بردانةٌ حمصُ التي نامتْ
بلا شعراءَ!!!
تبكي شَتْلَةُ القمحِ الصغيرةُ
في جديلتها،
ويسقط طائرُ الأحزانِ ميتاً
قربَ زهرتَها اليتيمةِ
والأغاني ذابلهْ!
بردانةٌ..
والليلُ ذئبٌ جارحٌ في الريحِ
يعوي في أعالي التلّ!
والأمطارُ توأمُهَا الجريحُ
على جذوعِ النخلِ
والصورُ القديمةُ آفلهْ!
بردانةٌ حمصُ اليتيمةُ بالبكاءِ
وقلبُهَا أرجوحةٌ لليلِ
مرّ العاشقونَ ولم يَرَوْهَا
عند نَبْعِ الصيفِ جالسةً
تسرّحُ شعَرْها قبلَ الغيابِ..
ولم يَرَوا ذاك الهلالَ الطفلَ
في الأهدابِ
كي يتأمّلوهُ مشرّقاً
مثلَ النبيِّ إلى الصلاةْ!
لم يَسْمَعَوا
طيرُ الحفيفِ الغضِّ
يحرثُ في براري النهدِ
بستاناً من الريحانِ..
والرمانَ
قبلَ سقوطهِ فوقَ الخريفِ
ليقطفوهُ
وما رأوا في روحها
تلكَ السحابةَ
وهي تشردُ كالغزالةِ في الفلاةٌ
حمصُ التي كانتْ على شَجَرِ الغروبِ
حمامةَ العشاقِ
تشرعُ في المدى عينينِ متعبتينِ
لا قمرٌ ليؤنسَ حزنها
في الليلِ
لا نجمٌ يمزقُ ظلمةَ البستانِ!
أينَ الآنَ ديكُ الجنّ؟
نسرُ العاشقينَ على
تلالِ الأرزِ
- أغمدَ سيفَهُ المثلوم
في غمد الِبكاءْ!
يا طائرَ السهرِ البعيدِ!
بلغتُ هذا الحزنَ
لكن أينَ ديكُ الجنِّ
-بليلُ روحها المجروحُ!
:يحفرُ في عراءِ الأرضِ
حفرتَهُ الأخيرةَ
ضارباً للموتِ ناقوسَ الحداءْ!
تلقيهُ أجراسٌ من الندمِ الحزينِ
على ضريح حِدادهِ النائي،
ويطعنُ حزنه بالدمع صبّارُ الشتاءْ!!
/لا وردُ/ آتية من الينبوع،
حاملة إليه الماءَ
كيما يرقص المزمارُ
في أضلاعهِ التعبى
وتقفزَ كالربابةِ روحُهُ
فوق الأغاني..
لا امرأةْ
ليرشَّ زرقةَ صدرِها بالزهرِ والريحانِ،
يتركَ قلبَها للغيم..
لا امرأةٌ سوى ندمِ الكتابهْ!
ندمِ السكينةِ حين تلمسُهَا الكآبهْ! وردُ الصدى،
ندمُ الحياةِ المرُّ،
رجعُ خريرها في الروحِ
.. طعنةُ خنجرٍ في خصرها البدويّ
وردُ الهدهدُ الأبديّ
في أحلامنا البيضاءِ،
سنبلة الدموعِ على شبابيكِ النساءْ!!
وردُ السحاباتُ التي مرَّتْ
بلا مَطَرٍ على أعمارنا في الصيفِ
وردُ الصورةُ الثكلى لحمصَ الأرملهْ!!
والنايُ قبل بكائهِ الموصولِ
في العاصي،
وأشجارُ الحدادِ المُسْبَلَهْ!
والرغبةُ العمياءُ
تحفرُ في جراحِ الروحِ مجراها!،
ومزمارٌ على النسيانِ..
موالٌ لبدوٍ راحلينَ
إلى صحاري الليلِ
وردُ الدمعةُ الصمَّاءُ تحتَ الهدبِ.
تصويتُ المزاميرِ التي تبكي
على قمرِ الغيابْ!!
كم أغنيهْ؟
ستعيدُ روحي كي تراها،
كم غرابْ؟
سيرافقُ الأحزانَ نحو ضريحها!
وردُ الصدى الباكي على جيتارةٍ
خَلُصَتْ،
وسطرٌ من تراتيل السرابْ.
شجرٌ يصفّقُ في عراءِ الريحِ،
والقمحُ الذي ينمو على هدبِ الأناجيلِ،
المراثي حين يكبرُ عاشقٌ
ليحبَّ عذراءَ الضبابْ
هل حمصُ (وردٌ) ثانيهْ؟
ولِدَتْ من العاصي
لتعصمنا من النسيانِ..
أم أيّوبةٌ ربطتْ جديلتها على شجرِ الخريفْ؟!
هل حمصِ أمٌّ ثاكلهْ؟
فَقَدْتْ حمامتها على دربِ الحفيفْ
أم شَجْرَةٌ لقبور منسيينَ
يرعاها حمامُ الموتِ!
والأشباحُ تهدلُ في أعاليها،
ويحرسُ حزنَها قمرٌ كفيفْ!
أم قريةٌ؟
يرتادها العشّاقُ في أيلولَ
كي يتأمّلوا معنى الحياة!
وينحتوا فيها تماثيلَ الفراقِ
التائبهْ!
أم حانةٌ مهجورة عندَ المغيبِ
تشيخُ خلفَ سياجها ناعورة الأيامِ
موجعةَ العويلِ!!
ويرفعُ الحطّابُ فأس حياتهِ
الباكي
ليقطعَ ظلَّهُ من جذعهِ،
ويخبَّ خلفَ العاصفهْ!
بردانةٌ حمصُ الصغيرةُ في السنينِ وخائفهْ!
ملقى على أكتافها الصفصافُ..
والحَوْرُ العتيقُ يظلُّها،
ويرقرقُ العاصي أغانيهِ الحزينةَ
تحت ساقيها..
وألمحها هناكَ
تميلُ فوقَ الماءِ كالعذراءِ
تاركةً سنابلَ شَعْرها للموجِ
ألمحها على طرفِ البحيرةِ كاليمامةِ
باكيهْ.
حمصُ التي ولدتْ على صوتٍ
يقولُ لها:
يحبكُ آخرَ الأيامِ خيّالٌ
تَلِدْهُ الشمسُ من رَحِمِ المياهِ
الساكنهْ
يمشي إليك كأنهُ
بدرٌ بسبعِ (حمائمٍ) بيضاءَ
يرفعُ خصركِ للريحِ
كالقلمِ الجريءْ
ويشقُّ غيباً كاملاً
في الظلمةِ الثكلى
ليشعلَ نجمةَ الأعراسِ
فوقَ سريركِ العذريّ
كالثلجِ البريءْ
لكنّني ما زلتُ ألمحها
وراءَ النهر
جالسةً على سفحِ الغروبِ..
كأنها عذراءُ للنسيانِ
أو أيقونةُ الماضي .
تحدقُّ في غيابِ الشمسِ
كالأمِّ الحزينةِ
بانتظار زمانِ فارسها المغيّب
أنْ يجيءْ .
ما زلتُ ألمحها بمفردِ روحها
في آخر العاصي
تعمِّرْ حزنَهَا للغيمِ
راثيةً أغانيها على التفّاحِ..
ألمحها بمفردِ روحها
ترعى النواعيرَ العتيقةَ
بين أطلالِ الحدا!
لا تصرخي!
(ما في حدَا)
إلاّ الصدى!.