرقل عمل المعدة فتصاب بالتلبك فلا تستطيع التعامل مع الغذاء كما يجب.
فخير للصائم ان يفطر بتناول التمر لأنه يحتوي على مواد سكرية بسيطة يمتصها الجهاز الهضمي بسرعة لتعبر الى الدم ومنه الى الأعضاء الحيوية التي تتطلب إمداداً آنياً بالطاقة كالقلب والدماغ، عدا هذا فان التمر يقلل من نهم الصائم.
- الأكل دون انقطاع منذ لحظة الإفطار الى وقت السحور، لأن هذا التصرف سيكون مفتاح الدخول الى مشاكل هضمية لا لزوم لها، لأنه سيتعب المعدة وينهك الأمعاء ويرهق الكبد والبانكرياس، فتكون المتاعب. ان الإسراف في الأكل يؤدي الى التعب والانحطاط الشديدين، إضافة الى عسر الهضم وآلام في البطن والى تلبك الأمعاء وضجيج في الأحشاء قد يمنع الصائم من إغماض عينيه.
- المبالغة في استهلاك أنواع معينة من الأغذية على حساب أخرى. فتناول اللحم بكثرة يسبب أضراراً صحية بالغة الخطورة أما السبب فيعود الى كون البروتينات مواد معقدة ينتج عن هضمها مخلفات سامة لا يمكن التخلص منها بسهولة.
- التهام الطعام على عجل فهذا السلوك لا يعطي الفرصة الضرورية للعصارات الهضمية كي تقوم بواجبها كما يجب.
- الإقلال من استهلاك الخضار والفواكه وهذا ما يعرقل من عمل جهاز الهضم بالصورة المناسبة.
ان الخضار والفواكه تحتوي على عناصر مهمة لعمل الخلايا، إضافة الى أنها غنية بالألياف المهمة لتسهيل عمل الأمعاء وإفراغ محتواها من الفضلات.
- تناول المشروبات الغازية بكثرة على حساب الماء. غني عن التعريف ما تحمله هذه المشروبات من متاعب للصحة عموماً فكيف بجهاز الهضم، ان هذه المشروبات تحتوي على الكافئين الذي يزيد من ضربات القلب ويرفع من ضغط الدم.
وفيها غاز الكربون الذي يخلق عراقيل أمام عمل الإنزيمات الهضمية. وفي هذه المشروبات نجد الأحماض الفوسفورية التي تسحب الكلس فتفرغ العظام من الثروة المعدنية خصوصاً الكلسية منها.
كما أنها تحتوي على أحماض تخرب طبقة الميناء للأسنان، ناهيكم عن الإضافات التي تحتاج الى قاموس لفهمها وحل ألغازها.
في المختصر، حري بالصائم ان يتقيد بالنصائح الآتية: 1- اعتماد وجبات متوازنة تؤمن حاجة الجسم من العناصر اللازمة له. ويجب ان تكون الوجبات فقيرة بالمواد الدسمة والمقالي والمخللات والحلويات المثيرة للعطش.
في المقابل يجب ان تكون الوجبات غنية بالخضار والفواكه.
2- الاعتدال في تناول الطعام وتفضيل النوعية على الكمية، فخير للصائم ألف مرة ان يأكل كميات قليلة من نوعية جيدة من أن يأكل كميات كبيرة ذات نوعية سيئة.
3- شرب ما يكفي من السوائل خصوصاً الماء.
4- عدم المبالغة في تناول الأطعمة المثيرة للتخمر.
5- يفضل استهلاك الأغذية الطازجة والابتعاد عن الأغذية المعلبة والجاهزة.
6- اختيار الأدهان الجيدة على حساب الأدهان السيئة.
7- اعتماد العصائر الطبيعية عوضاً عن المشروبات السكرية والغازية.