خريف أخير لهذي الروح

الناقل : mahmoud | الكاتب الأصلى : طالب همّاش | المصدر : www.adab.com

 

متأبطاً حُزْنيْ كأيلولَ البعيدِ‏

ورافعاً يأسيْ كأجراسٍ‏

إلى أعلى الغيومْ!! .‏

لا ريحَ تملأُ بالنّدامةِ راحتيّ‏

لكي أعلّق حسرتيْ واهاً‏

على حبلِ البكاءِ! ،‏

وأقتفي كالذّئب جرحَ حدادها المكتوم..‏

لا نَاعُوْرَة حدَلَتْ صدى صوتيْ‏

على دَرْبِ الكرومْ! .‏

متأبطاً حزنيْ وراءَ الغيمِ‏

والأحجارَ تقرعُ راحتيها‏

كلمّا طيرٌ رأني‏

واستدارَ إلى الغروبِ..‏

قفُوا وراءَ الليلِ وابكوني!‏

لأرحلَ كالأراملِ خلفَ مزمارِ الجنوبِ!‏

أنا التماثيلْ التي تركتْ يديها للصلاةِ!‏

أنا الحياة،‏

وضلعُ خريفها الخمسينَ!‏

لَمْ أجد المواويلَ التي‏

فتشتْ عن أجراسها في الحَلْمِ‏

لَمْ أجدِ الحساسينَ التي‏

تَلقي على روحيْ السلامَ‏

إذا بكيتُ!‏

أنا زوايا البيتِ‏

يحرسُهَا الظلامُ الكهلُ‏

والأيامُ مثل عباءةٍ سوداءَ‏

يلقيها الشقاءُ على ضريحِ الأرضِ،‏

والأحزانُ لاطئةٌ بظلّ الريحِ‏

كامرأةٍ على قبرِ الهديلْ!! .‏

هزوا مواويليْ على شجرِ النخيلْ!!‏

هزوا مواويلي‏

لأعجنَ بالحداءِ المرّ صَلْصَالَ اللياليْ‏

السودِ‏

وارثوني!‏

لأرفعَ زهرتيْ للموتِ‏

كالقمر الجميلْ!.‏

هزّوا النخيل!،‏

أكلمّا سَرّحتُ أحزانيْ على الأطلالِ‏

أبكتنيْ أيائلُ من دموعٍ،‏

كلمّا قوّسَتُ ظهريْ‏

فارقتْ عمريْ الأناشيدُ‏

التي حَمَلتْ فؤادي مثل عصفورٍ‏

إلى شُبَّاكِ أنثى في الأصيلْ؟! .‏

ليتَ الهديلَ بلا هديلْ!‏

لأطيرَ مثل حمامةِ الزيتونِ‏

فوقَ تلالِ قريتنا البعيدةِ‏

حاملاً للقمحِ سنبلةَ الحياةْ! .‏

ليتَ الحياةَ هي الحياة!‏

لأحبّها،‏

وأحبّ جمعتها الحزينةَ،‏

زعفرانَ خريفها في الروحِ..‏

مغربها الذي يعلو على الأحزانِ‏

منكسراً ..‏

وأهبط كالحمامة للصلاةْ.‏

يا ليتها أرجوحة‏

لأهزّ كلّ العمرِ صورتها‏

على صوت المياهِ‏

وأقطفُ الأزهارَ من قلبي‏

لأضفرَ طاقة لعيونها،‏

وأقصّ خصلةَ شعرها‏

لأزيّن الأشجارْ!.‏

هزوّا سريرَ القمحِ كي أغفو قليلاً! ..‏

واتركوني فارداً صدريْ‏

لشتلةِ زهرةِ الأشعارْ! .‏

لو كنتْ صفصافاً‏

لسرّحتُ السحابَ على مناديليْ،‏

وأسكنتُ الغرابَ جدائلي‏

في الليلِ‏

كي تتأمّلَ الأقمارُ جرحَ جمالهِ المكسورِ‏

وهو يلوذُ كالملكوتِ‏

نوّاحاً على الأشجارْ.‏

لو كانَ ليْ أيقونةً يا حزنُ‏

كنتُ بكيتُ‏

كالرمّان فوقَ سفوح من غابوا،‏

وطيرّتُ الرسائلَ خلفهم حزناً‏

لأرثيهمْ بدمع الروحِ‏

في دربِ الهوى النائي،‏

وأزرع دربهم صبَّارْ! .‏

لكنني كهلٌ أدبُّ على‏

أديم الأرضِ‏

دبَّ الحزنِ..‏

متكئاً عصا بؤسيّ العنيدِ‏

فأينما يممّتُ هذي الروحَ‏

لا ألقى سوى ندَميْ على الطرقاتِ‏

يا ريحُ اتركيني فوق سفحِ العمرِ وحدي!‏

كي أطيلَ على الحياة تأمليْ‏

وأموتَ كالبحّارْ!!.‏

***‏

متأبطاً حزنيْ‏

أجاهرُ في ظلامِ الليل‏

كالذئب الجريحِ..‏

أردُّ رجعَ الريحِ‏

من واد إلى وادي،‏

وأرحلُ في جهاتِ الأرض‏

لا بحرٌ لكي أجثو على شطّ الغروبِ‏

مودّعاً حزني‏

أنا كرَّامُ أحزان النصوبِ!‏

***‏

مُشَرّداً بين الأغاني مثلَ ناي‏

لا يملّ من الغناءِ إلي النجومِ‏

أنا المواويلُ التي نسيتْ ملامحَ‏

عاشقيها‏

ثم غابتْ كالغيومِ!!‏

طويتُ أجفاني على نفسيْ‏

ورحتُ أراقبُ الأيامَ‏

من برجي الكفيف‏

فلم يَعُدْ بيْ ما يدلّ على الحياةِ‏

سوى خيولِ الدمع تركضُ‏

خلفَ أشجارِ الخريفِ‏

ولمْ يَعُدْ في الروحِ‏

متسعٌ لرَجْعَاتِ الحفيفِ‏

فأينَ سفحُ المغربِ الباكي‏

لأرثيهْ؟!‏

أرثي مَوَاتَ كهولتي فيهْ!!‏

وأنامُ تحتَ هلالِ أيلول النبيّ‏

فأسبلوا أهدابكم بعد ارتحالي!‏

واذكروني‏

دونَ قبرٍ أو ضريح! .‏