كيف يتمثل الفرد لمعايير المجتمع
الناقل :
mahmoud
| الكاتب الأصلى :
الدكتور عبد الحسين رزوقي الجبوري
| المصدر :
www.tarbya.net
هناك عدة أساليب تعين الفرد لتمثل معايير المجتمع، وهذه المعايير هي:
أولاً: التنشئة الاجتماعية:
يولد الفرد ويتزود بالخبرات من خلال التفاعل مع الأخريين، وهذا التفاعل الذي يؤثر في بناء شخصيته التي تتحكم في سلوكه الاجتماعي فحينما يوجد الفرد مع شخص أخر فأن وجود هذا الشخص يكون له تأثير قوي على كيفيه سلوكه، واستجاباته ولما كانت الأسرة هي احدى المؤسسات الاجتماعية التي تسجل حضورا بارزاً
في التأثير على سلوك الأفراد وتنشئهم كما أنها تمثل الوسيط الرئيس بين شخصية الفرد والمجتمع الذي ينتمي أليه الفرد فمن خلالها تـنقل قيم المجتمع وأنماط السلوك فيه.
وتعد الأسرة اللبنة الأولى في قاعدة أي مجتمع من المجتمعات الإنسانية ويستحيل إن يتكون المجتمع أو يحتل مركزاً
مرموقاً
من دون الأسرة، كما إن المجتمع يسمو ويتميز بما يحمله أفراد أسرهِ من طابع ثقافي وحضاري كما أنه يمُنى بالتأخر والانحطاط أن أصيب أبناء أسره بالتخلف الفكري والعلمي.
وبذلك تمثل الأسرة الجماعة المرجعية الأولى الإطار الأساسي في بناء شخصية الفرد وتكاملها.
ونعني بالجماعة المرجعية تلك الجماعة التي يرتبط الفرد نفسه بها أو يأمل إن يرتبط بها نفسيا
ويستدخل
قيمهم ومعاييرهم ومثلهم في نفسه.
أن مهمة الأسرة تحويل الكائن الحي البيولوجي إلى كائن اجتماعي وذلك الكائن الذي مكث في رحم إلام ينمو حيويا إلى قدر ِمعلوم وخرج منهُ لا يعلم شيئاً
ليتلقفه (رحم الجماعة) ينمو فيه اجتماعياً وهي العملية التي تجعل الفرد يكتسب صفة إنسانية.
وتستمر عملية التنشئة في الأسرة ثم يتسع نطاقها خارج إطار الأسرة ومع هذه السعة يعرف الطفل المزيد عن المعايير والقيم والاتجاهات ومعاني الخطأ والصواب ثم يبدأ بالاهتمام بتقويم السلوك من جانب القيم والأخلاق.
أن انتقال الطفل إلى بيئة جديدة كالشارع أو المدرسة فأنه لابد إن يواجه اختلافات سلوكية جاءوا من بيئات مختلفة أو يتطلب التكيف في هذا المجال الجديد المزيد من الجهد لتحديد موقفه واتجاهاته وبلورة دوره بالنسبة لهولاء الغرباء وهكذا ينموا الطفل وتنمو قدرته على التكيف والالتزام وتتطور شخصيته من الفردية البيولوجية إلى تلك النفسية الاجتماعية التي تثير إتماماً لدور الجماعة في حياة الفرد.
وبما إن عملية التنشئة الاجتماعية تعد عملية تعلم وتعليم وتربية، وتقوم على التفاعل الاجتماعي وتهدف إلى اكتساب الفرد سلوكاً ومعايير واتجاهات مناسبة لأدوار اجتماعية تمكنه من مسايرة جماعته والتوافق الاجتماعي معها وتكسبه الطابع الاجتماعي، وتيسر له الاندماج في الحياة الاجتماعية معتمدة على أسلوبين هما الثواب والعقاب اذ وجد أثرهما على الشخصية وتشترك المجتمعات في خمسة أنظمة سلوكية هي التدريب على:
الفطام وتناول الطعام.
التبول والإخراج وضبطه زماناً
ومكان
اً
آداب الجنس وضبط السلوك الجنسي
الاستقلال والاعتماد على النفس
ضبط العدوان.
وكل هذه الأساليب تهدف إلى تحقيق التكيف مع الأخريين والاستقلال الذاتي والنجاح في الحياة وتكوين القيم الروحية والوجدانية والخلقية.
ثانيا: الضبط الاجتماعي:
الضبط الاجتماعي وهو سيطرة اجتماعية مقصودة وهادفة، أنه في جوهره ضبط ذاتي من جانب المجتمع، فالمجتمع هو الضابط وهو المنضبط في الوقت نفسه، إذ إن له قدرة مستمرة على الخلق الذاتي للضوابط.
وتتخذ عملية الضبط الاجتماعي مظهرين رئيسين هما مظهر السيطرة الإيجابية التي تتمثل في مجموعة من الطرائق والأساليب الإيجابية التي تدفع الأفراد وتشجعهم على الالتزام والتمسك بالقيم والمعايير والأنماط السلوكية المقبولة اجتماعياً، والتي يرافق والالتزام بها المدح والثناء والرضا الجماعي أحيانا والتقدير المادي المتمثل بالمنح والجوائز والهدايا احيانا أخرى، وهناك إلى جانب السيطرة الإيجابية مظاهر متعددة لما يسمى بالسيطرة السلبية وتتمثل فيها تتخذه الجماعة أو يتطلبه التنظيم الاجتماعي من الوسائل والأساليب التي يتم إيقاعها للأفراد الذين يخرجون عن القيم والمعايير والأنماط السلوكية السوية التي ترتضيها الجماعة التي يعيشون فيها وتؤدي إلى الأضرار والإخلال بالنظام والاستقرار الاجتماعي ومن هذه الأساليب النواهي والتهديدات و إلزام الفرد بالقيام بسلوك محدد والعقوبات الجزائية بأنواعها ودرجتها المختلفة التي تتلاءم مع الانحراف، وهذان النوعان من السيطرة الاجتماعية السلبية والإيجابية و موجودان جنباً إلى جنب ويعملان سوية كمظهر من مظاهر الضبط الاجتماعي في المجتمعات الإنسانية للمحافظة على الأمن والاستقرار والتوازن الاجتماعي.
ولتحقيق الضبط الاجتماعي والسيطرة على تصرفات الأفراد ومواقفهم هناك مجموعة من الوسائل تجعل الفرد يتبعها منها:
الرأي العام
القانون
العقيدة
الإيحاء الاجتماعي
التربية
العادة الجمعية
دين الجماعة
المثل العليا الشخصية
الشعائر والطقوس
الفنن
الشخصية
التنوير والتثقيف
القيم الاجتماعية
قيم الطليعة
الواعية
الخرافات والأساطير
وهناك عدة مقاييس لقياس فاعلية الضبط الاجتماعي وهي:
الأساليب الداخلية: ان افضل أساليب الضبط هي الأساليب الداخلية وان الوسيلة الخارجية كالعقاب لا يجب استخدامها ألا عند الحاجة القصوى فالضبط عن طريق النموذج افضل من الضبط عن طريق الجزاءات
البساطة: ان طريقة الردع البسيطة تؤدي وظيفتها بصورة فعالة وسريعة دون مواجهة مشاكل.
التلقائية: أفضل أنواع الضبط ما ظهر في أثناء اجتماع الناس وتفاعلهم.
الانتشار: انتشار الضبط هو الضمان الوحيد ضد تعطله وتوقف استخدامه
وتأسيسا على ما تقدم ان كل ما يساعد على امتثال الناس لقواعد وأنماط السلوك والمعايير والقيم السائدة يدخل في موضوع الضبط الاجتماعي
ان الضبط الاجتماعي له دور أساسي في سلوك الفرد وخاصة حينما يكون في إطار التربية المقصودة، وهذا يعني ان تحقيق الضبط الاجتماعي لابد ان يخطط له مسبقاً من خلال مجموعة من الوسائل التي تستخدم في الضبط الاجتماعي.
ثالثاً:الدور الإيجابي للفرد:
يعرف الدور الاجتماعي بأنه عبارة عن نمط منظم من المعايير فيما يختص بسلوك فرد يقوم بوظيفة معينة في الجماعة ومن أمثلة الأدوار الاجتماعية دور القائد ودور ألام ودور الأب والمربي وعالم الدين فمثلا دور القيادة يشمل نمطاً منتظماً من المعايير السلوكية المتوقعة من جانب القائد فيما يتعلق بسلوكه الشخصي وبسلوكه في تفاعله مع أفراد الجماعة وحينما
فيما يتعلق بسلوكه الشخصي وبسلوكه في تفاعله مع أفراد الجماعة،وحينما يسند إلى الفرد دور القيادة فان سلوكه لا يلبث ان يتكيف ليتلاءم مع الدور الذي اسند إليه ليشمل هذا الدور مهمات رسمية وغير رسمية، ويتعلم الفرد الأنماط السلوكية الخاصة بهذا الدور بالخبرة والممارسة والأدوار تخضع لقوانين التعلم للدورً عرضياً تلقائياً وقد يكون تقمصاً للدور وقد يكتسب من المعايير الاجتماعية ويصبح تعلماً اجتماعياً وتتوزع الأدوار بين الناس بحسب المهنة والتخصص ويولد ذلك في حركة المجتمع وتتوزع الأدوار داخل الأسرة والجماعة يولد عنها ظاهرة (توقعات الدور -
Role Expectations
)، أي الحقوق والواجبات المتبادلة بين الأفراد من خلال الأدوار ويبرز توزيع الأدوار واضحاً ودقيقاً بين الأفراد في تجمع معين وتسير الأدوار كلها نحو هدف تخطط طه الجماعة لنفسها.
وحينما يمارس الفرد دور
ا إيجابياً فان هذه الممارسة تساعد على بناء الجماعة و صيناتها من الانحراف، ومن الأدوار الإيجابية التي يمارسها الفرد هي مثلا دور المشجع الذي يتقبل مساهمات أفراد الجماعة بكل حماسة واستحسان وهناك دور الموفق الذي يتوسط في النزاعات بينما دور المسوي يسهل تقدم الجماعة نحو هد فها العام من خلال تخليه عن مواقفه في جدال معين في حين دور واضع المقاييس يحدد غاية تسعى الجماعة إليها وينشئ معياراً أو مقياساً لتقويم نوعية إنجازات الجماعة وهناك دور التابع الذي يكون موقفه حياديا ويساير الجماعة ولا يسلك سلوكا عدوانياً
وبالمقابل هناك أدوار سلبية يقوم بها بعض الأفراد وينتج عنها السلوك الاجتماعي.
رابعا: طبيعة الجماعات المؤسسية التي ينتمي إليها الفرد:
تعد المدرسة من المؤسسات القيمة وقد أشار أحد المربين إلى ذلك بقوله هناك مؤسسات رئيسة تتولى أمر الحضارة محتفظة بما فيها وصائنة حاضره ومؤمنة مستقبلها التقدمي وهذه المؤسسات هي البيت، المدرسة، الدولة،ومؤسسة العمل ومؤسسة الدين وتقوم كل منها على فكرة جوهرية تسوغ في وجود المؤسسة وتبين الخدمة التي تؤديها إلى الحضارة، أما الفكرة التي تقوم عليها المدرسة في التنشئة،تنشئة العقل والجسم معاً وعلى هذا تكون المدرسة قد أسدت دورا كبير في تحقيق متكامل للشخصية الإنسانية ويتحقق ذلك من خلال المعلم الجيد اذ يؤدي دور النموذج الاجتماعي لان التلميذ بطبيعته ميال للتقليد والإيحاء ووجود النموذج الجيد المتمثل بالمعلم سوف يجعل من التلميذ محاكيا له، ويقلد التلاميذ معلمهم في أسلوبه في التفكير وحل المشكلات.
والجماعة المؤسسية الأخرى تتمثل بالدين وتعاليمه وأوامره ونواهيه يعد من أقوى عوامل تحقيق التواؤم في السلوك الاجتماعي، علاوة على الدين فقد شرعت القوانين لتحقيق الضبط الاجتماعي، وتعتمد الدولة القانون في تنظيم الحياة الاجتماعية من خلاله اذ يكفل القانون القضاء على حالات الانحراف ن اذ ان لكل مجتمع أنظمته القانونية ووسائله الخاصة المنظمة التي يستخدمها ضد الخروج على قواعد السلوك ومعايير الأخلاق بهدف تماسك المجتمع ن فالقانون هو الوسيلة التي يعالج بها المجتمع نفسه ويحافظ على كيانه ووجوده ومن هنا كان الخروج على تعاليم القانون يعد تهديدا للتماسك الاجتماعي وللمثل الاجتماعية والثقافية وللقيم الاجتماعية كما يعد إقرار هذه التعاليم وفرضها على أبناء المجتمع أهم عامل للضبط الاجتماعي.
ومما تقدم فان تكوين السلوك الاجتماعي يشمل العوامل الثقافية العامة وتشمل اللغة والقيم الخلقية والروحية والاجتماعية ويتكون السلوك الاجتماعي نتيجة الخبرات الخاصة التي يمر بها الفرد على مدى الحياة.
خامسا: الظروف الاقتصادية والاجتماعية للفرد:
تؤدي الظروف الاجتماعية والاقتصادية بالفرد ان يسلك سلوكاً تبعاً لتلك الظروف ن وكلما تحسن المستوى الاقتصادي والاجتماعي للفرد فأننا نتوقع ان يسلك سلوكا يتفق مع معايير المجتمع ولتحسين المستوى الاقتصادي والاجتماعي للفرد لابد من ان تهيئ له فرص العمل واشغال فراغه، وان اندماج الفرد في بيئة العمل يحقق له مكاسب خارجية كالمال وداخلية كالرضا الشخصي، ولما كان العمل مجموعة من الأنشطة التي يزاولها الأفراد داخل البناء للاجتماعي من اجل بناء المجتمع واستمراره فان مزاولة الفرد تتيح له بناء علاقات اجتماعية ولو استغلت هذه العلاقات بشكل إيجابي من خلال روح التعاون ستظهر آثار ذلك على شخصية الفرد.
ان دخل الفرد وطبقته الاجتماعية تحدد طريقة تفكيره وتؤثر في آرائه وأفكاره و أدواره الاجتماعية واتجاهاته النفسية كما يحدد الدخل نشاطات الفرد ونوع علاقاته وبالتالي يرسم ملامح السلوك له.
سادسا: خصائص المجتمع التاريخية و الحضارية:
ان لكل مجتمع أرثاً حضارياً وهذا الإرث الحضاري يكون أساساً لتحديد معايير السلوك، ومن خلالها ينمو الفرد ويتطور في إطار اجتماعي يشمل القوانين والأنظمة والعادات والحضارة الخاصة بهذا المجتمع.
ان الحضارة بمعناها العام تشمل العادات والتقاليد والأنظمة والقيم التي تقبلها أفراد مجموعة من الناس تعيش في بيئة وفي وقت معينين، فالأفراد الذين يعيشون في المجتمعات التي أغلبيتها مسلمة وهم مسلمون لديهم مجموعة من التعاليم الدينية والأنظمة التي وردت في القرآن الكريم يلاحظ من كانت التنشئة التي انشأ عليها صحيحة يقدس تلك التعاليم ويسير على نهجها وهذه التعاليم قد تبدو غريبة لمن لم يكن مسلما لذلك ورد في معنى الحديث الشريف (الطفل يولد على الفطرة ووالديه يهودانه أو يمجسانه...) لذلك أصبحت التعاليم الدينية معايير اجتماعية توراثها جيل عن آخر فكل حضارة لها معاييرها الخاصة بها.
واليوم ونحن نعيش في عصر العولمة والتقدم التقني في مجال الاتصال والفضائيات لابد من الانتباه لذلك واستخدام هذا التطور بما يضمن إكساب الفرد معايير اجتماعية تتفق مع واقعنا المسلم.