شهران , حطَّما أرصِفة قلبي .. مرا عليه ثقيلان .. قاسيان ، متخمان بالصمت و بالانتظار .. وﻷن للانتظار طقوسه الممزوجةِ بالرعد والمطر ، وﻷنني اعتدتُ أن أغلِّق أبوابَ كلماتي .. وأُحكم قفلُ الصمت حتى آخر همسة .. كان قلبي أكثرَ هشاشة .. للحدِّ الذي يجعلُ أدنى صوتٍ للنسيم يُثريهِ خُدوشًا باذِخة .. لكنهُ اختارَ الصقيعَ ياسيدي .. اختارَ أن يكونَ قطعةَ ثلجٍ جارحة .. ﻷنه يؤمن دوما .. بالبيت الذي يقول .. لا تنتظر أحدًا .. فلن يأتي أحدْ ! وﻷنه مازال يعجن ذاته في طحين التناسي , والابتعادِ .. والشُّرود ... الغريب ياسيدي .. أن يصفعكَ الشتاء بين ذراعَيْ الصيف .. أن تكونَ غائمًا بينما تصبُّ الشمسُ فوقكَ غضَبَها ! أن يتلقفكَ الضبابُ وأنت في حرٍّ سحيق .. والأغرب .. أن تظل رغم ذلك .. مُذعننًا لجميع الفصول .. عاقًا للبوحْ .. معاندًا للاقتراب .. مصحوبًا بشرخٍ عميقٍ يُنفقُ حُزنكَ عُملةً عُملة ! لأنك لا تحبٌّ أن تنحني دمعتك .. أو أن يتساقط وجَعُك ثمرا طريا .. لا تُحبُّ أن تتدثرَ بالغرور .. لكنكَ في ال [ وجعِ ] ذاتِه .. لا تُحبُّ أن تُختَطفَ من أبوابٍ متفرَِّقة ! ... سيدي البعيد , الوحدة أمل .. وأمنية .. وتنهيدة طويلة .. مادامت تمنعك من بعث رسالة لأحدهم .. تكتب فيها بدمعك : أنا أحتاجك ! وتُخبِّئ في أحدِ أكمامِها شُحوبًا وبكاءً كثيفًا ! كي يسكب أنظاره فيها .. ثم ينساك ورسالتك .. الوحدة جنة .. ذاتُ أفنان , وذكرياتٍ دانية .. مادمت صديقا لقلبك و للقلم .. .. لماذا أسقطُ عليك كِسَفا من الشقاء ؟ وقلبي مشكاة نور مهملة .. ومدينة أبهى من كل المدائن .. تنتظر فقط من يطرق بابها .. ويستأذنها في خربشات من الوجع .. لماذا أُرخي على قلبي من جلابيبه .. وأُخضِع صوتَ دفئه .. وأنتظرُ من الآخرين موجةَ اقتراب ضَافِية .. أصلها غائرٌ وفرعُها في السماء .. لماذا أنتظرك أصلا ! وأنت لم تكلف على نفسك حتى عناء كتابة رسالة .. رسالة ! جدائل الانتظار هذه .. تنساب بين كتِفيْ جميع التفاصيل .. تنتظر فقط .. من يقدُّها من دبر .. ثم ينسى .. ويُشفى منك ! دعني أخبرك سرا صغيرا .. قرأت في النسيان كثيرا .. كي أنساك .. كي أتعافى , ونسيت الجميع ياسيدي .. الجميعَ إلَّاك ! مازلت تتدلى من الذاكرة .. وترهقها .. تُوسِّعُ حدودها حدَّ الترهل .. حد التمزق ! للحد الذي يجعلني أدمنك .. وأعترف أن غيابك محض مرض .. وانتظارك محض حماقة !