مرحلة الطفولة المبكرة من أهم المراحل التربوية في نمو الطفل اللغوي والعقلي والاجتماعي ، وهي مرحلة تشكيل البناء النفسي الذي تقوم عليه أعمدة الصحة النفسية والخلقية ، وتتطلب هذه المرحلة من الأبوين إبداء عناية خاصة في تربية الأطفال واعدادهم ليكونوا عناصر فعالة في المحيط الاجتماعي ، وليساعدوا في نهضة الأمة في المستقبل باذن الله وتتحدد معالم التربية في هذه المرحلة ضمن المنهج التربوي التالي :
تعليم الطفل معرفة الله تعالى :
الطفل مجبول بفطرته على الايمان بالله تعالى ، حيث تبدأ تساؤلاته عن نشأة الكون وعن نشأته ونشوء أبويه ونشأة من يحيط به ، وأن تفكيره المحدود مهيأ لقبول فكرة الخالق والصانع فعلى الوالدين استثمار تساؤلاته لتعريفه بالله تعالى الخالق في الحدود التي يتقبلها تفكيره المحدود، والايمان بالله تعالى كما يؤكده العلماء سواء كانوا علماء دين أو علماء نفس من أهم القيم التي يجب غرسها في الطفل 00 مما سوف يعطيه الأمل في الحياة والاعتماد على الخالق ، ويوجد عنده الوازع الديني ، والتربية والتعليم في هذه المرحلة يفضل أن تكون بالتدريج ضمن منهج متسلسل متناسبا مع العمر العقلي للطفل ودرجات نضوجه اللغوي والعقلي 0
والطفل في هذه المرحلة يكون مقلدا لوالديه في كل شيء بما فيها الايمان بالله تعالى0 ويميل دائما الى علاقات المحبة والمودة والرقة واللين فيحب أو يفضل تأكيد الصفات الخاصة بالرحمة والحب والمغفرة الى أقصى حد ممكن مع التقليل الى أدنى حد من صفات العقاب والانتقام فتكون الصورة التي يحملها الطفل في عقله من الله تعلى صورة جميلة محببة له فيزداد تعلقه بالله تعالى ويرى أنه مانح الحب والرحمة له 0
والتركيز على قراءة القرآن في الصغر يجعل الطفل محبا لكتاب الله، ومطلعا على ما جاء فيه وخصوصا الآيات والسور التي يفهم الطفل معانيها ، وقد أثبت الواقع قدرة الطفل في هذه المرحلة على ترديد ما يسمعه ، وقدرته على الحفظ، فينشأ الطفل وعنده شوق للقرآن الكريم ، وينعكس ما في القرآن من مفاهيم وقيم على عقله وسلوكه0
تربية الطفل على طاعة الوالدين :
يلعب الوالدان الدور الأكبر في تربية الأطفال ، فالمسئولية تقع على عاتقهما أولا وقبل كل شيء فهما اللذان يحددان شخصية الطفل المستقبلية وتلعب المدرسة والمحيط الاجتماعي دورا ثانويا في التربية ،والطفل اذا لم يتمرن على طاعة الوالدين فانه لا يتقبل ما يصدر منهما من نصائح وارشادات وأوامر اصلاحية وتربوية ، فيخلق لنفسه ولهما وللمجتمع مشاكل عديدة ، فيكون متمردا على جميع القيم وعلى جميع القوانين والعادات والتقاليد الموضوعة من قبل الدولة ومن قبل المجتمع 0 وتربية الطفل على طاعة الوالدين تتطلب جهدا متواصلا منهما على تمرينه على ذلك ، لآن الطفل في هذه المرحلة يميل الى بناء ذاته والى الاستقرلية الذاتية ، فيحتاج الى جهد أضافي من قبل الوالدين ، وأفضل الوسائل في التمرين على الطاعة اشعاره بالحب والحنان ، فالوالدان هما الأساس في تربية الطفل على الطاعة ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " رحم الله والدين أعانا ولدهما على برهما) 0
الأحسان الى طفل وتكريمه :
الطفل في هذه المرحلة بحاجة الى المحبة والتقدير من قبل الوالدين وبحاجة الى الأعتراف به وبمكانته في الأسرة وفي المجتمع ، وان تسلط الأضواء عليه ، وكلما أحس بأنه محبوب ، وأن والديه أو المجتمع يشعر بمكانته وذاته فانه سينمو متكفيا تكيفا حسنا والحب والتقدير الذي يحس به الطفل له تأثير كبير على جميع جوانب حياته فيكتمل نموه اللغوي والعقلي والعاطفي والاجتماعي ، والطفل يقلد من يحبه ويتقبل التعليمات والأوامر والنصائح ممن يحبه ، فيتعلم قواعد السلوك الصالحة من أبويه وتنعكس على سلوكه اذا كان يشعر بالمحبة والتقدير من قبلهما 0
وقد ورد عدة روايات تؤكد على ضرورة محبة الطفل وتكريمه ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أكرموا أولادكم وأحسنوا آدابهم "
التوازن بين اللين والشدة :
تكريم الطفل والاحسان اليه واشعاره بالحب والحنان واشعاره بمكانته الاجتماعية وبأنه مقبول عند والديه وعند المجتمع يجب أن لا يتعدى الحدود الى درجة الافراط في كل ذلك ، وأن لا تترك له الحرية المطلقة في أن يعمل ما يشاء ، فلا بد من وضع منهج متوازن في التصرف معه من قبل الوالدين ، فلا يتساهلا معه الى أقصى حدود التساهل ، ولا أن يعنف على كل شيء يرتكبه ، فلا بد أن يكون اللين وتكون الشدة في حدودهما، ويكون الأعتدال بينهما هو الحكم على الموقف منه حتى يجتاز مرحلة الطفولة بسلام واطمئنان يميز بين السلوك السليم والسلوك الضار لآن السنين الأولى من الحياة هي التي تكون نمط شخصيته0
وفي حالة ارتكاب الطفل لبعض المخالفات السلوكية ، على الوالدين أن يشعرا الطفل بأضرار هذه المخالفة واقناعه بالاقلاع عنها فاذا لم ينفع الاقناع واللين يأتي دور التأنيب أو العقاب المعنوي دون البدنية ويجب في ضوء المنهج التربوي السليم أن يحدث التوازن بين المدح والتأنيب، فالمدح الزائد كالتأنيب الزائد يؤثر على التوازن الانفعالي للطفل ، ويجعله مضطربا قلقا0
الحرية في اللعب :
اللعب استعداد فطري عند الطفل يتم من خلاله التخلص من الطاقة الزائدة وهو مقدمة للعمل الجاد الهادف ، فيه يشعر الطفل بقدرته على التعامل مع الآخرين ، وبمقدرته اللغوية والعقلية والجسدية ، ومن خلاله يكتسب الطفل المعرفة الدقيقة بخصائص الأشياء التر تحيط به ، فللعب فوائد متعددة للطفل وهو ضروري للطفل في هذه المرحلة والمرحلة التي تليها ، فالطفل يتعلم عن طريق اللعب عادات التحكم في الذات والتعاون والثقة بالنفس000 والألعاب تضفي على نفسيته البهجة والسرور وتنمي مواهبه وقدراته على الخلق والابداع ومن خلال اللعب يتحقق النمو النفسي والعقلي والاجتماعي والانفعالي للطفل 00ويتعلم الطفل من خلاله المعايير الاجتماعية 00وضبط الانفعالات والنظام والتعاون 0ويشبع حاجات الطفل مثل حب التملك 00 ويشعر الطفل بالمتعة ويعيش طفولته0
تنمية العواطف :
العواطف من أهم دوافع الانسان للعمل وتبدأ العواطف منذ الأيام الاولى في مرحلة الرضاعة ثم تنمو بالتدريج حينما يتقدم الطفل من العمر، وحينما يتسع محيطه الاجتماعي ، ويتأثر نمو العواطف بالفكر الذي يؤمن به الطفل في حدود ادراكه العقلي ، فحينما يؤمن الطفل بأن أداء العمل يرضي والديه أو يرضي الله تعالى فانه يندفع لآدائه ، والعكس صحيح0
اعلى الصفحة
د0محمود جمال أبو العزائم
رئيس التحرير