بسم الله نكمل.. بدايةً وقبل سرد فتوحات جديدة وسير قادة جدد أود أن أستكمل أخر ما تحدثت عنه وهو فتح مدينة الاسلام مدينة القسطنطينية بذكر أحاديث وخطب القادة قبل الفتح وسرد الرسائل والتبريكات والأفراح التي سادت العالم الاسلامي بعد الفتح لعلنا نتخيل حجم وقع ذلك اليوم على النفوس وعظم تأثيره. دخول محمد الفاتح المدينة للرسام زونارو عقد محمد الفاتح اجتماعاً ضم مستشاريه وكبار قواده أثناء حصار المدينة وطلب من الجميع أرائهم .. أشار البعض بالانسحاب ومنهم الوزير خليل باشا محذراً من غضب أوربا النصرانية فيما لو استولى المسلمين على المدينة وما ان سأل السلطان قائده زغنوش باشا عن رأيه حتى استفز في قعدته وصاح بلغة تركية تشوبها لكنة أرناؤوطية "حاشا وكلا أيها السلطان أنا لا أقبل أبداً ما قاله خليل باشا فما أتينا هنا الا لنموت لا لنرجع" أحدث استهلاله هذا وقعاً عميقاً على النفوس وخيم سكون الجميع فواصل "ان خليل باشا أراد بما قاله أن يخمد فيكم نار الحمية ويقتل الشجاعة ولكنه لن يبوء الا بالخيبة والخسران ان جيش الاسكندر الكبير الذي قام من اليونان وزحف الى الهند وقهر نصف أسيا الكبيرة الواسعة لم يكن أكبر من جيشنا فان كان ذلك الجيش استطاع أن يستولى علي تلك الأراضي العظيمة الواسعة أفلا يستطيع جيشنا أن يتخطى هذه الكومة من الأحجار المتراكمة؟ .. قد أعلن خليل باشا أن دول الغرب ستزحف الينا وتنتقم ولكن ما الدول الغربية هذه؟ وهل هي الدول اللاتينية التي شغلها ما بينها من خصام وتنافس؟ هل هي دول البحر المتوسط التي لا تقدر على شئ غير القرصنة واللصوصية؟ ولو أن تلك الدول أرادت نصرة بيزنطة لفعلت وأرسلت اليها الجند والسفن ولنفترض أن أهل الغرب بعد فتحنا القسطنطينية هبوا الى الحرب وقاتلونا فهل سنقف منهم مكتوفي الأيدي بغير حراك؟ أو ليس لنا جيش يدافع عن كرامتنا وعزتنا؟ يا صاحب السلطنة أما وقد سألتني عن رأيي فلأعلنها كلمة صريحة يجب أن تكون قلوبنا كالصخر ويجب أن نواصل الحرب دون أن يظهر علينا أقل ضعف أو خور، لقد بدأنا أمراً فواجب علينا أن نتمه ويجب أن نزيد هجماتنا قوة وشراسة ونفتح ثغرات جديدة وننقض على العدو بشجاعة، لا أعرف شيئاً غير هذا ولا أستطيع أن أقول شيئاً غير هذا" بدت على وجوه الجميع أمارات البشر والحماسة واتفقوا مع القائد الشجاع فيما رآه فقال السلطان "يجب الاستمرار في الحرب وبالغاية الصمدانية سيكون لنا النصر والظفر" وبعد اصدار التعليمات الأخيرة كانت خطبة الفاتح "اذا تم لنا فتح القسطنطينية تحقق فينا حديث من أحاديث رسول الله ومعجزة من معجزاته وسيكون من حظنا ما أشاد به هذا الحديث من التمجيد والتقدير فأبلغوا أبناءنا العسكر فرداً فرداً أنا لظفر العظيم الذي سنحرزه سيزيد الاسلام قدراً وشرفاً، ويجب على كل جندي أن يجعل تعاليم شريعتنا الغراء نصب عينيه فلا يصدر عن أحد منهم ما يجافي هذه التعاليم وليجتنبوا الكنائس والمعابد ولا يمسوها بأذى ويدعوا القسيس والضعفاء والعجزة الذين لا يقاتلون" أثر فتح القسطنطينية على العالم المسيحي: تأثر الغرب النصراني بنبأ الفتح وانتاب النصارى شعور الفزع والخزي والألم وتجسم لهم خطر جيوش الاسلام القادمة من استانبول "مدينة الاسلام" وبذل الشعراء والأدباء ما في وسعهم لتأجيج نار الحقد والكراهية والغضب في نفوس النصارى ضد المسلمين وعقد الأمراء والملوك اجتماعات طويلة ومستمرة وتنادى النصارى الى نبذ الخلافات وكان البابا نيقولا الخامس أشد الناس تأثراً بنبأ سقوط القسطنطينية وعمل جهده وصرف وقته في توحيد الدول الايطالية وتشجيعها على قتال المسلمين وترأس مؤتمراً عقده في روما أعلنت فيه الدول المشتركة عزمها على التعاون فيما بينها وتوجيه جميع جهودها وقوتها ضد العدو المشترك وأوشك الحلف أن يكتمل لولا معالجة الموت للبابا بسبب الصدمة العنيفة الناشئة لسقوط المدينة لديه. تحمس الأمير فيليب دوق بورجونديا والتهب حماساً وحمية واستفز الملوك لمقاتلة المسلمين وحذا حذوه البارونات والفرسان والمتحمسون والمتعصبون وتحولت فكرة محاربة المسلمين الى عقيدة مقدسة وكان محمد الفاتح بالمرصاد لكل تحركاتهم وخطط ونفذ ما رآه مناسباً لتقوية دولته وحمايتها وتدمير أعدائها .. اضطر النصارى المجاورين لمحمد الفاتح في بلاد المورة وآماسيا الى اظهار فرحهم وبعثوا وفودهم للسلطان في أدرنة لتهنئته. حاول البابا بيوس الثاني بكل ما أوتي تأجيج الحقد الصليبي من جديد فاستعدت بعض الدول ولما حان وقت النفير اعتذرت أخرى بسبب متاعبها الداخلية فقد أنهكت حرب المائة عام انجلترا وفرنسا وأما اسبانيا فهي مشغولة بالقضاء على مسلمي الأندلس وأما جمهوريات ايطاليا فكانت تهتم بتوطيد علاقاتها بالدولة العثمانية مكرهة. انتهى مشروع الحملة الصليبية وباتت البندقية والمجر وحدهما أمام الدولة العثمانية أما البندقية فأقامت معاهدة صداقة وحسن جوار وأما المجر فقد انهزمت أمام العثمانيين واستطاع العثمانيين أن يضموا الى بلادهم بلاد الصرب واليونان والأفلاق والقرم والجزر الرئيسية في الأرخبيل وتم ذلك كله في فترة قصيرة أثر فتح القسطنطينية على العالم الاسلامي عم الفرح والابتهاج ديار الاسلام في ربوع آسيا وافرقيا وأرسل السلطان محمد الفاتح رسائل الى حكام الديار الاسلامية في مصر والحجاز وبلاد فارس والهند يخبرهم بالنصر الاسلامي العظيم وأذيعت أنباء الانتصارات من فوق المنابر وأقيمت صلوات الشكر في العالم الاسلامي أجمع وزينت المنازل والحوانيت وعلقت على الجدران والحوائط الأعلام والأقمشة المزركشة يقول ابن الياس "فلما بلغ ذلك ووصل وفد الفاتح دقت البشائر بالقلعة ونودي في القاهرة بالزينة ثم ان السلطان عين برسباي أمير آخور ثاني رسولاً الى ابن عثمان يهنئه بهذا الفتح" أما أبا المحاسن بن تغري بردي فيقول عن فرحة أهل القاهرة"قلت ولله الحمد والمنة على هذا الفتح العظيم وجاء المقاصد المذكور ومعه أسيران من عظماء اسطنبول وطلع بهما الى السلطان (سلطان مصر اينال) وهما من أهل القسطنطينية وهي الكنيسة العظيمة باسطنبول فسر السلطان والناس قاطبة بهذا الفتح العظيم ودقت البشائر وزينت القاهرة بسبب ذلك أياماً ثم طلع القاصد المذكور وبين يديه الأسيران الى القلعة في يوم الاثنين 25 شوال بعد أن اجتاز ورفقته شوارع القاهرةوقد احتفلت الناس بزينة الحوانيت والأماكن وأمعنوا ذلك الى الغاية وعمل السلطان الخدمة بالحوش السلطاني من قلعة الجبل" وبعث الفاتح برسائل الفتح الى سلطان مصر وشاه ايران وشريف مكة وأمير القرمان كما بعث الى الأمراء المسيحيين المجاوريين له في المورة والأفلاق والمجر والبوسنة وصربيا وألبانيا والي جميع أطراف مملكته. من رسالة سلطان مصر الى الفاتح: خطبتها بكراً وما أمهرتها الا قنا وقواضباً وفوارسا من كانت السمر العوالي مهره جلبت له بيض الحصون عرايسا الله أكبر ما جنيت ثمارها الا وكان أبوك قبلك غراسا الله أكبر هذا النصر والظفر هذا هو الفتح لا ما يزعم البشر ومن رسالة شريف مكة: "وفتحناها بكامل الأدب وقرأناها مقابل الكعبة المعظمة بين أهل الحجاز وأبناء العرب فرأينا فيها من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنيين وشاهدنا من فحاويها ظهور معجزة رسول الله خاتم النبيين وما هي الا فتح القسطنطينية العظمى وتوابعها التي متانة حصنها مشهورة بين الأنام وحصانة سورها معروفة عند الخواص والعوام وحمدنا الله بتيسير ذلك الأمر العسير وتحصيل ذلك المهم الخطير وبششنا ذلك غاية البشاشة وابتهجنا من احياء مراسم آبائكم العظام والسلوك مسالك أجدادكم الكرام روح الله أرواحهم وجعل أعلى غرف الجنان مكانهم" سيف السلطان محمد الفاتح
[b](5) العثمانيون المفترى عليهم أدخلوا الاسلام لأوربا أول مرة واتسعت دولتهم الكونية لتشمل قارات العالم الثلاث حينها لاشك أن الماسونية والصهيونية العالمية وما ابتدعاه من فكر علماني وما خدع بصنائعهم من قوميين قد ظلموا تلك الخلافة الاسلامية ظلم عظيم. واني لأحزن كثيراً اذ أرى مناهجنا الدراسية تغفل دورهم اغفال تام .. فعلى حين تقلل من دورهم كثيراً مناهج أولادنا في المدارس وتكتفي بالاشارة الى أن الأتراك ليؤسسوا دولتهم تحصلوا على العمال المهرة من مصر والشام لاقامة درة العالم وقبلته في اسطنبول أو اسلام بول (مدينة الاسلام) كما أسماها المجاهدين الأتراك يتناسوا أن بفضل العثمانيين حمي الاسلام من الشيعة الصفويين والبويهيين واليزيديين وحموا الاسلام من الخلافة العبيدية . تناسوا أنهم حموا مسلمين الأندلس من التنكيل ونقلوهم الى ديار الاسلام وأنهم حاربو الاسبان والبرتغاليين وطهروا المغرب العربي منهم وحموه بعد أن كاد يضيع الى الأبد هو الأخر بعد ضياع الأندلس. أقلقوا راحة الاسبان والبرتغاليين ونزلوا على ثغورهم وخططوا مرات لاسترجاع الأندلس الى ديار المسلمين. تناسوا أنه بفضلهم تصدوا لما أراده ملوك البرتغال والاسبان من الوصول الى قبر المصطفي ونبشه للحصول على جثمان سيد الخلق محمد صلوات ربي وسلامه عليه ومقايضة المسلمين به للحصول على امارة القدس في أيدي النصرانية من جديد .. تناسوا أنهم طهروا البحر الأحمر والساحل الافريقي والخليج العربي وحتى قلاع الهند من جيوب البرتغاليين بعد أن نشطوا في فناء العالم الاسلامي السفلي .. تناسوا أنهم أقاموا حامياتهم في الحجاز وقبضوا على جواسيس أوربيين وجدوهم طوافيين بالكعبة يعدوا العدة لمخططات صليبية ما كان ليتخيلها العالم الاسلامي حينها. غفلنا عن دور هذه الخلافة العظيمة ولم نعلم أبنائنا به واكتفينا بصورة التركي المغرور في أفلامنا الذي يحاربه المصري المطالب للاستقلال أو القوميين العرب سواء في الثورة العربية في الحجاز أو ثورات القوميين في مصر والشام للاستقلال عن خلافة المسلمين. قد قام ولله الحمد مجموعة من علماء التاريخ من أبناء هذه الأمة بالزود عن الدولة العثمانية من افتراءات الجميع ومن أبرزها ما قام به الدكتور عبد العزيز الشناوي في ثلاث مجلدات ضخمة "الدولة العثمانية دولة اسلامية مفترى عليها" وما قدمه الدكتور محمد حرب مثل "العثمانيون في التاريخ والحضارة" و"السلطان محمد الفاتح فاتح القسطنطينية وقاهر الروم" وما كتبه الدكتور علي محمد الصلابي "الدولة العثمانية" وما كتبه الدكتور موفق بنى المرجة "صحوة الرجل المريض" فعلاً قد كان الاسلام رجل مريض سينهش عن بكرة أبيه لولا نشأة هذه الدولة. فهلا أعطيناها حقها؟ ينحدر العثمانيون من قبائل الغز (أوغوز) التركمانية، مع موجة الغارات المغولية تحولوا عن مواطنهم في منغوليا إلى ناحية الغرب. أقامو منذ 1237 م إمارة حربية في بتيينيا (شمال الأناضول، و مقابل جزر القرم). تمكنوا بعدها من إزاحة السلاجقة عن منطقة الأناضول. في عهد السلطان عثمان الأول (عثمان بن ارطغل) (1280-1300 م)، و الذي حملت الأسرة اسمه، ثم خلفاءه من بعده، توسعت المملكة على حساب مملكة بيزنطة (فتح بورصة: 1376 م، إدرين: 1361 م). سنة 1354 م وضع العثمانيون أقدامهم لأول مرة على أرض البلقان. كانت مدينة غاليبولي (في تركية) قاعدتهم الأولى. شكل العثمانيون وحدات خاصة عرفت باسم الإنكشارية (كان أكثر أعضاءها من منطقة البلقان). تمكنوا بفضل هذه القوات الجديدة من التوسع سريعا في البلقان و الأناضول معا (معركة نيكبوليس: 1389 م). إلا أنهم منوا بهزيمة أمام قوات تيمورلنك في أنقرة سنة 1402 م. تلت هذه الهزيمة فترة اضطرابات و قلائل سياسية. استعادت الدولة توازنها و تواصلت سياسة التوسع في عهد مراد الثاني (1421-1451 م) ثم محمد الفاتح (1451-1481 م) والذي استطاع أن يفتح القسطنطينية سنة 1453 م و ينهي بذالك قرونا من التواجد البيزنطي المسيحي في المنطقة. أصبح العثمانيون القوة الرائدة في العالم الإسلامي. حاولوا غزوا جنوب إيطاليا سنوات 1480/81 م. تمكن السلطان سليم الاول (1512-1520 م) من فتح العراق:1514 وكل بلاد الشام و فلسطين: 1516 م، مصر: 1517 م، ثم جزيرة العرب و الحجاز أخيراً. انتصر على الصفويين في معركة جيلدران و استولى على أذربيجان. بلغت الدولة أوجها في عهد ابنه سليمان القانوني (1520-1566 م) الذي واصل فتوح البلقان (المجر: 1519 م ثم حصار فيينا)، وفتح اليمن عام 1532إستولى بعدها على الساحل الصومالي من البحر الأحمر واستطاع بناء اسطول بحري لبسط سيطرته على البحر المتوسط بمساعدة خير الدين بربروسا الذي قدم ولاءه للسلطان (بعد 1552 م تم اخضاع دول المغرب الثلاث: الجزائر، تونس ثم ليبيا حيث أخضعت طرابلس في حدود عام 1551). فأصبحت الدولة تمتد على معظم ما يشكل اليوم العالم العربي بإستثناء وسط الجزيرة ومراكش وعُمان بإلإضافة إلى إمتدادها في وسط آسيا وجنوب شرق أوروبا. خارطة توضح حدود الدولة العثمانية منذ بدايتها وحتى اضمحلالها: