متأبطاً حُزْنيْ كأيلولَ البعيدِ
ورافعاً يأسيْ كأجراسٍ
إلى أعلى الغيومْ!! .
لا ريحَ تملأُ بالنّدامةِ راحتيّ
لكي أعلّق حسرتيْ واهاً
على حبلِ البكاءِ! ،
وأقتفي كالذّئب جرحَ حدادها المكتوم..
لا نَاعُوْرَة حدَلَتْ صدى صوتيْ
على دَرْبِ الكرومْ! .
متأبطاً حزنيْ وراءَ الغيمِ
والأحجارَ تقرعُ راحتيها
كلمّا طيرٌ رأني
واستدارَ إلى الغروبِ..
قفُوا وراءَ الليلِ وابكوني!
لأرحلَ كالأراملِ خلفَ مزمارِ الجنوبِ!
أنا التماثيلْ التي تركتْ يديها للصلاةِ!
أنا الحياة،
وضلعُ خريفها الخمسينَ!
لَمْ أجد المواويلَ التي
فتشتْ عن أجراسها في الحَلْمِ
لَمْ أجدِ الحساسينَ التي
تَلقي على روحيْ السلامَ
إذا بكيتُ!
أنا زوايا البيتِ
يحرسُهَا الظلامُ الكهلُ
والأيامُ مثل عباءةٍ سوداءَ
يلقيها الشقاءُ على ضريحِ الأرضِ،
والأحزانُ لاطئةٌ بظلّ الريحِ
كامرأةٍ على قبرِ الهديلْ!! .
هزوا مواويليْ على شجرِ النخيلْ!!
هزوا مواويلي
لأعجنَ بالحداءِ المرّ صَلْصَالَ اللياليْ
السودِ
وارثوني!
لأرفعَ زهرتيْ للموتِ
كالقمر الجميلْ!.
هزّوا النخيل!،
أكلمّا سَرّحتُ أحزانيْ على الأطلالِ
أبكتنيْ أيائلُ من دموعٍ،
كلمّا قوّسَتُ ظهريْ
فارقتْ عمريْ الأناشيدُ
التي حَمَلتْ فؤادي مثل عصفورٍ
إلى شُبَّاكِ أنثى في الأصيلْ؟! .
ليتَ الهديلَ بلا هديلْ!
لأطيرَ مثل حمامةِ الزيتونِ
فوقَ تلالِ قريتنا البعيدةِ
حاملاً للقمحِ سنبلةَ الحياةْ! .
ليتَ الحياةَ هي الحياة!
لأحبّها،
وأحبّ جمعتها الحزينةَ،
زعفرانَ خريفها في الروحِ..
مغربها الذي يعلو على الأحزانِ
منكسراً ..
وأهبط كالحمامة للصلاةْ.
يا ليتها أرجوحة
لأهزّ كلّ العمرِ صورتها
على صوت المياهِ
وأقطفُ الأزهارَ من قلبي
لأضفرَ طاقة لعيونها،
وأقصّ خصلةَ شعرها
لأزيّن الأشجارْ!.
هزوّا سريرَ القمحِ كي أغفو قليلاً! ..
واتركوني فارداً صدريْ
لشتلةِ زهرةِ الأشعارْ! .
لو كنتْ صفصافاً
لسرّحتُ السحابَ على مناديليْ،
وأسكنتُ الغرابَ جدائلي
في الليلِ
كي تتأمّلَ الأقمارُ جرحَ جمالهِ المكسورِ
وهو يلوذُ كالملكوتِ
نوّاحاً على الأشجارْ.
لو كانَ ليْ أيقونةً يا حزنُ
كنتُ بكيتُ
كالرمّان فوقَ سفوح من غابوا،
وطيرّتُ الرسائلَ خلفهم حزناً
لأرثيهمْ بدمع الروحِ
في دربِ الهوى النائي،
وأزرع دربهم صبَّارْ! .
لكنني كهلٌ أدبُّ على
أديم الأرضِ
دبَّ الحزنِ..
متكئاً عصا بؤسيّ العنيدِ
فأينما يممّتُ هذي الروحَ
لا ألقى سوى ندَميْ على الطرقاتِ
يا ريحُ اتركيني فوق سفحِ العمرِ وحدي!
كي أطيلَ على الحياة تأمليْ
وأموتَ كالبحّارْ!!.
***
متأبطاً حزنيْ
أجاهرُ في ظلامِ الليل
كالذئب الجريحِ..
أردُّ رجعَ الريحِ
من واد إلى وادي،
وأرحلُ في جهاتِ الأرض
لا بحرٌ لكي أجثو على شطّ الغروبِ
مودّعاً حزني
أنا كرَّامُ أحزان النصوبِ!
مُشَرّداً بين الأغاني مثلَ ناي
لا يملّ من الغناءِ إلي النجومِ
أنا المواويلُ التي نسيتْ ملامحَ
عاشقيها
ثم غابتْ كالغيومِ!!
طويتُ أجفاني على نفسيْ
ورحتُ أراقبُ الأيامَ
من برجي الكفيف
فلم يَعُدْ بيْ ما يدلّ على الحياةِ
سوى خيولِ الدمع تركضُ
خلفَ أشجارِ الخريفِ
ولمْ يَعُدْ في الروحِ
متسعٌ لرَجْعَاتِ الحفيفِ
فأينَ سفحُ المغربِ الباكي
لأرثيهْ؟!
أرثي مَوَاتَ كهولتي فيهْ!!
وأنامُ تحتَ هلالِ أيلول النبيّ
فأسبلوا أهدابكم بعد ارتحالي!
واذكروني
دونَ قبرٍ أو ضريح! .