تغريبة الندم

الناقل : mahmoud | الكاتب الأصلى : طالب همّاش | المصدر : www.adab.com

 

كالذئبِ أعدو خلفَ أطيافِ الغيابِ‏

أطاردُ الأصداءَ من جبلٍ إلى جبلٍ‏

وأنحتُ في جذوعِ الحورِ خسرانيْ.‏

لكأنَ هذي البيدَ مرثاتي الطويلةُ‏

والرياحُ محادلُ الأشجانِ عن جَلَدِيْ وصوَّانيْ.‏

متأبّدٌ في الريحِ‏

أرعى رجعَهَا الموجوعَ‏

في بريَّةٍ منهوبةِ الأمطارِ‏

لا غيمٌ يسجِّيني على نهرٍ‏

لأتبعَ مسقطَ الرمانِ،‏

لا قزحٌ يلوّحُ في أعالي الصحوِ‏

قمصاني.‏

أغلقتُ خمسَ أصابعٍ في الليلِ‏

ثم فتحتها‏

فإذا بشمسِ العمرِ غاربةً،‏

وأيلولِ الفراغِ مدويّاً..‏

والأرضُ تنأى عن مواعيدي (وتنآني).‏

"أبداً أجرُّ ندامتي خلفي"‏

وأنهدُ في الفراقِ‏

كجرحِ جيتارٍ عتيقٍ‏

شقَّهُ في الصدرِ سكّينُ النغمْ.‏

أبداً يحالفني الألمْ!‏

وأنا أجيرُ طفولةَ العشاقِ‏

من ثكلِ الزمانِ،‏

وأرفعُ الشهواتِ ضدَّ الموتِ،‏

والأشعارَ في وجهِ الهرمْ.‏

أبداً أعيدُ إلى الخريفِ دموعَهُ الصفراءَ‏

أسندُ شَجْرَةَ الحورِ العتيقةِ في الغروبِ‏

مسلّماً روحيْ لأسرابِ الزغاريدِ الكليمةِ‏

بالندمْ.‏

أنا قيسُ هذا الليل،‏

قدّيسْ الهلالِ وطفله الباكي،‏

وحزنُ قميصهِ المسفوحِ فوقَ الماءِ‏

من دمعٍ ودمْ.‏

أبداً أقاتلُ وحشةَ العشاقِ‏

بالتحديقِ في كأسٍ‏

يزاوجُ زهرةَ الرمانِ بالأحزانِ‏

في روحيْ‏

ويلطمُ بالرنينِ العذبِ‏

أقفيةَ العدمْ.‏

هل كانَ ذنبي أنني‏

(أحببتُ حتى الموت) أن أبكي‏

شقائي فوق صدرِ العامريةِ‏

كي أحدَّ من الألمْ؟‏

هل كانَ ذنبي أنني أغفيتُ أحزاني‏

على نهدٍ كريم اللوزِ،‏

أبيض من ثريّاتِ الذهبْ.‏

فلمستُ في النهدينِ أزرارَ البنفسجِ‏

وهي تزهرُ مثلَ حبّاتِ العنبْ.‏

فشعرتُ أنَّ الصبحَ يلعبُ بالحمائمِ‏

في دروبِ الروحِ،‏

والغزلان تركضُ في براري الفجرِ‏

كالشهواتِ،‏

والرعشاتُ تذروني كموّالٍ على إبر القصبْ.‏

وسمعتُ صوتاً من أعالي الغيبِ‏

ينهاني عن التفاحِ:‏

لاتمسسْ هديلَ الريحِ في خصرِ امرأهْ!‏

لكنني ألفيتُ نفسي شارداً في البيدِ‏

أتبعُ صوتها النائي،‏

ويتبعني صدايْ.‏

كنواحِ مزمارٍ جريحٍ‏

في عراءِ الأرضِ‏

يزفرُ حزنَهَ وجعاً ونايْ.‏

أبداً يرجّعني صدايْ!‏

ويردّني نهرٌ إلى قمرٍ‏

يسافرُ في صبايْ.‏

فتهيمُ بيْ ليلايَ‏

بنتُ الدمعِ والبجعِ الحزينِ على ضفافِ الصبحِ،‏

أجملُ صدفةٍ للموتِ‏

أين عرفتِ هذا الطعنَ بالسكِّينِ‏

ياامرأة الحنينِ المرِّ؟‏

كانَ القمحُ يتركُ شعرَهَا عبرَ السنابلِ،‏

والأنوثةُ تصطفيها من دموعِ الوردِ‏

أختُ الكحلِ وابنتهُ‏

وشهرٌ من غناءْ.‏

شهرُ الحساسينِ السماويُّ‏

الذي يرمي بزرقتهِ سحاباتِ المساءْ.‏

ونداءُ أجراسٍ لأعيادِ الأناجيلِ‏

التي تنداحُ كالتسبيحِ في سَمْعِ الحداءْ.‏

وأنا عماءُ الغيمِ في أفقٍ من الصبواتِ‏

أفردُ راحتيْ للحبِّ‏

كالصقرِ الجريحِ‏

كأنَّ هذا القفرَ مرآتيْ على الأيامِ،‏

والفقدانَ توأمُ حسرتيْ‏

عندَ الفراقْ.‏

أبداً يخالفني العراقْ!‏

في حبِّ ليلى‏

هلْ حرامٌ أن أراها؟‏

كالحمامةِ في إناءِ الصبحِ‏

تغمسُ ريشةً زرقاءَ في حبرِ الأغاني،‏

ثم تدرجُ بالهديلْ.‏

بيضاءُ لوَّحها بسمرتهِ سحابُ الصيفِ‏

فاشتعلتْ‏

وباكرها الرحيقُ السلسبيلْ.‏

لكأنما قلبيْ لشدِّةِ حزنهِ‏

راحتْ تطاردهُ الثعالبُ‏

في اصفرارِ الدمعِ‏

لا قمرٌ ليبكي أمَّهُ في الليلِ‏

لا ضوءٌ يناديهِ تعالَ..‏

يدورُ هذا العمرُ في عجلٍ‏

ويركضُ في عراءِ الطينِ ذئباً نابحاً‏

ينعى أناجيلي وينعاني.‏

وأنا أردّدُ في الرياحِ ضراعتيْ‏

كالشاعر الأعمى،‏

وأشردُ في فراغِ المغربِ القانيْ.‏

لكنني والليلُ يأفلُ بالغناءِ أنوحُ‏

وردَ جمالِها المفقودَ،‏

والحزنَ الذي راءى انكساراتي‏

وراءاني‏

لكأنني فزاعةٌ للموتِ في حقلٍ من الغربانِ..‏

تخطئني نبالُ الشهوةِ السوداءُ‏

يقتتلانِ‏

في روحي الظلامُ مع النهار،‏

الشوكُ والأزهارُ‏

لكني ألامسُ في شروقِ الشمسِ‏

قطناً رائعَ الأهدابِ‏

يغمرني بفضتهِ..‏

وألمحُ زهرةَ العبَّادِ‏

طالعةً كسورةِ يوسفٍ في وجهِ‏

إلحادي وإيماني