هو عثمان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرّة بن كعب،يجتمع نسبه مع الرسول ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ من جهة أبيه،( عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف)، فهو قرشي أموي يجتمع هو والنبي ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ في عبد مناف، وهو ثالث الخلفاء الراشدين. وأمه أروى بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف، وأم أروى البيضاء بنت عبد المطلب عمة الرسول ـ صلى اللَّه عليه وسلم. ولد بالطائف بعد عام الفيل بست سنين على الصحيح (سنة 576 م). فأولاده ستة عشر: تسعة ذكور، وسبع إناث، وزوجاته تسع، ولم تذكر هنا أم كلثوم لأنها لم تعقب. زواجه من ابنتى رسول الله كان رسول اللَّه قد زوَّجها من عتبة بن أبي لهب، وزوَّج أختها أم كلثوم عتيبة بن أبي لهب، فلما نزلت: ( تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ). قال لهما أبو لهب وأمهما ـ أم جميل بنت حرب(حمالة الحطب) فارقا ابنتَي محمد، ففارقاهما قبل أن يدخلا بهما كرامة من اللَّه تعالى لهما، وهوانًا لابني أبي لهب، فتزوج عثمان بن عفان رقية بمكة، وهاجرت معه إلى الحبشة، وولدت له هناك ولدًا فسماه: "عبد اللَّه"، وكان عثمان يُكنى به ولما سار رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ إلى بدر كانت ابنته رقية مريضة، فتخلَّف عليها عثمان بأمر رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ، وكانت قد أصابتها الحصبة فماتت بها. ويقال لعثمان ـ رضي اللَّه عنه ـ: (ذو النورين) لأنه تزوج رقية، وأم كلثوم، ابنتيَّ النبي ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ. ولا يعرف أحد تزوج بنتيَّ نبي غيره، و يقال انه سمى بذلك لان النبى قال " فيه نور اهل السموات و مصباح اهل الارض " صفاته. من صفات عثمان التى كتبت على السنة معاصرية ، فنراهم مجتمعين على صفتين لم ينسهما احد منهم و هما : الجمال و الحياء. كان عثمان جميلًا وكان لا بالقصير ولا بالطويل ـ، حسن الوجه، رقيق البشرة كبير اللحية، أسمر اللون، كثير الشعر وكان يصفر لحيته ويشد أسنانه بالذهب ، كان خفيف الجسم لم يكن بضعيفة ولا قليله. اما خلائقه فقد اجمع على انه كان عذب الروح ، حلو الشمائل محببا الى عارفيه وكان ـ رضي اللَّه عنه ـ أنسب قريش لقريش، وأعلم قريش بما كان فيها من خير وشر، وكان رجال قريش يأتونه ويألفونه من الأمور لعلمه، وتجاربه، وحسن مجالسته، وكان شديد الحياء، ومن كبار التجار الاثرياء فى قريش. و كان الحياء من صفاتة الملازمة حتى زكاه الرسول قائلا: " اصدق أمتى حياء، عثمان". و و اقعة اخرا عن حياء عثمان ترويها لنا أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها فتخبرنا أن أبا بكر استأذن يوما على النبى و هو مضطجعا و قد انحسر جلبابه عن احدى ساقيه، فأذن لابى بكر فدخل ،واجرى مع الرسول حديثا ثم انصرف,و بعد قليل جاء عمر فاستاذن له، و مكث مع الرسول بعض الوقت قم مضى، ثم جاء بعدها عثمان فاستاذن ، واذا الرسول يتهيأ لمقدمه، قيجلس بعد ان كان مضطحعا و يسبل جلبابه فوق ساقيه المكشوف وقضى معه بعض الوقت ثم انصرف. قالت عائشة: يا رسول اللَّه" لم أرك تهيأت لأبي بكر وعمر كما تهيأت لعثمان! قال رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ: (إن عثمان رجل حيي وإني خشيت إن أذنت له على تلك الحال لاستحيا ان يدخل ولرجع دون ان اقضى له حاجته ) وقال يا عائشة : (الا أستحي من رجل تستحى منه الملائكة) إسلامه أسلم عثمان ـ رضي اللَّه عنه ـ في أول الإسلام قبل دخول رسول اللَّه دار الأرقم، وكانت سنِّه قد تجاوزت الثلاثين،و يروى ان سبب اسلامة ان ابا بكر شرح له قواعد الاسلام و هداية الدين الجديد فقال له: : ويحك يا عثمان واللَّه إنك لرجل حازم ما يخفى عليك الحق من الباطل، هذه الأوثان التي يعبدها قومك، أليست حجارة صماء لا تسمع، ولا تبصر، ولا تضر، ولا تنفع؟ فقال: بلى، واللَّه إنها كذلك،فدعاه الى لقاء النبى، و لقيه ، فقال له – عليه السلام- (يا عثمان أجب اللَّه إلى جنته فإني رسول اللَّه إليك وإلى جميع خلقه) قال عثمان : فواللَّه ما ملكت حين سمعت قوله أن أسلمت، وشهدت أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، وأن محمد رسول عبده ورسوله، ثم لم ألبث أن تزوجت رقية. وكان يقال: أحسن زوجين رآهما إنسان، وهاجر عثمان إلى أرض الحبشة فارًا بدينه مع زوجته رقية بنت رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ، فكان أول مهاجر إليها، ثم تابعه سائر المهاجرين إلى أرض الحبشة، ثم هاجر الهجرة الثانية إلى المدينة. عن أنس قال: "أول من هاجر إلى الحبشة عثمان"، وخرجت معه ابنة رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم و لما علم النبى قال ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ: (صحبهما اللَّه، إن كان عثمان لأول من هاجر إلى اللَّه عز وجل بعد لوط) وكان عثمان ـ رضي اللَّه ـ عنه أحد العشرة الذين شهد لهم رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ بالجنة وعن أبي موسى الأشعري: كنت مع رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ في حديقة بني فلان والباب علينا مغلق إذ استفتح رجل فقال النبي ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ: (يا عبد اللَّه بن قيس، قم فافتح له الباب وبشَّره بالجنة) فقمت، ففتحت الباب فإذا أنا بأبي بكر الصدِّيق فأخبرته بما قال رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ، فحمد اللَّه ودخل وقعد، ثم أغلقت الباب فجعل النبي ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ ينكت بعود في الأرض فاستفتح آخر فقال: يا عبد اللَّه بن قيس قم فافتح له الباب وبشَّره بالجنة، فقمت، ففتحت، فإذا أنا بعمر بن الخطاب فأخبرته بما قال النبي ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ، فحمد اللَّه ودخل، فسلم وقعد، وأغلقت الباب فجعل النبي ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ ينكت بذلك العود في الأرض إذ استفتح الثالث الباب فقال النبي ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ: (يا عبد اللَّه بن قيس، قم فافتح الباب له وبشره بالجنة ، فقمت، ففتحت الباب، فإذا أنا بعثمان بن عفان، فأخبرته بما قال النبي ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ، فقال: (اللَّه المستعان وعليه التكلان)، وقال ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ: (أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة،....) وعن حسان بن عطية قال: قال رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ: (غفر اللَّه لك يا عثمان ما قدَّمتَ، وما أخَّرتَ، وما أسررتَ، وما أعلنتَ، وما هو كائن إلى يوم القيامة) تخلّفه عن بيعة الرضوان في الحديبية دعا رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ عمر بن الخطاب ليبعثه إلى مكة فيبلغ عنه أشراف قريش ما جاء له فقال: يا رسول اللَّه إني أخاف قريشًا على نفسي، وليس بمكة من بني عدي بن كعب أحد يمنعني وقد عرفت قريش عداوتي إياها وغلظتي عليها، ولكني أدلّك على رجل أعز بها مني، عثمان بن عفان، فدعا رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ عثمان بن عفان، فبعثه إلى أبي سفيان وأشراف قريش يخبرهم أنه لم يأت لحربهم وأنه إنما جاء زائرًا لهذا البيت ومعظَّمًا لحرمته. فخرج عثمان إلى مكة فلقيه أبان بن سعيد بن العاص (هوأبان بن سعيد بن العاص الأموي، أبو الوليد، صحابي مشهور من ذوي الشرف، كان في عصر النبوة من شديدي الخصومة للإسلام والمسلمين، ثم أسلم سنة 7 هـ،) وعظماء قريش فبلغهم عن رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ ما أرسله به، فقالوا لعثمان حين فرغ من رسالة رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ إليهم: إن شئت أن تطوف بالبيت فطف، فقال: ما كنت لأفعل حتى يطوف رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ، واحتبسته قريش عندها، فبلغ رسول اللَّه والمسلمين أن عثمان بن عفان قد قتل، وقيل: إنه دخل مكة ومعه عشرة من الصحابة بإذن رسول اللَّه ليزوروا أهاليهم ولم يذكروا أسمائهم، وقيل: إن قريشًا احتبست عثمان عندها ثلاثة أيام، وأشاع الناس أنهم قتلوه هو والعشرة الذين معه. وعلى كل حال أبطأ عثمان ـ رضي اللَّه ـ عنه عن الرجوع فقلق عليه المسلمون، فلما بلغ ذلك الخبر رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ قال: (لا نبرح حتى نناجز القوم) ولما لم يكن قتل عثمان ـ رضي اللَّه عنه ـ محققًا، بل كان بالإشاعة بايع النبي ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ عنه على تقدير حياته. وفي ذلك إشارة منه إلى أن عثمان لم يُقتل، وإنما بايع القوم أخذًا بثأر عثمان جريًا على ظاهر الإشاعة تثبيتًا وتقوية لأولئك القوم، فوضع يده اليمنى على يده اليسرى وقال: (اللَّهم هذه عن عثمان في حاجتك وحاجة رسولك). اختصاصه بكتابة الوحي عن فاطمة بنت عبد الرحمن عن أمها أنها سألت عائشة وأرسلها عمها فقال: إن أحد بنيك يقرئك السلام ويسألك عن عثمان بن عفان فإن الناس قد شتموه فقالت: لعن اللَّه من لعنه، فواللَّه لقد كان عند نبي اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ وأن رسول اللَّه ـ مسند فخذه إلى عثمان، وإني لأمسح العرق عن جبين رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ، وأن الوحي لينزل عليه وأنه ليقول: اكتب يا عثيم، فواللَّه ما كان اللَّه لينزل عبدًا من نبيه تلك المنزلة إلا كان عليه كريمًا وعن جعفر بن محمد عن أبيه قال: كان رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ إذا جلس جلس أبو بكر عن يمينه، وعمر عن يساره، وعثمان بين يديه، وكان كَاتبَ سر رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ. جهاده بماله قام عثمان بن عفان رضي الله عنه بنفسه وماله في واجب النصرة ، كمااشترىبئر رومة بعشرين ألف وتصدق بها ، وجعل دلوه فيها لدلاء المسلمين ،كما ابتاع توسعة المسجد النبوي بخمسة وعشرين ألفا . ان الصحابة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة ، فأصاب الناس جهد حتى بدت الكآبة في وجوه المسلمين ، والفرح في وجوه المنافقين ،فلما رأى الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك قال : " والله لا تغيب الشمس حتى يأتيكم الله برزق "فعلم عثمان أن الله ورسوله سيصدقان ، فاشترى أربع عشرة راحلة بما عليها من الطعام ، فوجه إلى النبي صلى الله عليه وسلم منها بتسعٍ ، فلما رأى ذلك النبي قال : " ما هذا ؟ "قالوا : أهدي إليك من عثمان فعرف الفرح في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم والكآبة في وجوه المنافقين ، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه حتى رؤي بياض إبطيه ، يدعو لعثمان دعاء ما سمِع دعا لأحد قبله ولا بعده : " اللهم اعط عثمان ، اللهم افعل بعثمان ". جيش العسرة يقال لغزوة تبوك غزوة العُسرة، مأخوذة من قوله تعالى: {الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ}فقال له ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ: (هل أبقيت لأهلك شيئًا؟) قال: أبقيت لهم اللَّه ورسوله. وجاء عمر ـ رضي اللَّه عنه ـ بنصف ماله فسأله: (هل أبقيت لهم شيئًا؟)قال: نعم، نصف مالي.وجهَّز عثمان ـ رضي اللَّه عنه ـ ثلث الجيش جهزهم بتسعمائة وخمسين بعيرًا وبخمسين فرسًا. قال ابن إسحاق: أنفق عثمان ـ رضي اللَّه عنه ـ في ذلك الجيش نفقة عظيمة لم ينفق أحد مثلها. وقيل: جاء عثمان ـ رضي اللَّه عنه ـ بألف دينار في كمه حين جهز جيش العُسرة فنثرها في حجر رسول اللَّه فقبلها في حجر وهو يقول: (ما ضرَّ عثمان ما عمل بعد اليوم). وقال رسول اللَّه: (من جهز جيش العُسرة فله الجنة) خلافة عثمان بن عفان (23 - 35 هـ/ 643- 655م ) جعل عمر بن الخطاب -رضى الله عنه- الخلافة قبل وفاته شورى في ستة من كبار الصحابة، هم عثمان بن عفان، وعلى بن أبى طالب، وطلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، وعبدالرحمن ابن عوف، وسعد بن أبى وقاص -رضى الله عنهم-، وجعل ابنه عبدالله بن عمر معهم مشيرًا ولا يحق لهم اختياره، وقد وقع الاختيار على عثمان بن عفان سنة 24هـ لتولى خلافة المسلمين. وقد بدأ عثمان عهده بأن كتب إلى الولاة وعمال الخراج ينصحهم بالسير فى طريق العدل والإنصاف والمساواة بين الناس، وزاد فى أعطيات جيشه. واستمرت خلافته نحو اثني عشر عاما تم خلالها الكثير من الأعمال: نَسْخ القرآن الكريم وتوزيعه على الأمصار, توسيع المسجد الحرام, وقد انبسطت الأموال في زمنه حتى بيعت جارية بوزنها عمل عثمان على توطيد نفوذ المسلمين فى كثير من البلاد التى تم فتحها من قبل، كما نجح ولاته فى ضم مناطق جديدة إلى حوزة الدولة الإسلامية، جرى غزو "أذربيجان" و"أرمينية" للمرة الثانية على يد الوليد بن عقبة بعد أن امتنع أهلها عن دفع ما كانوا قد صالحوا المسلمين عليه، وفى نفس العام وصل معاوية بن أبى سفيان إلى الشام لصد الروم التى تحركت لغزو الشام واستعادتها من المسلمين، فأرسل جيشًا من أهل الكوفة بقيادة سلمان بن ربيعة الباهلى فى ثمانية آلاف رجل، فشنوا الغارات على الروم، وأوقعوا بهم، وتوالت الفتوحات الإسلامية، فعاود معاوية بن أبى سفيان غزو الروم، وتوغل فى أرضهم حتى وصل "عمورية"، وقد نجح فى ذلك ففتح قنسرين وغيرها. وفى الشرق بلغ "عثمان بن عبدالله" أرض كابل (أفغانستان الحالية).وفتح إفريقية (تونس حاليّا) . وانتصر جيش المسلمين على الجيش البيزنطى وسميت هذه الواقعة بغزوة "العبادلة"، وفيها قتل القائد البيزنطى جُرْجير على يد عبدالله بن الزبير، واستولى المسلمون على أرض تونس سنة 27هـ. وفى سنة 28هـ عمل معاوية على وضع النواة الأولى للأسطول الإسلامى لغزو قبرص حيث كانت تعد محطة تموين للأسطول البيزنطى فى البحر المتوسط وهو الذى اعتاد مهاجمة الشواطئ الإسلامية، وتم لمعاوية فتحها فانهزم الأسطول الرومى، وفر قائده بما بقى من مراكبه فى موقعة "ذات الصوارى" سنة 31هـ. وهكذا فقد كانت الفتوحات الإسلامية أيام عثمان بن عفان كبيرة وواسعة إذ أضافت بلادًا جديدة فى إفريقية وقبرص وأرمينيا، وأجبرت من نقض العهد إلى الصلح من جديد فى فارس وخراسان وباب الأبواب. وضمت فتوحات جديدة فى بلاد السند وكابل وفرغانة، ورغم هذا فقد حدثت فتنة فى أواخر عهد عثمان، فقد اتهمه فيها البعض بأنه يقرب إليه بنى أمية ويستشيرهم فى أموره، ويسند إليهم المناصب الهامة فى الدولة، وظهرت بعض الشخصيات التي صارت تبث روح السخط والتمرد فى نفوس أهل البلاد، ومن ذلك ما قام به عبدا لله بن سبأ (المعروف بابن السوداء) وكان يهوديّا يُظهر الإسلام، حيث تنَّقل بين الأقاليم الإسلامية محاولا إثارة الناس ضد الخليفة، ولم يمضِ على ذلك وقت طويل حتى أقبل إلى المدينة فى شوال سنة 35هـ وفد من العرب المقيمين فى مصر والكوفة والبصرة ومعهم بعض المطالب منها عزل الولاة الذين أساءوا للمسلمين، ومازالوا بالخليفة حتى قبل بعض مطالبهم، وسافروا من المدينة، ثم مالبثوا أن عادوا إليها وفى يدهم كتاب بختم عثمان، قالوا إنهم وجدوه مع رسول عثمان إلى ولاته يأمر فيه بحبسهم وتعذيبهم، فحلف عثمان أنه لم يكتب ذلك، ثم زعم الثائرون أن الكتاب بخط مروان بن الحكم فطلبوا إلى الخليفة أن يخرجه لهم فلم يقبل لكذب هذا الزعم ولخشية أن يقتلوه ظلمًا، فاشتدت الفتنة وحرَّض المحرضون بقيادة ابن السوداء، وضرب الثائرون حصارًا حول دار عثمان بن عفان، ولما علموا أن ولاة الخليفة فى الأقاليم الإسلامية أعدوا الجند لإرسالهم إليه شددوا الحصار على عثمان، وأساءوا معاملته، وبعد أن استمروا فى محاصرته أربعين يومًا، هجم عليه بعضهم وقتلوه، فقتل مظلومًا -رضى الله عنه- فى اليوم الثامن عشر من شهر ذى الحجة سنة35هـ الموافق السابع عشر من يونيه سنة 656م، وفُتِحَ بذلك باب عظيم من الفتنة والابتلاء على المسلمين. (رحمك اللَّه يا عثمان ما أصبت من الدنيا، ولا أصابت منك)