العز بن عبد السلام كان "العز بن عبد السلام" واحدًا من أشهر الشخصيات التي عرفها الناس في القرن السابع الهجري (الثالث عشر الميلادي) كان إمامًا فقيهًا وعالمًا متبحرًا في علوم الشريعة من فقه وحديث، ومؤلفًا عظيمًا له كتب قيمة .. لكن ذلك لم يكن وحده هو السبب في أن يلتف الناس حوله وأن يمنحوه حبهم وإعجابهم وتقديرهم . إنما أحبه الناس لأنه عاش من أجلهم يعلمهم أمور دينهم .. يحارب البدع والخرافات .. ينصح الحكام، ويخوض ميادين الجهاد، ويواجه الظلم والطغيان . طفولة ونبوغ ولد "عبد العزيز بن عبد السلام" ، المعروف بالعز في مدينة "دمشق" سنة (577 ﻫ =1181م) وبها نشأ وتعلم، وكانت آنذاك تمتلأ بحلقات العلم في المساجد والمدارس، وقد تأخر "العز" عن زملائه في طلب العلم، لكنه نجح في تعويض ما فاته بالانتظام في حلقات الدرس، والمواظبة على المذاكرة بحب شديد وهمة عالية، وساعده ذكاؤه وفهمه العميق على إتقان الفقه والتفسير وعلوم القرآن والحديث، والتبحر في تحصيل اللغة والأدب والنحو والبلاغة. وبعد أن انتهى من دراسته اتجه إلى التدريس في بيته وفى مساجد دمشق ومدارسها التي كانت الدولة تنفق عليها وتجعلها تحت إشرافها .. واستطاع المدرس الشاب أن يجعل الطلاب يلتفون حوله بسبب غزارة علمه وإتقانه لدروسه، وبراعته في الشرح بالإضافة إلى حبه للدعابة وذكره للنوادر والفكاهات التي يلطف بها درسه، وتزيل الملل من نفوس طلابه .. وبهذه الطريقة أقبل عليه الطلاب وامتلأت حلقاته بهم . خطيب الجامع الأموي بدمشق كان "العز عبد السلام" خطيبًا بارعًا، يؤثر في مستمعيه بصدق عاطفته وغزارة علمه، وسلاسة أسلوبه، ووضوح أفكاره، وهذه المؤهلات جعلته جديرًا بأن يكون خطيب الجامع الأموي في دمشق وكانت خطبه في الجامع مدرسة يتلقى الناس فيها أمور دينهم، ويستمعون منه القضايا التي تهمهم، ويحل لهم المشكلات التي تعترض حياتهم. وعرف عن الشيخ "العز بن عبد السلام" أنه كان لا يسكت عن خطأ أو تهاون في حق الأمة والوطن .. فإذا علم أن هناك تجاوزات كشفها في الحال وبين موقف الإسلام منها .. وكانت هذه المواقف تسبب له مضايقات، لكنه لم يهتم بها ما دام قد أدى واجبه. وفى إحدى خطبه أفتى بحرمة بيع السلاح للفرنج الصليبيين، وكانوا لا يزالون يحتلون أجزاء من بلاد الشام، بعد أن ثبت عنده أن هذه الأسلحة يستخدمها الفرنج في محاربة المسلمين. وكان قد علم أن وفدًا من الصليبيين قد سمح لهم سلطان "دمشق" الصالح "إسماعيل" بدخول "دمشق" لشراء سلاح لهم من التجار المسلمين. وكان لهذه الخطبة أثر كبير في الناس، فتناقلوها فيما بينهم، وأعجبوا كلهم بها إلا السلطان وحاشيته، فقام بعزل الشيخ عن الخطابة والإفتاء، وأمر بحبسه، لكنه أطلق سراحه بعد مدة خوفًا من غضب الناس وثورتهم و ألزمه بألا يغادر منزله. الرحيل إلى "القاهرة" سئم الشيخ "العز بن عبد السلام" العزلة التي فرضت عليه، ومنعه من إلقاء الدروس وإفتاء الناس، وكان يستشعر أن قيمة الإنسان فيما يعطى، وأن قيمته هو أن يكون بين الناس معلمًا ومفتيًا وخطيبًا لذلك قرر الذهاب إلى القاهرة، ورفض أن يتودد للسلطان ويستعطفه حتى يرضى عنه. وصل الشيخ إلى "القاهرة" سنة (639 ﻫ = 1241 م) واستقبله سلطان "مصر" الصالح "أيوب" استقبالاً عظيمًا، وطلب منه على الفور أن يتولى الخطابة في جامع "عمرو بن العاص"، كما عينه في منصب قاضى القضاة، وجعله مشرفًا على إعادة إعمار المساجد المهجورة في "مصر"، وهذه الوظيفة أقرب ما تكون الآن إلى منصب وزير الأوقاف . "العز بن عبد السلام" يبيع الأمراء قبل الشيخ الجليل منصب قاضى القضاة ليكون مدافعًا عن الناس محافظًا على حقوقهم، حاميًا لهم من سطوة الظالمين وأصحاب النفوذ .. وفى أثناء عمله اكتشف أن الأمراء المماليك الذين يعتمد عليهم الصالح "أيوب" لا يزالون من الرقيق، لم يتحرروا بعد؛ لتذهب عنهم صفة العبودية، ورأى "العز بن عبد السلام" أن هؤلاء الأمراء لا يصح تكليفهم بإدارة شؤون البلاد ما داموا عبيدا أرقاء, وعلى الفور قام الشيخ الشجاع بإبلاغهم بذلك، وأوقف تصرفاتهم في البيع والشراء وغير ذلك من التصرفات التي يقوم بها الأحرار، وترتب على ذلك أن تعطلت مصالحهم، وكان من بين هؤلاء الأمراء نائب السلطان . وحاول هؤلاء الأمراء أن يساوموا "العز بن عبد السلام"، ويجعلوه يرجع عما عزم عليه من بيعهم لصالح بيت مال المسلمين حتى يصيروا أحرارًا وتعود لهم كامل حقوقهم، لكنه رفض مساوماتهم وإغراءاتهم وأصر على بيعهم، ولما كان الموقف صعبًا على المماليك فإنهم رفضوا الامتثال لرأى الشيخ وفتواه، ورفعوا الأمر إلى السلطان الصالح "أيوب" ، فطلب السلطان من الشيخ التراجع عن فتواه فرفض، فأغلظ السلطان القول للشيخ واحتد عليه فانسحب الشيخ وترك السلطان وقد عزم على الاستقالة من منصبه. مزاد لبيع الأمراء ولما انتشر خبر استقالة الشيخ "العز" ومغادرته "القاهرة" حتى خرج الناس وراء الشيخ يرجونه في العودة، وفى الوقت نفسه أدرك السلطان خطأه فخرج هو الآخر في طلب الشيخ واسترضائه، وأقنعه بالعودة معه، فوافقه على أن يتم بيع الأمراء. وكم كان المشهد مهيبًا جليلاً والشيخ "العز بن عبد السلام" واقف ينادى على أمراء الدولة واحدًا بعد آخر ويغالي في ثمنهم، والسلطان الصالح "أيوب" يدفع الثمن من ماله الخاص إلى الشيخ الشجاع الذي أودع ثمنهم بيت مال المسلمين. وكانت هذه الوقعة الطريفة سببًا في إطلاق لقب "بائع الملوك" على الشيخ "العز بن عبد السلام". الأمراء أولاً في دفع الضرائب وطالت إقامة الشيخ في "القاهرة" حتى شهد ولاية السلطان "سيف الدين قطز" سنة ( 657 ﻫ =1258 م) وفى عهده أرسل المغول رسلاً إلى "القاهرة" تطلب منها التسليم دون قيد أو شرط، وكان المغول على أبواب "مصر" بعد أن اجتاحوا مشرق العالم الإسلامي، لكن سلطان "مصر" رفض هذا التهديد وأصر على المقاومة والدفاع، وكان الشيخ "العز بن عبد السلام" وراء هذا الموقف، يهيئ الناس للخروج إلى الجهاد . واحتاج السلطان إلى أموال للإنفاق على إعداد المعركة، فحاول فرض ضرائب جديدة على الناس، لكن "العز بن عبد السلام" اعترض على ذلك وقال له : قبل أن تفرض ضرائب على الناس عليك أنت والأمراء أن تقدموا ما تملكونه من أموال لبيت مال المسلمين، فإذا لم تكف هذه الأموال في الإعداد للمعركة، فرضت ضرائب على الناس، واستجاب السلطان لرأى "العز بن عبد السلام"، وقام بتنفيذه على الفور ... وخرج المسلمون للقاء المغول في معركة "عين جالوت" وكان النصر حليفهم . مؤلفات الشيخ ومكانته العلمية كان الشيخ "العز بن عبد السلام" متعدد المواهب في الإفتاء والخطابة والقضاء والتدريس، وله مؤلفات كثيرة في التفسير والحديث والفقه والأصول والسيرة النبوية، ومن أشهر كتبه : "قواعد الأحكام في مصالح الأنام"، و"الغاية في اختصار النهاية" في الفقه الشافعي، و"مختصر صحيح مسلم"، و"بداية السول في تفضيل الرسول"، و"تفسير القرآن العظيم" . شخصية الشيخ "العز" كان الشيخ "العز" عالمًا حقيقيًّا يدرك أن دور العلماء لا يقتصر على إلقاء الدروس والخطابة وتعليم الطلاب، فاشترك في الحياة العامة مصلحًا يأخذ بيد الناس إلى الصواب، ويصحح الخطأ لهم ولو كان صادرًا من أمير أو سلطان، ولما كانت نفسه قوية امتلأت بحب الله ولم يعد فيها مكان للخوف من ذوى الجاه والسلطان، فهو لا يخاف إلا الله، ومن خاف الله هابه الناس واحترموه. عاش الشيخ من أجل الناس وإصلاح حياتهم ودنياهم ، فعاش في قلوبهم ووجدانهم .. أحب الناس فأحبه الناس . وفــــــــــاته وقد امتدت الحياة بالشيخ الجليل فبلغ الثالثة والثمانين قضاها في خدمة الإسلام، والجهاد باللسان والقلم، وحمل السلاح ضد الفرنج ، حتى لقي ربه في (10 من جمادى الأولى 660 ﻫ = 2 من مارس 1261م) . "العز بن عبد السلام" في سطور * ولد "العز بن عبد السلام" في "دمشق" سنة (577 ﻫ = 1181 م) . * تلقى تعليمه في "دمشق" ودرس الفقه والحديث والتفسير واللغة والأدب . * بعد الانتهاء من دراسته جلس للتدريس في مساجد "دمشق" ومدارسها . * عُين خطيبًا للجامع الأموي في "دمشق"، واشتهر بجراءته في قول الحق . * ترك "دمشق" وانتقل إلى "القاهرة" سنة( 639 ﻫ = 1241 م) واستقبله السلطان "محمد الصالح أيوب" أحسن استقبال، وعينه في منصب قاضى القضاة. * وفى أثناء توليه القضاء أفتى بضرورة بيع الأمراء المماليك لصالح بيت المال، لأنهم أرقاء وتصرفاتهم غير جائزة . * ألف "العز بن عبد السلام" مؤلفات كثيرة في الفقه والحديث، من أشهرها.. "قواعد الأحكام في مصالح الأنام" ، و"مختصر صحيح مسلم" ، و"بداية السول في تفضيل الرسول"