تُعذّبني القرويّةُ
تتركني مثلَ حزنٍ صغيرٍ
يفكّر بالحبّ في دَرْبِهَا
وتَعُودُ بغزلانها
حينَ تَحْزَنُ قريتُنَا بالغروبِ!.
***
وَهْيَ تربّي مواويلَهَا في المراعي،
وتَسْرَحُ بالنّاي
بينَ المروجِ..
وحينَ يَعُوْدُ الظّلامُ إلى التلّ
تَهْرَعُ سَبْعُ نجومٍ إلى راحتيها
فتبكي عليها!
وتأخذُ نجماً إلى بيتها
في الجنوبْ!.
تُعذّبني القروّية
تَحْملُ جَرّةَ ماءِ
وترحلُ عندَ الغيابِ إلى حزنها ..
ما أحنَّ حفيفَ الرياحِ على شَعْرِهَا
المتموّجِ
يجرحني الماءُ في حبُهّا
والدروبُ في الليلِ
تجرحني بالبكاءِ!..
ويجرحني في طفولتِهَا العندليبْ.
تعذّبني القروّيةُ
حينَ تنادي على الحَوْرِ.
تأخذني مِنْ يديّ إلى النهرِ
عمرُكَ أصغرُ...
يكبْركَ الياسمينُ
بنصفِ خريف، بصيفٍ منَ التوتِ..
يكبرُكَ القمحُ سنبلتينِ،
وحُزْنٍ قليلْ!.
تعذّبني القرويّةُ
في ضفّةِ النّهْرِ
تَتْرُكُ للماءِ رُوْحيَ عريانَةً
في المَهَبّ
وتُنقذني مِنْ سقوطِ دموعيْ
على رَاحَةِ العُشْبِ قبلَ الرحيلْ..
وتُنقذني مِنْ سُقُوط وريقاتِ حزنيْ
أمامَ التماثيلِ
لا شجْرَةُ الفُلّ تبكي فُرَاقيْ
إذا غِبْتُ ..
لا مُهْرَة في ضُلُوعِ الأصيلْ.
تُعَذّبني القرويّة
في ساحلِ الليلِ
يا قرويّةُ رفْقَاً بأغنيتي!
للموشّح جرحي..
وشبّابتي للهديلْ!
-ألا أيّها المبعدُ الطفلُ
كيفَ استحلتَ غريباً على صَخْرَةِ البُعْدِ؟
-شردّني طائرُ العُتْمَةِ المغربيّ
وأخّرني عنِ الحزنِ أيلولُ
شَهْرَاً من التينِ..
أخرّني طائرَ النهرِ صيفَ نخيلْ.
تُعذّبني القرويّة
يركضُ قمحٌ إلى خَصْرِهَا
ويَشبّ بسَبْعِ سَنَابِلْ
ويركضُ طيرٌ إلى شَعْرِهَا
ليحرّرَ سبعَ رسائلْ.
ويمشي الحمامُ وراءَ الحمامْ.
تُعذّبني القرويّة والنايُ
تمضي بجرّتِهَا إلى النبع صبحاً
فيتبعها
وتَعُوْدُ مِنَ الحقْلِ ليلاً
فيسبقُهَا..
ويبكي وحيدَاً على رُوْحِهَا في الظلامْ.
تعذِّبني القرويّةُ بَعْدُ الغروبِ! .
تعذِّبني القرويّةُ في الفجرِ
والقَمْحُ يُحْزنني
كلّما هبّتِ الريحُ مجروحَةً في العيونِ
وتُحزنني أينما رحتُ تلكَ النصوبْ!.