لا يطال هذا السؤال ظاهرة العنصرية في أمثلتها المتطرِّفة، كنظام الأبارتايد في جنوبي أفريقيا الذي لم يمضِ وقت طويل على انهياره, أو الذكريات قريبة العهد المتعلقة باضطهاد الزنوج في الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها, أو إسرائيل الذي لا يزال يجد في عنصريته الدينية ضربًا من المَدَدِ الإيديولوجي الذي يؤدي بالنسبة له وظيفة بالغة الأهمية. ما يطاله السؤال أو يقصده هو العنصرية كظاهرة أوسع من أن تُحْصَر في عدد قليل من الأمكنة أو الحالات. فهل انتهت العنصرية؟ في الإجابة على سؤال النهاية هذا, ثمة اختلاف بين وجهتين من النظر يرتبط بالاختلاف على تحديد بداية هذه الظاهرة: فهناك, من جهة أولى, مَن يرون أن العنصرية قديمة قِدَمَ المجتمع البشري, وحاضرة في التاريخ كلِّه، لأن كراهية الأعراق الأخرى هي من صُلب الطبيعة البشرية؛ ولذا فإن لا نهاية لها إلا بانتهاء هذه الطبيعة وفناء بني البشر. وهناك, من جهة ثانية, مَن يرون أن العنصرية ظاهرة حديثة، وأن ما عرفتْه المجتمعات القديمة هو أشكال مختلفة من "المركزية الإثنية", التي تختلف عن العنصرية في أكثر من جانب, وذلك لينقسم هذا الفريق، من بعدُ، إلى جماعتين: ترى أولاهما أن العنصرية قد تهاوت اليوم بعد أن دَحَضَ العلمُ مزاعمها وأثبت تهافتها، وأنها لم تعد موجودة إلا في جزر معزولة ومحدودة، لن تلبث أن تزول؛ أما الجماعة الثانية فترى أن هذه الظاهرة لم تنتهِ، وإنما تغيَّرتْ أشكالُها وحسب. فاللافت في هذه الأيام هو ما يعتري العنصرية من انتقال يحوِّلها من التركيز السابق على البيولوجيا والجغرافيا والمناخ، كأساسين لتفسير التفاوت بين البشر وتسويغ ترتيبهم في مراتب متباينة في القيمة والنوع، إلى التركيز على الثقافة (والدين على وجه الخصوص) كأساس لمثل هذا التفسير والترتيب. ولا شكَّ أن مثل هذا التحول يقتضي وعيًا متجددًا بهذه الظاهرة، لا من حيث تاريخها وبنيتها ووظائفها وآليات اشتغالها وما تتوخَّاه من غايات وأغراض وحسب, وإنما من حيث أشكالها الجديدة وما تؤديه من وظائف في ظروف متغيِّرة ومتبدِّلة أيضًا. لا شك أن للرياضة فوائد مهمة في تنمية لياقة الشباب وبنائهم الجسماني، كما أنها تقطع أوقات فراغهم بشيء مفيد ومسل بنفس الوقت، لكن عندما تصبح الرياضة "هوسا" وتعصبا، فإنها تفقد كل قيمها، وتصبح أضرارها أكثر من فوائدها، مهما عظمت هذه الفوائد. ومن أهم سمات التعصب الرياضي، هو الاندفاع العاطفي اللامدروس تجاه ناد كروي أو فريق وطني، وما قد يصاحب ذلك من شغب وأحداث مؤسفة طالما شاهدناها في الملاعب. في هذا الصدد، أقر الاتحاد الدولي لكرة القدم «الفيفا» مشروع قرار يطالب أندية كرة القدم والاتحادات والإداريين باتخاذ إجراءات حاسمة لاستئصال شأفة العنصرية في اللعبة. وعبر سيب بلاتر رئيس الفيفا عن هذا التعصب بأنه «بلاء مروع سائد في أنحاء العالم»، كما أقر مندوبو أكثر من 200 دولة مشروع القرار في المؤتمر غير العادي الذي عقد لهذا الغرض في كانون الثاني – يناير عام 2001. هذا الموضوع أثير بسبب استشراء العنصرية في الملاعب الأوروبية تحديدا، حيث أخذ مؤيدو بعض الأندية في إيطاليا مثلا بإطلاق هتافات ضد اللاعبين السود والتلفظ بعبارات عنصرية ورفع لافتات عليها عبارات ورموز عنصرية قبل وأثناء مباريات الموسم الكروي لعام 2000. وهنا دعت وثيقة الفيفا «كل منظمي مباريات كرة القدم إلى فرض لوائح ترفض دخول أي ممن ينخرط أو يشتبه في انخراطه في أعمال عنصرية أو متعلقة بالعنف لأرض الملعب، وحظر أي مقالات تنقل أي رسالة ذات فحوى عنصري تصريحا أو رمزا» كما تطالب الوثيقة بأن يعين منظمو المسابقات مراقبين للمباريات التي تعتبر ذات «مخاطر كبيرة»، وأن يطرد منظمو المباريات المشجع الذي تصدر عنه إساءة عنصرية، ويمنعونه من حضور المباريات اللاحقة. وتدعو وثيقة الفيفا المدربين وإداريي النوادي إلى معاقبة اللاعبين المتورطين في أحداث عنصرية سواء في الملعب أم خارجه، والحكام إلى تشديد معاقبة مرتكبي الإساءات العنصرية من اللاعبين أو الإداريين. أزمة كروية "هامشية" بين الأشقاء الأوروبيين الألمان والبريطانيين، وتبادل الاتهامات مع الأصدقاء البرازيليين، وخيبة أمل بعد الحماس الكبير في جنوب أفريقية، وعودة إلى عالم الواقع في المملكة المغربية.. هذه بعض النتائج الإضافية التي رافقت إعلان النتيجة الرئيسية وكانت -كما انتشر في أنحاء العالم خلال دقائق معدودة- لصالح ألمانيا التي لم يمضِ سوى أيام معدودة على هزيمتها المُرّة في دوري التصفية الأول في البطولة الأوروبية. ولكن فوزها الآن كان في المباراة الأهم والأكبر شأنًا من أي مباراة على الملعب الأخضر، وهي السباق أو هي مبدئيًّا آخر جولة من جولات السباق الطويل على استضافة البطولة العالمية لكرة القدم، هذه المرة على مباريات عام 2006 م، أي بعد ست سنوات، وكانت ألمانيا قد تقدّمت بطلب الترشيح الرسمي في حزيران/ تموز عام 1993م، بعد أن قررت في تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1992 م ترشيح نفسها .. أي أن السباق بدأ قبل سبع سنوات على الهدف القادم بعد ست سنوات، وكان آخر المشاركين فيه أو المشجعين على الفوز فيه المستشار الألماني جيرهارد شرودر ووزير داخليته أوتو شيلي، فضلا عن عمالقة تاريخ الكرة الألمانية، ومن وراء هؤلاء بضع شركات ألمانية تبرعت بعشرين مليون مارك لتمويل "الحملة الدعائية " المرافقة للترشيح !. الاعتقاد بأن هذا كله إنّما هو من صنع التعبير الصادق عن العشق الجماهيري لكرة القدم اعتقاد ساذج إلى حدّ بعيد .. فلا نقف عنده بعد أن فقدت الكرة براءتها وعذريتها منذ زمن طويل، مثلها في ذلك مثل النسبة العظمى من الألعاب الرياضية، لا سيما " الجماهيرية " منها، التي اقتحمت عبر البطولات العالمية المختلفة "بورصات " العولمة المالية والاقتصادية قبل كثير من ميادين العلاقات البشرية الأخرى، واحتلت في ذلك أمكنة لا ينازعها عليه أحد، ولا ينافسها في حجم المضاربات الدائرة حولها منافس هجرة المواهب والكفاءات الرياضية العربية إلى الغرب لا تقل أثراً على المستوى الرياضي، وإن كان الاحتراف الخارجي نوعاً من الهجرة المؤقتة، فإننا نتحدث عن الهجرة الدائمة والتي تصل إلى مرحلة التجنس أحياناً، والانسلاخ عن الوطن الأم، وما يعنينا هنا الهجرة إلى بلاد أجنبية لا عربية. وإذا كان بعض نجوم الرياضة العالمية من جذور أو أصول عربية مثل نجم الكرة الفرنسي زين الدين زيدان الجزائري الأصل، وبطل الملاكمة العالمي نسيم حميد البريطاني الجنسية واليمني الأصل، وسائق السيارات الألمانية الجنسية (مايكل شوماخر) والذي يقال: إنه جزائري الأصل، فإن هؤلاء ولدوا أو ترعرعوا في الغرب كأبناء لعائلات مهاجرة، فإن هناك الكثيرين بالمقابل الذين اختاروا طريق الهجرة بأنفسهم. فلماذا يهاجر أمثال هؤلاء؟ وهل هي ظاهرة سلبية أم إيجابية؟ وهل تستمر هذه الظاهرة لقصور عن استيعاب هؤلاء في أوطانهم ورعايتهم وإعطائهم ما يستحقون من فرص أم لأسباب مادية، واجتماعية فردية تخص كلاً منهم على حدة؟ نحن إذا شاهدنا معظم الرياضيين العرب يتجهون إلى الغرب نظراً لعدم وجود إتاحة الفرصة -إن صح التعبير- أولاً: لسبب مهم جداً وهو أن الرياضة في البلاد العربية -ورغم الاهتمام المتواصل- لم تصل إلى الدرجة.. تأتي بعد اهتمامات أخرى، كاهتمامات اقتصادية -إن صح التعبير- أو حياتية، فلم يصل.. على عكس البلاد الأخرى التي تسعى. لماذا الولايات المتحدة تسعى إلى ضم الرياضيين العرب؟ فقط من أجل تسطير أو تسجيل اسمها في التاريخ الرياضي سواء الأولمبي أو في عديد الرياضات. الشيء الذي لا ننظر إليه نحن بذات الدقة أو بذات الاهتمام، الدول الأخرى تسعى إلى أن تطور نفسها رياضياً، وأن تسجل اسمها في التاريخ الرياضي، الشيء الذي لا..لا نهتم به نحن كثيراً. عموماً يبقى الاهتمام بالإدارة -الرياضية حسب وجهة نظري- كوعي إداري رياضي هو الأهم في هذه النقطة بالنسبة للاعب زيدان فإن حتى والده الآن ووالدته ليس لهما الحق في -حتى مثلاً في فرنسا الآن- بأن يمروا إلى صناديق الاقتراع في فرنسا رغم أن زين الدين زيدان مَثَّل فرنسا أكثر مما مثل الجزائر!! لكن هذا ربما خطأ كان من الجزائريين الذين لم يقحموا زيدان يوم جاء إلى الجزائر، ووضعوه في قائمة الاحتياط، وبذلك عاد مثله مثل مثل لاموشي أيضاً التونسي الذي ضيعته الكرة التونسية. أما بالنسبة لزميلي وأخي محمود قندوز فكان قد قال قبل لحظات: بأنه كان في دولة عربية خليجية وأنا أعرفها -ولا أريد أن أذكر هذه الدولة- كان يدرب فقط أطفال في.. في.. مثلاً كان بإمكانه أن يدرب فريقاً كبيراً في الإمارات وحتى في الجزائر، ويقال أيضاً: بأنه عرض عليه المنتخب الجزائري ورفض، وربما لم يعرض عليه، لكن حتى في العالم العربي اليوم لو يقدم إلينا مدرب عربي بكفاءة كبيرة فإنا لا نعطيه الفرصة التي تعطيها للأجنبي، لا نعامله مثلما نعامل الأجنبي من حيث الراتب، من حيث المسؤولية، من حيث احترامه، من حيث إعطاءه حتى البطاقة الخضراء في العمل بحرية، والأخ محمود قندوز أتمنى أن يعلق لنا على هذا، لأنه ذهب إلى فرنسا وأصبح المدير العام والمدير الفني والمدرب في فريق مارتيح الذي لعب له ذات يوم، لكن عندما كان في دولة خليجية فإنه كان يدرب شباب صغار، ولم تكن تعطى له الفرصة حتى أن يكون مساعداً لمدرب أجنبي في الفريق الأول ان الرياضة تلعب دورين مضادين: في جانب تفرق الناس حسب الوانهم ودخولهم ولغاتهم وأعراقهم ومناطقهم، وفي الجانب الآخر توحد بينهم رغم هذه الاختلافات. وذكر ليفي الكثير عن سنوات تقسيم الاندية الرياضية الاميركية، في كل الالعاب، الى بيض وسود، ثم عن الغاء اندية السود، وبداية انضمام السود الى الاندية الرئيسية، وهي اندية البيض. وأضاف ان الرياضة واحدة من العوامل الاساسية التي ساعدت على الاندماج الاجتماعى في المجتمع الاميركي المتعدد الاعراق والديانات واللغات. وبجانب ليفي طور العشرات من علماء الاجتماع افكارا اكثر تفصيلا حول دور الرياضة في تغيير الصور النمطية عن عرق او دين معين، ودورها في تغيير وضع الطبقات الاجتماعية، وتحديد القيم التي تحكم حياتنا، ودورها في تعريف مفهوم الدولة ، والضوابط التي تحكم مفهوم المواطنة والمساواة، والعلاقات الدولية. ورغم كثرة الحديث عن دور الرياضة في تحسين العلاقات بين البيض والسود في اميركا، الا ان الرياضة لعبت دورا اساسيا ليس في زيادة الاندماج الاجتماعى في اميركا، بل في توحيد اميركا نفسها. ولا يذكر التاريخ الاميركي الا وتذكر كرة البيسبول، الرياضة الشعبية الاولى، لدورها في جمع المهاجرين الاوائل، وفي توسعهم نحو الغرب وبناء النواة الاولى لاميركا كما نعرفها اليوم. ويعتقد ان اصل البيسبول هو لعبة «رواندر» البريطانية (ويقال ان اصل هذه كرة الحجارة الفرعونية). وخلال الحرب الاهلية، نشر جنود الولايات الشمالية اللعبة في ولايات الجنوب عندما هزموها واسقطوا الولايات الكونفدرالية العنصرية. وعندما استعمر الاميركيون الفلبين، مع بداية القرن العشرين، نشروا كرة البيسبول، وساهمت هذه في توحيد سكان جزرها المتنوعين عرقيا ودينيا ولغويا. وعندما هزم الاميركيون اليابانيين في الحرب العالمية الثانية، نشروا نفس الرياضة هناك من اجل تعزيز الهيمنة الاميركية في اليابان عبر «توحيد نوع من القيم المشتركة» بواسطة الرياضة. وخلال السنوات القليلة الماضية، دار التاريخ دورة كاملة، وبدأت اندية كرة البيسبول الاميركية تستورد لاعبين من الفلبين واليابان. وكتب الآن كلاين استاذ التاريخ في جامعة نيويورك في كتابه «كرة السكر» ان كرة البيسبول انتشرت في دول البحر الكاريبي مع انتشار زراعة قصب السكر( وهذا سبب تسمية الكتاب). وجمعت البيض والسود والهنود في كل دولة، ثم وحدت بينهم على نطاق الكاريبى. ومرة اخرى دار التاريخ دورة كاملة، وبدأت اندية السكر الاميركية تستورد لاعبين من دول البحر الكاريبي. ثم حدث تطور آخر. وساهمت لعبة «البيسبول» بالذات في الاندماج الاجتماعي بين البيض والسود. فخلال المائة سنة الاولى كان السود رقيقا ولم يسمح لهم بأي نشاط رياضي منتظم. وخلال المائة سنة الثانية، بعد الغاء الرقيق، واستمرار التفرقة الرسمية، كون السود فرقا خاصة بهم، في كرة القدم وكرة السلة وكرة البيسبول، وكانت الفرق تتنافس في ملاعب خاصة بالسود، وتصعد الى ادوار نهائية، وتحقق بطولات سنوية. وخلال الخمسين سنة الاخيرة، بعد الغاء التفرقة الرسمية، بدأ السود ينضمون الى فرق البيض، واختفت تدريجيا فرق السود. واشتهر جاك روبنسون عندما اصبح اول اسود يلعب في منافسات كرة البيسبول في 1947، مع فريق بروكلين (في نيويورك) ضد فريق بوسطن. وخلال المباراة شتمه بعض المتفرجين شتائم عنصرية، لكنه دخل التاريخ. ودخل التاريخ، ايضا، رغم انف هتلر والنازية الالمانية، العداء الاسود جيسي اوينز الذي مثل اميركا في دورة الالعاب الاولمبية في ميونيخ في 1936. اذ اعتقد هتلر ان الدورة ستثبت للعالم نقاء وتعالي الجنس الآري، ولم يصدق الالمان، وغيرهم، عندما احرز اوينز اربع ميداليات ذهبية. وفي توضيح نوع الالعاب الرياضية التي يتفوق فيها السود، كتب تيد بويد استاذ علم الاجتماع في جامعة جنوب كالفورنيا ومؤلف كتاب «هل انا اسود كفاية؟» ان البيض تخصصوا في التنس وتنس الطاولة والجولف والسباحة والبيسبول. وان السود تخصصوا في العدو (لانهم لم يعتادا الرفاهية)، وفي كرة السلة (لأنها لا تحتاج الى ميادين واسعة، ويلعبها السود في شوارع ضيفة في احيائهم الفقيرة). وقال ان نجوم كرة السلة السود، مثل كريم عبد الجبار، وماجيك جونسون ومايكل جوردون «لم يرتاحوا لزميلهم لاري بيرد (الابيض) من بوسطن، لأنه غزا ارضهم» ورغم ذلك، تعتبر كرة السلة اكثر المجالات الرياضية التي ساعدت على الاندماج الاجتماعي في اميركا. ومع مرور الزمن زاد هذا الاندماج، مثلا، عندما تربع تايغر وود (خليط ابيض واسود وآسيوي) على عرش الجولف، ثم انضم اليه الهندي فيجاي سنغ. واصبح آرثر آش اول اسود، اميركي وغير اميركي، يفوز ببطولة ويمبلدون، في 1968، وفاز بالبطولة مرة اخرى بعد ذلك بسبع سنوات. والان تتنافس الشقيقتان السوداوان سرينا وفينوس على عرش التنس الاميركي والعالمي. غير ان دور الرياضة في الاندماج الاجتماعي لا يقتصر على الحالة الاميركية، فمثلما نجح الاميركيون في تصدير كرة البيسبول الى دول في آسيا والبحر الكاريبي، نجح البريطانيون في تصدير كرة الكريكيت الى بعض مستعمراتهم. وساهمت لعبة الكريكيت ايضا في تعزيز الاندماج الاجتماعى في بلدان متعددة جدا عرقيا ودينيا ولغويا مثل الهند، وساهمت ايضا في تقوية العلاقة بين هذه الشعوب وبين بريطانيا، حتى بعد اكثر من نصف قرن من نهاية استعمارها. ايضا ادت الى حراك اجتماعي كبير في الهند، فالفئات التي كانت منبوذة او فقيرة معدمة تحولت الى «طبقة وسطى» عبر تفوقها في الكريكيت. وقد لعب البريطانيون اول مبارة رسمية في الكركيت في الهند في منتصف القرن الثامن عشر. وانضمت الهند، في 1932، الى نادي الصفوة مع بريطانيا واستراليا وجنوب افريقيا ونيوزيلندا وجزر الهند الغربية. وكتب رافس شاستري في كتابه «قصة الكريكيت» ان اللعبة «لم توحد الهنود فقط، رغم كثرة تقسيماتهم، ولكنها، ايضا، ساهمت في نشر الوطنية، والتي كانت بداية تخلصهم من البريطانيين». وفي سنة 1952 انضمت باكستان الى نادي الصفوة»، وساعدت الكريكيت على تحسين علاقتها مع الهند، بعد الحرب الاهلية التي قسمتهما 1947. وخلال الحربين بين البلدين بعد التقسيم، كانت تجمد المنافسات، ثم تستأنف بعد نهاية الاشتباكات. ورغم ان باكستان جاءت بعد الهند، لكنها فازت عليها عندما زار فريقها بريطانيا وهزم اصحاب اللعبة انفسهم. وفي اوروبا غزا لاعبو كرة القدم الافارقة والاميركيون الجنوبيون والعرب الاندية الاوروبية، وأصبحوا جزءا من عملية الاندماج المستمرة. وفي السنة الماضية، عندما تنافس الفريقان البريطاني والفرنسي على كأس اوروبا كان نصف لاعبي الفريقين سودا وسمرا. وقالت جريدة «اوبزيرفر» البريطانية في ذلك الوقت ان «المنافسة يمكن ان تسمى اوروبية، لكنها، في نفس الوقت، اصبحت عالمية، مع ايقاعات وتمريرات من دول العالم الثالث». وقالت «هذا هو النظام العالمي الجديد الحقيقي». وفي منافسات الاندية الاوروبية قبل سنتين كان اربعون في المائة من اللاعبين غير اوروبيين، منهم تسعة في «ريال مدريد» الاسباني، وخمسة عشر في «ميلان» الايطالي، وتسعة في «مانشستر يونايتد» البريطاني، وسبعة عشر في «اياكس امستردام» الهولندي، وستة في «ارسنال» البريطاني، وتسعة في «بيرن» الالماني. وكما كان نصف لاعبي فريق «بفرين» في بلجيكا من الاجانب، وعدد كبير منهم من عرب شمال افريقيا. وقال مشجع للفريق ان المشجعين «لا يرتاحون للعرب، لكنهم يحبون الفريق المطعم بهم». وفي روسيا، هناك عدد كبير من اللاعبين الاجانب، غير ان الافارقة يتعرضون الى اكثر الاساءات، مثل برنس اموكو الذي لعب مع «ساتيرن» ضد «دينامو كييف» في منافسات الاندية، ورماه مشجعو «دينامو كييف» بقشور الموز، وسموه «ابن الحرام الاسود» و«القرد الافريقي». غير ان استفتاء فرنسيا اوضح ان الفرنسيين لا يضعون اعتبارا لخلفية زين الدين زيدان العربية، الذي فاز ثلاث مرات بلقب احسن لاعب في اوروبا قبل ان ينتقل الى اسبانيا. وفي عصر الانترنت اصبح كل لاعب «اداة اندماج عالمي»، مثل زيدان الذي اسس له مشجعوه صفحات على الانترنت، يتبادلون فيها المعلومات والملاحظات، وخاصة العرب والمسلمين والافارقة، الذين ينظرون اليه كممثل لهم. لكن الوجه الآخر للاندماج، هو «رفض الاندماج»، سواء علناً او ضمناً. ورغم حب الفرنسيين لزيدان، قال بعضهم انه يجب ان يعود «الى وطنه»، رغم انه من مواليد مرسيليا. ولأن كرة القدم هي الرياضة الرئيسية في الدول العربية، فقد ساهمت بطريقة مباشرة وغير مباشرة في تعزيز اللحمة العربية (الانترنت يلعب هذا الدور تدريجيا الان). وفي بداية هذه السنة اجرى استفتاء عن احسن فريق قومي عربي في السنة الماضية: «هل هم البحرينيون الذين وصلوا الى المرتبة الرابعة في كأس آسيا؟ ام العمانيون الذين لم يتقدموا في كأس آسيا لانهم لعبوا ضد فرق قوية؟ ام الاردنيون الذين كادوا ان يهزموا اليابان في كأس آسيا؟ ام السعوديون الذين كسبوا كل منافسات الدورة الاولى لكاس العالم؟ ام القطريون الذين فازوا بكاس الخليج؟ ام الكويتيون الذين هزموا الصين في كأس العالم؟ او العراقيون الذين وصلوا المرحلة الرابعة في الدورة الاولمبية؟» واحتج جزائري لأن الذين نظموا الاستفتاء لم يشيروا الى الجزائر، وسأل «ألسنا عربا مثلكم؟