ندم الحياة المر

الناقل : mahmoud | الكاتب الأصلى : طالب همّاش | المصدر : www.adab.com

 

بردانةٌ حمصُ التي نامتْ‏

بلا شعراءَ!!!‏

تبكي شَتْلَةُ القمحِ الصغيرةُ‏

في جديلتها،‏

ويسقط طائرُ الأحزانِ ميتاً‏

قربَ زهرتَها اليتيمةِ‏

والأغاني ذابلهْ!‏

بردانةٌ..‏

والليلُ ذئبٌ جارحٌ في الريحِ‏

يعوي في أعالي التلّ!‏

والأمطارُ توأمُهَا الجريحُ‏

على جذوعِ النخلِ‏

والصورُ القديمةُ آفلهْ!‏

بردانةٌ حمصُ اليتيمةُ بالبكاءِ‏

وقلبُهَا أرجوحةٌ لليلِ‏

مرّ العاشقونَ ولم يَرَوْهَا‏

عند نَبْعِ الصيفِ جالسةً‏

تسرّحُ شعَرْها قبلَ الغيابِ..‏

ولم يَرَوا ذاك الهلالَ الطفلَ‏

في الأهدابِ‏

كي يتأمّلوهُ مشرّقاً‏

مثلَ النبيِّ إلى الصلاةْ!‏

لم يَسْمَعَوا‏

طيرُ الحفيفِ الغضِّ‏

يحرثُ في براري النهدِ‏

بستاناً من الريحانِ..‏

والرمانَ‏

قبلَ سقوطهِ فوقَ الخريفِ‏

ليقطفوهُ‏

وما رأوا في روحها‏

تلكَ السحابةَ‏

وهي تشردُ كالغزالةِ في الفلاةٌ‏

حمصُ التي كانتْ على شَجَرِ الغروبِ‏

حمامةَ العشاقِ‏

تشرعُ في المدى عينينِ متعبتينِ‏

لا قمرٌ ليؤنسَ حزنها‏

في الليلِ‏

لا نجمٌ يمزقُ ظلمةَ البستانِ!‏

أينَ الآنَ ديكُ الجنّ؟‏

نسرُ العاشقينَ على‏

تلالِ الأرزِ‏

- أغمدَ سيفَهُ المثلوم‏

في غمد الِبكاءْ!‏

يا طائرَ السهرِ البعيدِ!‏

بلغتُ هذا الحزنَ‏

لكن أينَ ديكُ الجنِّ‏

-بليلُ روحها المجروحُ!‏

:يحفرُ في عراءِ الأرضِ‏

حفرتَهُ الأخيرةَ‏

ضارباً للموتِ ناقوسَ الحداءْ!‏

تلقيهُ أجراسٌ من الندمِ الحزينِ‏

على ضريح حِدادهِ النائي،‏

ويطعنُ حزنه بالدمع صبّارُ الشتاءْ!!‏

/لا وردُ/ آتية من الينبوع،‏

حاملة إليه الماءَ‏

كيما يرقص المزمارُ‏

في أضلاعهِ التعبى‏

وتقفزَ كالربابةِ روحُهُ‏

فوق الأغاني..‏

لا امرأةْ‏

ليرشَّ زرقةَ صدرِها بالزهرِ والريحانِ،‏

يتركَ قلبَها للغيم..‏

لا امرأةٌ سوى ندمِ الكتابهْ!‏

ندمِ السكينةِ حين تلمسُهَا الكآبهْ! وردُ الصدى،‏

ندمُ الحياةِ المرُّ،‏

رجعُ خريرها في الروحِ‏

.. طعنةُ خنجرٍ في خصرها البدويّ‏

وردُ الهدهدُ الأبديّ‏

في أحلامنا البيضاءِ،‏

سنبلة الدموعِ على شبابيكِ النساءْ!!‏

وردُ السحاباتُ التي مرَّتْ‏

بلا مَطَرٍ على أعمارنا في الصيفِ‏

وردُ الصورةُ الثكلى لحمصَ الأرملهْ!!‏

والنايُ قبل بكائهِ الموصولِ‏

في العاصي،‏

وأشجارُ الحدادِ المُسْبَلَهْ!‏

والرغبةُ العمياءُ‏

تحفرُ في جراحِ الروحِ مجراها!،‏

ومزمارٌ على النسيانِ..‏

موالٌ لبدوٍ راحلينَ‏

إلى صحاري الليلِ‏

وردُ الدمعةُ الصمَّاءُ تحتَ الهدبِ.‏

تصويتُ المزاميرِ التي تبكي‏

على قمرِ الغيابْ!!‏

كم أغنيهْ؟‏

ستعيدُ روحي كي تراها،‏

كم غرابْ؟‏

سيرافقُ الأحزانَ نحو ضريحها!‏

وردُ الصدى الباكي على جيتارةٍ‏

خَلُصَتْ،‏

وسطرٌ من تراتيل السرابْ.‏

شجرٌ يصفّقُ في عراءِ الريحِ،‏

والقمحُ الذي ينمو على هدبِ الأناجيلِ،‏

المراثي حين يكبرُ عاشقٌ‏

ليحبَّ عذراءَ الضبابْ‏

هل حمصُ (وردٌ) ثانيهْ؟‏

ولِدَتْ من العاصي‏

لتعصمنا من النسيانِ..‏

أم أيّوبةٌ ربطتْ جديلتها على شجرِ الخريفْ؟!‏

هل حمصِ أمٌّ ثاكلهْ؟‏

فَقَدْتْ حمامتها على دربِ الحفيفْ‏

أم شَجْرَةٌ لقبور منسيينَ‏

يرعاها حمامُ الموتِ!‏

والأشباحُ تهدلُ في أعاليها،‏

ويحرسُ حزنَها قمرٌ كفيفْ!‏

أم قريةٌ؟‏

يرتادها العشّاقُ في أيلولَ‏

كي يتأمّلوا معنى الحياة!‏

وينحتوا فيها تماثيلَ الفراقِ‏

التائبهْ!‏

أم حانةٌ مهجورة عندَ المغيبِ‏

تشيخُ خلفَ سياجها ناعورة الأيامِ‏

موجعةَ العويلِ!!‏

ويرفعُ الحطّابُ فأس حياتهِ‏

الباكي‏

ليقطعَ ظلَّهُ من جذعهِ،‏

ويخبَّ خلفَ العاصفهْ!‏

بردانةٌ حمصُ الصغيرةُ في السنينِ وخائفهْ!‏

ملقى على أكتافها الصفصافُ..‏

والحَوْرُ العتيقُ يظلُّها،‏

ويرقرقُ العاصي أغانيهِ الحزينةَ‏

تحت ساقيها..‏

وألمحها هناكَ‏

تميلُ فوقَ الماءِ كالعذراءِ‏

تاركةً سنابلَ شَعْرها للموجِ‏

ألمحها على طرفِ البحيرةِ كاليمامةِ‏

باكيهْ.‏

حمصُ التي ولدتْ على صوتٍ‏

يقولُ لها:‏

يحبكُ آخرَ الأيامِ خيّالٌ‏

تَلِدْهُ الشمسُ من رَحِمِ المياهِ‏

الساكنهْ‏

يمشي إليك كأنهُ‏

بدرٌ بسبعِ (حمائمٍ) بيضاءَ‏

يرفعُ خصركِ للريحِ‏

كالقلمِ الجريءْ‏

ويشقُّ غيباً كاملاً‏

في الظلمةِ الثكلى‏

ليشعلَ نجمةَ الأعراسِ‏

فوقَ سريركِ العذريّ‏

كالثلجِ البريءْ‏

لكنّني ما زلتُ ألمحها‏

وراءَ النهر‏

جالسةً على سفحِ الغروبِ..‏

كأنها عذراءُ للنسيانِ‏

أو أيقونةُ الماضي .‏

تحدقُّ في غيابِ الشمسِ‏

كالأمِّ الحزينةِ‏

بانتظار زمانِ فارسها المغيّب‏

أنْ يجيءْ .‏

ما زلتُ ألمحها بمفردِ روحها‏

في آخر العاصي‏

تعمِّرْ حزنَهَا للغيمِ‏

راثيةً أغانيها على التفّاحِ..‏

ألمحها بمفردِ روحها‏

ترعى النواعيرَ العتيقةَ‏

بين أطلالِ الحدا!‏

لا تصرخي!‏

(ما في حدَا)‏

إلاّ الصدى!.