ويرتفعُ النايْ
-طائرْ حزنِ الثلوجِ-
على راحةِ الموتِ
مثلَ وداعِ المواويلِ!
ماتتْ هديلْ!!
ولَمْ تمشِ بعدَ على شارعِ العمرِ..
لَمْ يرجعِ الطيرُ من آخر الصيفِ
كيما يعلْمها الطيرُ كيفَ تطرّزُ
سرَّ أنوثتها في حنانِ المناديلِ
ولم يكبر الغيمُ بعدُ
لتسقي جرارَ الطفولةِ بالحبرِ
وَهْيَ تؤلّفُ للعشقِ
أحلى المواويلِ..
كيفَ نودّعُ جثمانها الغضَّ
وهو يحدقُ مثلَ أبي الهولِ
في زرقةِ النيلِ؟!
كيفَ نودّعُ أهدابَهَا؟
دونَ أنْ يبلغَ القمحِ
عُمْرَ الحفيفِ على ركبتيها
هديلُ الأحنُّ على البحرِ
من غَيْمَةٍ في الأصيلِ!!،
القطا قبلَ أنْ يترهَّبَ خلفَ البحيراتِ،
أيقونةُ الدَعَوَاتِ
التي ذَهَبَتْ للصلاةِ
وأخَّرَهَا البيلسانْ!!
هديلُ التي اقتربتْ كالأباريقِ
من نَبْعَةِ الحزنِ
فانجرح الماءُ تحتَ يديها
وحطَّ على صَدَرَها
بلبلُ الموتِ قبلَ الأوانْ!!.
كأنَّ الطيورَ التي أطلقتها على الصبحِ
مالتْ على النهرِ
كيما تموتَ!!
كأنَّ الرياحَ التي سَرَقَتْ شَعْرَهَا
للحفيفِ
استحالتْ إلى حَسْرَةٍ
خلفَ شمسِ الخريفِ!!
وهرْتْ دموعُ البكاءِ على المَعْمَدَانْ!!
هي الآنَ خلفَ الكرومِ
تعلّمُ ألعابَهَا الرقصَ
أكثرَ من مرةٍ شاهدتها الينابيعَ
ترفعُ سَبْعُ أغان على راحتيها
وتومئُ مثلَ المغنْي لسربِ الحمامِ
فيشردُ في اللحنِ رفُّ الزرازيرِ..
أكثر مِنْ مَرَّةٍ شاهدتها المناديلُ
قبلَ الغروبِ
تُرَاسلُ حزنَ العصافيرِ!
تملأُ أحزانَهَا حنطةً
وتمرُّ براحتها فوقَ قلب الفقيرْ!
هي الآن دفترَ رسمٍ صغيرْ..
يحاولُ أن يتصوَّرَ مثلَ الحمامةِ
في النهرِ،
مثلَ الغزالِ الجميلِ..
هديلُ الصغيرةُ
شَبَّ على عمرها القمحُ
قبلَ الحصادِ،
بنى طائرُ النهرِ عشّاً على شُعْرَهَا
في الخريفِ
فمالتْ مع الريح مثلَ عذابِ المزاميرِ!!
تَنْهَدُ شَجْرَةُ أرزٍ
على صدرِهَا،
وتُعَلّقُ صبّارةٌ من دموعٍ
مثلَ وداعِ المواويلِ!!
ماتَتْ هديلْ!
السحابُ الأخيرُ منَ العمرِ،
دربُ الإوزِّ إلى النبعِ،
آخرُ أغنيةٍ لحّنتها على الحَوْرِ
أنثى النواعيرِ..
واأسفاهُ!! هديلُ التي
زوّجتْ قلبَها للغيومِ
وصارتْ جراراً من الدمعِ
مملوءةً بالخريرْ!
فقولوا لجدتَّها
أنْ تعمِّرَ أنصابَ وحشتها
آخرَ الصيفِ!
قولوا لخالتها
أن تنصِّبَ فزّاعةَ الحورِ
خلفَ السياجِ،
وللقمحِ أن يتموّجَ خلفَ الحواكيرِ..
قولوا لتلكَ الغيوم التي
تتشاجرُ في الأفقِ
أن تهدأَ الآن!
غابتْ هديلَ ولكنْ إلى حين..
طفلُ الصباحِ رآها
فرافقها نحو قصرِ الثلوجِ..
دَعَتْهَا الغزالةُ للنبعِ
كي تتأمّلَ عذريَّةَ الماءِ في وجهها،
وتُخَصِّلَ أهدابَهَا من حفيف الرياحينِ
لا تحسبوها(...)
رأتْ في الغيابِ لفيفَ بلابلَ زرقاءَ،
أجراسَ بيضاءِ،
سربَ عصافيرَ من ليلكٍ وغناءْ..
فغابتْ وراءَ البساتينِ
سوفَ تعودُ مع النهرِ يوماً
فألعابها لَمْ تنمْ بعدُ ...
فُلَّتُهَا ما تزال إلى الآن
ترسمُ أفواهُهَا قبلاتِ الهواءْ،
وسَرْوَتُهَا تُرْضعُ الغيمَ في السَّفْحِ
سوفَ تعودُ معَ النهرِ.. .
قامَتُهَا أرزةْ تائبهْ،
شَعْرُهَا القرويُّ يموّج أشعارهُ في الحقول
هديلُ شقيقةُ حزنِ الجداولِ،
رَجْعُ الحفيفِ على صخرةِ الروحِ
أنثى البحيراتِ
لكنها غائبهْ!