متألماً في الغاب،
أرفعُ كالذئابِ ندائيَ المجروحَ
لا الأفقُ الملبّدُ بالغيومِ
يحدُّ من ندمي،
ولا رَجْعُ الطواحين الحزينْ
لكأنما هذي الحياةُ خليلةٌ للموتِ،
بنتُ دموعنا في الليلِ...
فلاّحونَ نحرثها
وتحرثنا السنينْ.
وحدي أجاهرُ في جهات الحزنِ
بالخسرانِ،
أرفعُ راحتيْ في وجهِ هذا الصبرِ:
"لا جدوى"
وأرثي في خلاءِ الروحِ غرباني
ورهطَ النائحينْ.
أأنا الندامةُ أم سوادٌ حالكٌ،
أم شهوةٌ مجهولة الرعشاتِ
تلمعُ كالسكاكينِ الجريحةِ
في فضاءِ الجنسِ
أم طعمُ الفراقِ المرِّ
في شفة الحنينْ؟
أأنا طليقٌ أم سجين؟
أأنا صراخُ الروحِ في المطلقْ؟
أم رَجْعُهَا الخاوي على طللِ الحُدا الأعتق؟
أم عزلةٌ مضروبة في الليلِ
تلفظها العقاربُ
والأسابيعُ الطويلةُ
والشهورْ.
ربَّاهُ كيف تُطيقني روحي
وتلفظني القبورْ؟
* * *
متألّماً في الغابِ
أشهدُ في الغيابِ أمومةَ
الأحزانِ
تركضُ في ظلالِ الوحشة الصمّاءِ
نادبةً كآباتِ الغروبْ.
لو أنَّ هذي الأرض من شجنٍ
جعلتُ نواحها يُصدي
على كلّ الدروبْ.
وتركتُ قبري ضائعاً في الريحِ
يندبهُ العراءُ،
وتلبسُ الأكفانَ من حزنٍ عليهِ
الأمهاتُ الباكياتُ على الجنوبْ.
لكأنَّ أيامي رحيلُ الغيم
خلفَ الغيمِ
لا نجمٌ ليرضعني حليبَ الحزنِ
في الأغساقِ..
لا قمرٌ يضيءُ بليلتي الثكلى
ويحملني على جنحِ الطيوبْ.
أبداً يحلّقُ طائرٌ
بيني وبين الموت،
والأمطارُ تسقطُ كالبكاءِ
على بساطِ الدمعِ
دمعٌ أسودٌ ينسابُ من شرياني
المقطوعِ
فوقَ الصخرِ معتكراً..
وقلبٌ خافقٌ باليأسِ
يسكنني،
وتملؤني الذنوبْ!
مازلتُ أركضُ خلفَ أسرابِ الحمامِ
من الشروقِ إلى المغيبِ
مُلوِّحاً بقميصِ إيماني
فلا أصطادُ إلا الوهمَ
والقمر الكذوبْ.
لا الليلُ تسقطهُ مواويلي
ولا نوحيْ يردُّ جدارَهُ المضروبَ
حولَ الروحِ
كالأبدِ المحجَّر
والصخورْ.
ربّاهُ كيف تطيقني روحيْ،
وتلفظني القبورْ؟