راهبة القمح الحمامة

الناقل : mahmoud | الكاتب الأصلى : طالب همّاش | المصدر : www.adab.com

 

على النهرِ تمشي الحمامةُ‏

خلفَ خرير المياهِ‏

ويرتحلُ العندليبَ.‏

***‏

وتبكي الرباباتُ بَعْدَ الخريفِ‏

فترجيعُهَا موجعٌ في الحقولِ،‏

ونَغْمَاتُهَا السودُ رَجْعٌ غريبُ.‏

على النهرِ تعبرُ سَبْعُ جرارٍ‏

فَمِلْ نحوها!‏

مثلما طائرُ الصُّبْحِ‏

واسْقِ فؤادكَ ماءً حلالاً!‏

فسبعُ جرارٍ يزغردنَ في زرقةِ الحبرِ‏

فوقَ بياضِ القصيدةِ‏

مِلْنَا إلى فِيْكَ‏

والشّعرُ معنىً رحيبُ .‏

فَنلْ ما تشاءُ من الطَّلْعِ!‏

وانضحْ بنبعكَ!‏

إنكَ قمحٌ‏

وبذرةُ روحِكَ‏

شهوةُ صلصالةٍ للتفتُّحِ‏

لامَسَهَا في الغداةِ هبوبُ .‏

***‏

على النهرِ ترعى الأيائلُ‏

حتى المغيب..‏

وتبقى ثيابُ الطفولةِ عائمةً‏

كرسائلِ طفلٍ من اللوزِ‏

سِرِحَهَا في الصباحِ غناءُ .‏

وَطَيْرٌ لروحِكَ حَلّقَ في الصبحِ‏

مثلَ الإوزّاتِ‏

فاكسرْ ثلاثَ زجاجاتِ حبرٍ!‏

على رِعْشَةِ الماءِ‏

وارفعْ يديكَ!‏

لتأتي الحبيبةُ حينَ تشاءُ.‏

لها.. للخزامى على راحتيها‏

لطفلِ الغزالةِ يشردْ خلفَ الطفولةِ‏

وهي تغنِّي ،‏

لدقِّ النواقيسِ في العيدِ..‏

هذي الضفائر تتركها‏

للهديلِ النساءُ.‏

***‏

إلى النهر‏

تأتي الحبيبةُ كيما تزوّجَ‏

للقمحِ ناهَدَهَا الغضّ‏

قبلَ صعودِ الحليبِ إلى حَلْمتيها‏

وتُرخي جديلتَهَا لحفيفِ العنبْ.‏

وتلهو مع الصيفِ‏

مثلَ عروس البحيراتِ‏

فاردةً ثوربها فوقَ حقلِ الذهبْ.‏

***‏

على النهرِ‏

تنصتُ سنبلةٌ للغيابِ‏

وتسبلَ أجفانها للعتابا..‏

وليسَ لها غير هذي الحساسين‏

تبكي إليها،‏

تحكُّ يديها‏

وتبني على شَعْرها خيمةً من قصبْ.‏

***‏

على النهر يرتحلُ العندليبُ الوحيدُ.‏

***‏

على النهر‏

يرتجلُ القمحُ موّالَ عاشقةٍ لتنامَ‏

فسيرقها من صداها النشيدُ..‏

وتولدَ أنثى الأغاني‏

ميممةً روحها للحفيفِ‏

فيشرقُ كأسٌ،‏

ويشرد نايٌ،‏

وينأى البعيدُ.‏

***‏

على النهرِ تمشي الحمامةُ‏

مثلَ الرسولةِ‏

والماءْ يرخي قميصَ نبوتّها‏

فوقَ حقلِ الصلاةِ‏

فتَحْدُو السماءُ على جرسِ الغيمِ‏

والغيمُ زاجلُ أرواحنَا‏

كلّما انفردَ النايُ بالحزنِ،‏

وامتدّ في شجرِ الليلِ عُوْدُ .‏

***‏

على النهرِ يرتحلُ العندليبُ الوحيدُ‏

إلى البيلسانْ.‏

***‏

على النهرِ تجلسُ راهبةُ القمحِ‏

مثلَ السحابِ‏

فيسقطُ في الماءِ ريشُ طفولتها‏

كالمناديلِ بيضاءَ.. بيضاءَ..‏

والحزنُ يَرْجِعُ بعدَ المساء‏

ليبكي على روحهِ‏

فوقَ صَدْرِ الكمانْ! .‏

***‏

على النهرِ يصبحُ اسمَ الصبيّة‏

طيراً‏

يُحلّق فوقَ الشآمِ‏

ويصبحُ ضلعُ الخطيئةِ أرملةَ للغريبِ‏

فينذرفُ الدّمعُ فوقَ خَلاءِ الطريقِ‏

من السنديانْ.‏

***‏

على النهرِ راهبةَ القمحِ‏

تومئَ للقبّراتِ‏

فتأتي رفوفاً، رفوفاً‏

وينفرطُ اللحنُ من جُرْحِ رابيةٍ،‏

ويموّتُ راعي الأيائلِ أغنيةَ النايِ‏

فوقَ الصخورِ فيبكي لها‏

عاشقانْ! .‏

***‏

على النهرِ قلبٌ فقيرٌ يحبُّ‏

وقلبٌ رفيقٌ يَشفُّ‏

وقلبٌ حزينٌ يحدقّ في الأقحوانْ! .‏

***‏

على النهرِ‏

يغمرُ سَاْقَ الصبيةّ ماءٌ‏

فتتركُ أجراسَهَا للغناءِ الأقلْ.‏

.. تميلُ مع الموجِ شيئاً فشيئاً‏

إلى أنْ يلامسَ موجُ الصبابةِ‏

أثداءها بالحفيفِ‏

فيطفرْ رفُّ الحجلْ.‏

***‏

على النهرِ تسرحُ شبّابةٌ للغناءِ‏

وتتركُ عاشقةٌ شَعْرَها للهديلِ‏

فنقّلْ على النايِ أنملكَ العشرَ! ،‏

واعفقْ على العودِ لحنَ الهدَلْ! .‏

***‏

على النهرِ تخلو إلى حزنها الروحُ‏

والريحُ تخطفُ شاْلَ الصبيّةِ للأرزِ‏

فابصمْ على اللوزِ سبعَ أناملَ بيضاءَ!،‏

وانقشْ على الشالِ زَهْرَ العَسَلْ! .‏

***‏

على النهرِ تمشي الحمامةْ مثلَ امرأةْ..‏

فَيَنْهَدُ مزمارُ راعٍ بعيدٍ‏

على رَبْوُةِ الفجر..‏

يطفرُ طيرُ البكاءِ..‏

يشفُّ رفيفُ البراءةِ في الحزنِ‏

وَجْهَ النساءِ..‏

وتترك أرواحها للرفيفِ القبلْ.