الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ؛ أما بعد:
أسباب اختيار الموضوع :
- كثرة الأخطاء التي نراها على مستوى الأفراد أو على مستوى الجماعات بل حتى على مستوى الشعوب.
- عدم الفهم الصحيح لمصطلح النقد حيث انتشر أن النقد تصيد للعيوب وإظهار للزلات.
- أهمية النقد حيث عن طريقه يتم تصحيح الأخطاء.
- تفعيل النقد البناء وإحياء دوره لما يترتب عليه من آثار حميدة.
- انتشار النقد غير البناء بين أفراد المجتمع وخصوصاً بين الصالحين منهم.
- بيان خطورة هذا النوع من النقد على الدعوة .
- التحذير منه ومحاولة تقديم العلاج لهذا النوع من النقد.
* تعريف النقد:
لغة: يطلق على معنيين:
أ- المعنى الأول :
تمييز الجيد من الرديء، والحسن من القبيح، وهذا الذي يمكن أن نسميه النقد البناء. ويمكن تعريفه بأنه: بيان الأخطاء ومحاولة تقويمها.
ب- المعنى الثاني:
العيب والتجريح، وهذا هو الذي يمكن أن نسميه النقد غير البناء، أو النقد المذموم.
* حكم النقد :
النقد كما سمعتم يمكن أن يكون نقداً بناءاً ممدوحاً، ويمكن أن يكون نقداً غير بناء فهو نقد مذموم.
أما النقد البناء فهو مشروع ويأخذ مشروعيته من أنه لا يخلو من أمور ثلاثة: فهو إما أن يكون نصيحة :
والنصيحة مأمور بها، وقد ورد الحث على إبدائها في أكثر من حديث كما ورد (( عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى إِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ )) .
أو يكون النقد أمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر:
وتعلمون أيضاً الآيات والأحاديث الواردة في ذلك مثل قول الله تعالى: ((كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ)) (سورة آل عمران 110).
وعَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْهُ ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلا يُسْتَجَابُ لَكُمْ )) .
وقد يكون النقد داخلاً في محاسبة النفس:
وهذا نوع من أنواع النقد وهو ما يسمى بالنقد الذاتي ومحاسبة النفس، تعرفون مشروعيتها في مثل قول الله تعالى : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ )) (سورة الحشر: 18) .
وعن شداد بن أوس قال قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله )) . ومعنى دان نفسه : أي حاسبها .
وعن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- أنه قال: (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا؛ فإنه أهون عليكم في الحساب غداً أن تحاسبوا أنفسكم اليوم، وتزينوا للعرض الأكبر يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية).
إذاً أيها الأخوة يتلخص مما سبق ، أن النقد البناء مشروع، وحكمه يختلف بحسب اختلاف الشيء المنتقد، فربما يكون النقد واجباً، وربما يكون مستحباً، فمثلاً عندما نرى إنساناً قد تلبس بمنكر فهنا انتقاده هو عبارة عن إنكار هذا المنكر، فيكون النقد في هذه الحالة واجباً.
وربما ترى إنساناً مستقيماً صالحاً قد تساهل في نافلة فتنتقده، فانتقاده هنا نصيحة لله وأمر بالمعروف ويكون في مثل هذه المثال حكم النقد مستحباً.
وهذا أيها الأخوة مجرد تمثيل، لا يفهم منه أن النقد إذا كان نصيحة أو كان أمراً بالمعروف أن يكون حكمه مستحباً، لا فربما يكون واجباً لأنَّ الشيء المنصوح به أو المأمور به يكون واجباً.
على العموم أيها الأخوة نستطيع أن نقول أن النقد البناء يأخذ حكمه من حكم الشيء المنتقد به، هذا في النقد البناء، أما النقد غير البناء فسيأتي الكلام عنه إنشاء الله.
* أهمية النقد :
1- إن الإنسان من طبيعته الخطأ، وتنبيهه للخطأ هو نصح له أو أمر له بالمعروف ونهي له عن المنكر، وهذا هو النقد، فيأخذ أهميته من أهميتهما.
2- عن طريق النقد البناء يتم تصحيح الأخطاء حيث إن غياب النقد يعني تراكم الأخطاء، فالخطأ الذي لا يصحح يستمر، وخطأ مع خطأ مع ثالث يجعلها تتراكم فيصعب الإصلاح حينئذ.
3- يجعل الإنسان إيجابياً في بيئته إذا كان نقده بناءاً، حيث يترتب على نقده تصحيح المسار أما الساكت فهو سلبي لا يستفاد منه.
4- عن طريق النقد البناء يبرئ الإنسان ذمته ويخرج من التبعة بإنكار المنكر الذي رآه أو أمره بالمعروف، رأى أنه قصر فيه ونحو ذلك، فمثل هذا لو سكت لأثم، فإذا نقد وبين الخطأ برئت ذمته، وبالتالي تزكو نفسه وتسمو.
* أنواع النقد :
يمكن أيها الأخوة أن تقسم باعتبارات متعددة:
فمثلاً :
من ناحية نوعية النقد: ينقسم النقد إلى
1- نقد بناء :
وهو الذي عن طريق يتم بيان الأخطاء ويحاول إصلاحها.
2- نقد غير بناء :
وعنه كلام خاص سيأتي إنشاء الله.
الاعتبار الثاني من اعتبارات أنواع النقد:
من ناحية الموجّه إليه النقد :
الأصل في النقد أن يوجه إلى الآخرين، والكلام في هذا الموضوع في الغالب نصيب على هذا، ولكن يمكن أن يكون النقد ذاتياً بالمعنى أنك تنقد نفسك، وهذا الذي يعني محاسبة النفس، وهذا النوع من النقد أيها الأخوة مهم جداً أن تنقد نفسك هذا مهم وذلك لما يلي:
أ - يدل هذا النوع من النقد على الشجاعة والقدرة على الاعتراف بالخطأ، وبالتالي القدرة على التصحيح.
ب - نقد الآخرين لك مع أهميته لا يكون كنقدك لنفسك، وذلك لأنك أنت أدرى بنفسك، ولاسيما في الأعمال القلبية فلا أحد يدري أنك عملت هذا العمل من أجل غرض دنيوي أو لإرضاء فلان، أو لكسب إعجاب الآخرين، أو للفت الأنظار إليك، كل هذا لا يعرفه عنك الآخرون، ولذا لا يمكن أن ينتقدونك فيه ولكنك أنت تعرف وتدرك ذلك فتوجه إلى نفسك النقد.
ج- يشغلك عيبك عن عيوب الناس، وطوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس.
إذن ينقسم النقد من ناحية الموجّه إليه النقد إلى نقد الآخرين، ونقد الذات.
الاعتبار الثالث من اعتبارات أنواع النقد :
من ناحية الأسلوب بالمستخدم :
حيث إن النقد يمكن أن ينقسم إلى:
1- نقد غير مباشر:
ومكن أن نسميه : (النقد العام) وهذا مثاله (( ما بال أقوام)) .
وكقوله تعالى في سورة براءة : ((وَمِنْهُمْ )) ((وَمِنْهُمْ)) ولم يذكر أسماء ،
وهذا أيها الأخوة مفيد في ما إذا كان المراد بالنقد الظاهرة أو العمل، بغض النظر عمن عمله، فنحن نريد من نقد هذا الشيء تحذير الناس من عمل هذا العمل ولا يتعلق بالعامل لهذا العمل أي غرض ، فمثلاً ليس النقاب أو التبرج والسفور لا يهمنا أن فلانة تبرجت أو فلانة فعلت كذا وكذا، بقدر ما يهمنا التحذير من هذا العمل، فهنا تنقد الظاهرة، تنقد العمل دون أن تقول فلاناً هو الذي عمل كذا.
وهذا النوع من النقد هو الغالب في منهج الإسلام.
2- نقد مباشر:
وهو النقد الخاص كأن تنتقد إنساناً بعينه، وهذا إنما يستعمل فيما إذا كان لذكر هذا الإنسان فائدة، كما لو كان مبتدعاً وقد لبّس على عوام الناس، أو كان صاحب فجور قد أعجب به الناس لحسن كتابته أو جودة أسلوبه، أو جرأته فهذا ينقد بعينه.
وهذا الأسلوب مع إنه ليس هو الأسلوب الشائع في منهج الإسلام إلا أن له أهميته ، وذلك لأن الناس أحياناً لا ينتبهون للنقد غير المباشر بل وربما صرفوه عن هذا الإنسان الخطر على الأمة ، فإذا قيل إن العمل الفلاني حرام ولم يدرك الناس ولاسيما العامة، أن هذا الشخص ربما يدس لهم السم في العسل، ويدعو إلى أمور لا يدركون خطورتها، بينما إذا حذر من الشخص بعينه أضحوا لا يتقبلون منه إلا بعد التمحيص.
كذلك أمر آخر ربما إذا نقدت الظاهرة أو العمل يصرفه السامع عن نفسه بحجة ليس هو المعني، وهذا كما لو تكلمت مثلاً عن التقصير في عمل ما، ربما إذا سمعت تقول نسأل الله العافية، تظن أن المقصود غيرك بينما إذا وجّه إليك الكلام مباشرة انتبهت.
قد يكون النقد المباشر أيها الإخوة لفئة معينة، كما لو نقد فئة الصالحين المستقيمين مثلاً نقداً مباشراً فهذا وإن لم يذكر فيه أسماء إلا أنه يعد نقداً مباشراً.
والنقد المباشر مع أنه ليس هو المنهج الغالب في استعمال الشريعة إلا أن له أصلاً كما جاء ( ما ينقم ابن جميل إلا إن كان فقيراً فأغناه الله ) فسماه باسمه.
رفض النقد وعدم الاعتراف بالخطأ
الإنسان بطبيعته خطّاء، فكل ابن آدم خطّاء، ومع ذلك فهو بطبيعته يحب المدح ويكره الذم، يكره أن يقال له أخطأت، وكم هو جميل أن نعترف بأخطائنا، فليس عيباً أن تخطئ، ولكن العيب كل العيب أن نجمع مع الخطأ الإصرار عليه، وعدم الاعتراف به.
بعض الناس لا يريد أن يقال له أخطأت، ويستعظم ذلك، فإذا لم يجد بدّاً من الاعتراف بالخطأ راح يفلسفه ويبحث له عن مخرج، ويري الآخرين أنه لم يكن بالإمكان أفضل مما كان، ولذا يئس من يعرفه من نقده، وصار المتزلفون عنده يكيلون له المديح، ويبررون له أخطاءه، حتى اقتنع أنه لم يكن ليخطئ.
وكما قيل إذا غاب النقد الصريح جاء كيل المديح، ولذا ضعف جانب النقد البناء، وأقول إن الاعتراف بالخطأ منقبة، ودلالة على الشجاعة، وليس فيه هضم لشخصية الإنسان، فموسى اعترف للخضر أنه أخطأ، وطلب منه المسامحة، ومحمد- صلى الله عليه وسلم- اعترف أنه أخطأ ولم ينقص هذا من حقه- صلى الله عليه وسلم- ومكانته، جاء في الحديث، قال رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ قَدِمَ نَبِيُّ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَدِينَةَ وَهُمْ يَأْبُرُونَ النَّخْل،َ يَقُولُونَ يُلَقِّحُونَ النَّخْلَ، فَقَالَ: (( مَا تَصْنَعُون؟َ قَالُوا: كُنَّا نَصْنَعُهُ، قَالَ لَعَلَّكُمْ لَوْ لَمْ تَفْعَلُوا كَانَ خَيْرًا فَتَرَكُوهُ فَنَفَضَتْ، أَوْ فَنَقَصَتْ، قَالَ فَذَكَرُوا ذَلِكَ لَهُ فَقَال:َ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ دِينِكُمْ فَخُذُوا بِه،ِ وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ رَأْيٍ فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ )) .
وتعرفون أن الله عاتبه في عبوسه للأعمى، وعاتبه في قضية أخذ الفداء من الأسرى، في معركة بدر وغيرها، ولم يكن في ذلك انتقاص حقه- صلى الله عليه وسلم-، بل فيه رفعة له صلى الله عليه وسلم.
وقال عمر- رحم الله- قال (من أهدى إلينا عيوبنا) .
* أساليب رفض النقد والهروب من الخطأ
لا يريد أن يعترف ولكن هذا خطأ لا يمكن إخفاؤه، فيعمل على تبرير هذا الخطأ، لكي يخرج نفسه من دائرة الخطأ، وهذا يتم بما يلي:
* أن هذا الخطأ هو أفضل الحلول في هذه الحالة ، فلم يكن بالإمكان أفضل مما كان ، ولو كان غيري مكاني لفعل مثل فعلي .
* محاولة تزكية نفسه وإظهاره بمظهر المنقذ، حيث إنه استطاع تقليل الخطأ، ولو لم يقم بهذا الخطأ لحصل خطأ أكبر منه، خرج والد مع ولديه من الصيد ليه بعد أن أخذوا العلاج، فحمل العلاج الولد الصغير، فقال له أبوه أعط أخاك زجاج العلاج يحمله لئلا ينكسر، فرفض الولد الصغير، وألح الوالد بحجة خوفه من انكسارها، وألح الصغير على حملها، فما ساروا عدة خطوات إلا والزجاج يسقط من الصغير، فتنكسر واحدة وتسلم الأخرى، فالتفت إليه أبوه وصاح به، ألم أقل لك أعطها أخاك لئلا تنكسر، فبادر بالرد قائلا: لو حملها أخي لانكسرت الاثنتان .
* التقليل من قدر الخطأ، وأنه لا أهمية له، ولم تترتب عليه أشياء خطيرة، ومن العبث نقده، لأنَّ نقده إضاعة للوقت.
* إلقاء اللوم على الآخرين لتبرئة نفسه، فلم يكن الخطأ ليحصل لو قام كل بعمله، أو لولا تدخل فلان ونحو ذلك.
* الإحالة على القضاء والقدر، فالله هو الذي قدر هذا الخطأ، ولا حيلة لنا مع القضاء، القضاء والقدر أيها الأخوة يجب الإيمان به، ولا يتخذ ذريعة نعلق عليه أخطاءنا .
أسباب رفض النقد
*- خلو النقد من آداب وشروط النقد: بحيث يكون جافاً غليظاً قاسياً، بعيداً عن الرفق، والرفق لا يكون في شيءٍ إلا زانه، و لا ينزع من شيء إلا شانه.
ولا يفهم من هذا أيها الأخوة أنه يسوغ لنا أن نرفض النقد إذا لم يأت باللين، والرفق والوقت المناسب.
* الإعجاب بالنفس والغرور، فيرى أنه أكبر من أن يوجه إليه النقد.
* أن يكون الناقد خصماً للمنقود أو عدواً له، أو من أقرانه؛ وذلك لأنَّ المنقود سيرى أن ذلك ناتج عن حسد وغيره.
* إتباع الهوى وقد سبق إفراده بمحاضرة .
* يرفض النقد بعض الناس، لأنهم يعتبرونه تجريح وتصيد للعيوب.
* يرفض النقد بعض الناس، لأن منهجه ضعيف لا يحتمل النقد، فلو نقد لانهار.
* لأنه لا يريد الاعتراف بالخطأ والتراجع عنه، وذلك لشعوره أن هذا منقصة في حقه.
* علاج رفض النقد
* معرفة حقيقة النفس وأن الخطأ من طبيعتها، أو أنها داعيةٌ إلى العصيان والجهل، فلا بد أن تخطئ، فإذا عرفت ذلك لم ترفض النقد الموجه إليك، الذي يغرقك بأخطائك ويبينها لك .
* التذكير بعواقب الرافضين للنقد، وأنه يترتب على رفضهم واستمرارهم على الخطأ مما يعرضهم إلى غضب الله والعياذ بالله.
* التربية على التواضع، وتجريد النفس من العجب والغرور، وجعلها تتحمل أن تواجه بأخطائها وتتبصر بها.
* إشعار المنقود بأن هدفك لله، وإنما تريد الخير له، وإن انتقادك له ليس لأي غرض آخر .
* مراعاة آداب النقد، من حسن الأسلوب واللين والرفق وقوة الطرح، مما يقوي فرصة اقتناعه بهذا الأمر.
* التأسّي بالسلف الصالح في قبولهم النقد، حيث كانوا يسمعون النقد والنصيحة، بل ويفرحون بها، فهذا عمر يقول له رجل اتق الله ويكثر عليه في ذلك، فقال للرجل قائل: اسكت فقد أكثرت على أمير المؤمنين، فقال عمر: دعه لا خير فيهم إن لم يقولوها، ولا خير فينا إن لم نقبلها.
وقال رجل لمعاوية: والله لتستقيمن بنا يا معاوية، أو لنقومنك، فقال معاوية: بماذا، قال: بالخشب، فقال معاوية: إذن نستقيم، وغيرها من القصص.
* تعريف النقد غير البناء أو المذموم
هو إظهار عيب الآخرين ؛ للنيل منهم ، وتشويه سمعتهم "
* حكم النقد غير البناء:
النقد غير البناء أو تصيد عيوب الناس وزلاتهم لا يجوز ، وذلك لأنه لا يخلو أن يكون فيه واحدٌ من الأمور التالية :
1- الغيبةُ ربما يكون النقد غير البناء غيبةً ، وتعلمون حكم الغيبة ، فهي من كبائر الذنوب عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ ؟ قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ . قَالَ : (( ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ )) قِيلَ أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ ؟ قَالَ: (( إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ)) .
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (( الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ )) .
2- البهتانُ وذلك بأن تذكر عيوباً أو أخطاء ليست في المنقود فيكون بهتاناً.
3- تتبع عورات المسلمين والتجسس والتحسس وقد جاء في الحديث ((إنَّك إنْ تَتَبَّعْتَ عَوْرَاتِ المسلمين أَفْسَدْتَهُمْ)) أبو داود.
4- سوء الظن وقد قال الله تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ)) (سورة الحجرات: 12) .
وقوله صلى الله عليه وسلم: (( إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث)) .
5- الحسدُ وتعلمون أنه يأكلُ الحسناتِ كما تأكل النارُ الحطبَ وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((لا تحاسدوا)).
6- إيذاء المسلم والظلم له وقد جاء في الحديث: ((المُسْلِمُ أخُوْ المُسْلِمِ لا يَظْلِمُهُ ولا يَسْلِمُهُ)) متفق عليه .
وفي الحديث الآخر: ((المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُوْنَ مِنْ لِسَانِهِ ويَدِه)) متفق عليه.
7- احتقار المسلم والسخرية به وقد جاء في الحديث: ((المُسْلِمُ أخُوْ المُسْلِمِ لا يَظْلِمُهُ ولا يَحْقِرُهُ ولا يَخْذُلُهُ)) مسلم .
(( بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِ أنْ يَحْقِرَ أخَاهُ المُسْلِمَ)) هل سمعت أيها الأخ الكريم لن تخرج من واحدة مما سبق إذا كان نقدُك من الصنف المذكور.
* مظاهـر النقد غير البناء
1- من مظاهر هذا العرض أن الناقد لا يهتم بالقضية محل النقد ، وإنما يركز اهتمامه على الشخص المنقود ، وليت تركيزُه على الجوانب الشخصية المتعلقة بالقضية المنتقده لهَانَ الخَطْبُ ، ولكن الذي يحصلُ أنه يتعرض لأمورٍ شخصيةٍ لا مدخل لها في القضية ، فهذا الشيخُ مثلاً جيدٌ لولا طريقةُ نطقه للحروفِ ، والشخصُ الفلاني - بمجرد خطأ بدر منه - يُتَكَلَّمُ فيه ، ويُؤْكَلُ لحمُهُ ، بل وتُنْشَرُ بما يُسمّى بملفِه الشخصيِّ السريِّ وهكذا.
2- التعرضُ للنيات : بحيث يربط بين الخطأ وبين قصد المخطئ ، فمثلاً أخطأ إنسانٌ في شيء ما فيأتي هذا المنتقدُ ، ويقول : هذا قصده كذا ، ويقصد من وراء خطئه كذا ، و يتدخل في نية الشخص ، ويحملها ما تحتمل وما لا تحتمل مع أنَّ النية لا يعلمها إلا الله.
3- ذكرُ الانتقادت من غير أدلةٍ أو مظاهر ؛ إنما مجرد مزاج ، بحيث يتهم فلاناً بالانحراف ، أو الانتكاس ، أو أي شيء آخر ، فإذا قيل له : ماذا لاحظت عليه ؟ كيف توصلتَ إلى هذه النتيجة ؟ لم يُبرِزْ لنا دليلاً أو مظهراً ، وإنما يقول : هذا حدس ، وتوقع وفراسة ، وفراستي لا تخطئ ، وربما أبرز لنا حججاً لكنها واهية جداً ، وربما بنى انتقاده على توقعات منه، وتحميله الكلامَ المنتقد أكثر مما يحتمل .
4- تتبعُ العثرات وتجميعها حتى يكونَ كالذباب ، لا يقع إلا على الجرح ، وهذه عادة بعض الناس ، يَغفل عن الحسنات ، ويكون همُّه تتبعَ الثغرات ، وتجميعَها ، ومثل هذا لو كان نقدُه بناءً لما حصر نفسَه في المعايب فقط.
5- تضخيمُ هذه الانتقادات ، وإعطائها أكبر من حجمها ، قد يكون الشيءُ المنتقدُ خطأ فعلاً ، لكنه لا يستحق كلَّ هذه الهالة الذي يعطيها إياه المنتقدُ ، ويمكن أن يُعالجَ أو يُنتقدَ بأيسرَ من ذلك ، لكن بعضُ الناس يتفنن في تضخيم جانب الخطأ، ويُعطيه أكبرَ مِنْ حجمِهِ، وهذا خطأ.
6- الإلحاحُ في علاجها، أو زوالِها بالكلية مع عدم التقديرِ لواقع المجموعة، قد تُوجَد بعض الأخطاء ، ولا يسلم أحدٌ من خطأ، فيأتي هذا المنتقدُ، ويثنها وهذا إلى هذا الحد جيدٌ. ولكن الذي يحصل هو أن يلح على زوال تلك الأخطاء، أو علاجها بسرعة، وربما كان بعض الأخطاء لا يُستطاعُ علاجُه ، أو إزالتُهُ بسرعة ، وإنما يحتاج إلى وقت وتدرج.
7- الحكمُ والتقويمُ من خلال هذه الانتقادات، وعدم الموازنة بينها وبين الحسنات، بعضُ الناس بمجرد أن يعلم خطأ عن فلان يصف هذا المخطئ من خلال هذا الخطأ ، وربما عدّه صفراً أو وبالاً على الأمة لمجرد هذا الخطأ، أو آخر مثله .
فمثلاً قد يخطئ عالمٌ في فتوى أو أكثر؛ فيُنتقََد عليها ويُردُّ عليه هذا الإشكال منه ، ولكن الإشكالُ عندما يُلغي هذا من قائمةِ العلماء ، أو من قائمة الأئمة لمجرد هذا الخطأ ، ثم تُجمَعُ أخطاؤُهُ ويُشهَر به ، وربما قيل : إنّه من الرزايا والبلايا التي أصيبت بها الأمة . لماذا ؟ لأنه أخطأ بعض الأخطاء ، ويُنسى دورُه وجهادُه ، وعلمه وما قدم للإسلام والمسلمين، لاشك أن هذا خطأ في النقد.
8- نشرُها والتلذذ بالتحدث عنها ، وإقناعُ الآخرين بوجودها ، لأنَّهُ ربما هو الذي انتقدها وأظهرها، فمتى بيَّن صحة نقده لا بد أن ينشر هذه الأخطاء ، ويتلذذُ بنشرها، ولو كان نقدُه بناءاً لم يشمت بأخيه ، ويفرحْ لأخطائه.
9- تحريضُ بعضِ الشباب على تصرفات معينة ، بحجة هذه الأخطاء المزعومة ، كأن يكون مع تجمع شبابي مع مجموعة ما ، فلأنه انتقد بعض الأخطاء كما يزعم ولم يُستجيب ولم تُعالج يبدأ يثير البلبلة في هذا التجمع ، ويبدأ محاولة تخريب هذه المجموعة إلى أحزاب ، ويستجلب المناصرين له ليناصروه في رأيه فإذا ما استطاع ذلك بدأ يحرضهم على التمرد ، وعلى المعارضة ولو كان نفده بناءاً لم يفعل مثل هذا.
10- التغافلُ عن عيوب نفسه ، والتماس المعاذير لنفسه ، لأنه اشتغل عن عيبه بعيوب الناس ، وإذا نُبِّهَ إلى خطأٍ عنده بدأ يفلسف هذا الخطأ، ويبحث له عن مخرج.
11- استغلال أي خطأ من المنتقَد ليدعم وجِهة نظره وصحة انتقاده ، لأنه انتقد أخطأ معينة ، وربما صنف المنتقد تصنيفاً معيناً، لذلك تجده يحاول إقناع الآخرين بصحة ما قال : وهذا يجعله يستغل أي خطأ ليبرهن الآخرين أن ما قاله عن هذا الشخص صحيح : فيقول لهم : انظروا أو اسمعوا ماذا قال هذا يدل على ما قلته لكم سابقاً وهكذا.
* أسباب النقد غير البناء
1- ضعفُ الإيمان ، فلو قوي إيمانه لشغله عيبُه عن عيوب الناس ، ولما تعرض لأخطاء الآخرين بشماتة وتصيد .
2- سوء التربية ، لو أنه تربى تربية صحيحة لعرف أن هذا النقد يخالف التربية ، ولا يليق بها، ولعلم خطورة هذا النوع من النقد عليه ، وعلى الآخرين .
3- ظلمُ الآخرين له ، وعدم حسن التصرف معه ، قد يكون تعرض لموقفٍ أو مواقفَ شعر معها بالظلم أو الإهمال ، ولذا أصبح عنده نوعٌ من الكره والعداء لهذا المنتَقد ؛ فتجده ينفس عن نفسه بمثل هذا التصرف .
4- عدم مناسبته لهذا النشاط ولهذه المجموعة ، إذ قد يكون له اتجاهاتٌ تخالفهم، أو آراء غير آرائهم، وكلها تحتمل الاجتهاد ، فيبدأ ينتقدهم ، لأنه يرى أنّهم على غير صواب .
5- عدمُ التنبيه على مثل هذه الموضوعات ، إذ لو تُكُلَّمَ عن هذا النوع من النقد وحُذر منه لكان في ذلك تنبيه عن الوقوع فيه .
6- الفراغُ ، ولا شك أن الفراغ قاتل ، فيحتاج المرء شغله فلا يجد ما يشغله به إلا تصيد عيوب الآخرين .
7- حُبُّ الرئاسة، وهذا يدفعه إلى انتقاد الرئيس ، أو من ينوب عنه للتقليل من شأنهم، وفي نفس الوقت يرفع من شأنه ، فكأنه يقول : هؤلاء على خطأ ، ولا يصلح للرئاسة إلا أنا .
8- الحساسية وترجيح الظن السيئ ، والبناء على نتائج ظنية ، أو وهمية خاطئة، بعض الناس يفسر كلام الآخرين ، وتصرفاتهم دائماً تفسيراً سيئاً ، ولا يحملها على المحمل الحسن .
9- الاغترار برأيه وانتقاص الآخرين ، فيُعْجَبُ بنفسه ، وأنه ناقد ٌ، بصير استطاع أن يكتشف الأخطاء ، ويظهرها .
10- الغِيرة والحسد من أقرانه الذين فاقوه ، ربما يكون سببُ النقدِ أنه رأى أقرانَهُ فاقوه في أمرٍ ما لم يستطع أن يلحق بهم ؛ فيغتاظ لذلك ، ويحسدهم على ذلك ، ولا يجد متنفساً له إلا بإظهار عيوبهم ، ونقائصهم وتصيد زلاتهم، وذلك للتقليل من مكانهم ومكاسبهم .
11- عدم النضج لمعرفة مشاكل الشباب ، وإنما نظرته جانبيه ومن زاوية معينة ، أو على حسب ظروفه وهواه ، فتجده ينتقد وضعاً؛ لأنه يعتقد أنه خطأ بينما لو كان عنده خبرة وتجربة ، لعلم أن هذا هو المناسب لهذه المجموعة مثلاً .
12- اتباع الهوى .
13- التقليدُ : ينتقد فلاناً ؛ لأن فلاناً ينتقده ، فيكون سمع أن فلاناً ، وليكن عالماً أو طالب علم ، أو داعية أو غيرهم ممن له مكانة سمع ينتقد شخصاً ، فيقلده في ذلك دون أن يعرف أوجه النقد ، ولذلك نسمع من بعض الأشخاص مثلاً يقول : الشيخ فلان لا يؤخذ بقوله لأنه منحرف عن الجادة ، فإذا ما سألته عن السبب سكت، أو أحالك إلى من سمع عنه ، ذلك فلان يقول : هذا ، وهل تعرف أنت ؟ لماذا فلان يقول هذا ؟ إذا لم تعرف ؛ فلماذا تنتقد أنت ؟ أحل على كلام من تثق فيه ، قل فلان قال : كذا ، ولكن لا تتولى أنت عملية النقد .
* أضرار النقد غير البناء
1- قسوة القلب ،وذلك لأن تتبع عورات الناس ، وتصيد زلاتهم سيستغرق عليك وقتاً ، ثم كثرة الكلام فيها أيضاً يحتاج إلى وقت ، وكل هذا الوقت يذهب في باطل ومعصية مما يقسي القلب .
2- إثارة الأحقاد مما يُوَلِّد المنافسات الدنيوية ، فهذا ينتقد هذا ، والمُنْتَقَدُ يدافع عن نفسه ، ثم يوجه النقد للناقد ، ولا شك أن هذا يُسَبِّبُ الأحقاد .
3- إيجادُ مادةِ للقيل والقال حتى تتطور المسألة ، وتستغرق وقت الشباب ، فيذهب وقت الشباب في مناقشة هذه الأمور ، هل هذا خطأ فعلاً، أو ليس كذلك ، ومناقشات وردود ، وربما كل فريق يحشد إمكاناته لتصيد عيوب الآخر؛ فيستغرق ذلك وقتاً غير يسير ، الأمةُ بأمس الحاجة إليه .
4- تفككُ الشباب ، وجعلهم طوائفَ وأحزاب ، كلُ فريقٍ يناصر رأيه ، ويحشد الأدلة لإثبات صحة ما يقول ، وربما تكونت جماعاتٌ صغيرةٌ ، يترأسها من لم ينضج بعدُ من هؤلاء الناقدين، ولا شك أنّ هذا سيؤثر تأثيراً بالغاً على الصحوة ، إذ إنّ ترؤس مثل هذا ربما قوى هذه الظاهرة ، وربى أجيال على ذلك .
5- الإعراض عن العبادة أو افتقارها للخشوع ، وذلك لأن وقته ملئ بالكلام بما لا فائدة فيه 0
6- المنع من التجديد ؛ لأن الذي يريد أن يجدد يخشى من النقد ؛ فيُحجم عن ذلك ، إذا أراد أن يأتي بفكرة قال : أخشى أن أنتقد فيجعله ذلك يترك هذه الفكرة ، ويئدها في مهدها .
المنتقِد تزيد خطورته إذا كان : عنده شيء من العلم ، أو حافظاً للقرآن ، أو كريماً، أو خدوماً ، أو له تجربة لا بأس بها، أو ثناء بعض الناس عليه ، أو وجود من هو على شاكلته .
علاج النقد غير البناء
1- المناصحة الفردية القوية ، وتذكيره بالله تعالى، وعدم الوقوف معه كثيراً بالأخذ والإعطاء ، لأنه ربما هدفه أن يكون له كلمة 0
2- التضييق عليه ، وعدم إتاحة الفرصة له، وذلك بنقله إلى جوٍ آخر لا يُجد فيه مجالاً لبث سمومه 0
3- طرح مثل هذه الموضوعات ، وتنبيه الشباب عن مثل هذه الصنف من الناس ليحذره ، ولئلا يجد هو آذاناً صاغية لما يقول 0
4- إشغاله بما يعود عليه بالنفع في الدنيا والآخرة ، وخصوصاً إذا كان في بداية أمره ، وإشغاله بطلب العلم ، وحفظ كتاب الله عز وجل 0
5- إذا استفحل أمرُه فلا ما نع من مناقشته ، ومطالبته بالدليل 0
6- الدعاء له بالهداية 0
7- تعويد الشباب على حسن الظن ، و المناصحة السرية ما أمكن 0
8- أن هذا الشخص وأمثاله قد يكون سُلِّط على هذه المجموعة لغرض معين ، وقد يكون سُلَّطه الله عليهم بسبب ذنوبهم 0
9- التجرد في النقد بحيث لا يكون لهوىً ، أو لحسد وغيره و سوء ظن
10- الموازنة بين الفضائل والسيئات ، وذكر الحسنات عند ذكر السيئات .
قال سعيد بن المسيب: ( ليس من عالم ولا شريف ولا ذي فضل إلا وفيه عيب؛ ولكن إن كان فضلُه أكثرَ من نقصِه ذهب نقصُه لفضلِه؛ كما أن مَنْ غلبَ عليه نقصانُه ذهب فضلُه) .
وقال ابن القيم: (فلو كان كلُّ من أخطأ أو غلط تُرِكَ جملةً، وأُهدرت محاسنُه لفسدت العلومُ والصناعات ، والحكم وتعطلت معالمُها) .
وقال الذهبي: (ولو أن كلَّ من أخطأ في اجتهاده مع صحة إيمانه وتوخيه لاتباع الحق أهدرناه و بدّعناه لقل من يسلم من الأئمة معنا ، رحم الله الجميع بمنه وكرمه) .
وهذا إنما يكون عندما تريد أن تعطي حكماً عاماً على شخص ما ، ما رأيك في فلان ، إما إذا كُنتَ تُريد أن تحذِّر من هذا الشخص وتبعد الناس عن الاغترار به فلا يلزم ذكر حسناته فإن كنت تُريد نقد تصرف أو قضية صدرت منه ، فانقدها دون التعرض لشخصه ، أو تقول : أخطأ في المسألة الفلانية أما أن تقول هذا فيه كذا وكذا وتتعدد سيئاته وزلاته مع ماله من الحسنات فلا 0
11- الاشتغال بأخطائنا نحن عن تَصَيِّد عيوب الناس 0
12- إعطاء كل خطأ حجمه الصحيح دون تضخيمه وتهويله 0
13- عدم التقليد في النقد : تنقد فلاناً لأن فلاناً نقده ؛ فقد ينقد طالب عالم آخر، وربما كان هذا النقد ليس صحيحاً ، فلا تقلده في ذلك ؛ لأن كلام الأقران في بعضهم يُطوى ولا يُروى .
14- عدم تحميل الكلام المنقود، أو الفعل المنقود ما لا يحتمله، بأن تُضيف إليه : يقصد كذا ! ، ويهدف إلى كذا ويَلزم على قوله كذا !!
صفات الناقد : 1- تصور القضية التي يراد نقدها تصوراً صحيحاً؛ لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره . 2- معرفة طريقة النقد: بمعنى أن يعرف كيف ينقد معرفة الأسلوب الآداب الضوابط وغيرها. 3- الإخلاص: بأن تكون نيته خالصة لله، لم ينقد لهوى ولا لغيره، ولا لحسد ولا لسوء ظن ولا لغرض دنيوي، وإنما نقده نصحاً للمسلمين وبذلك يكون سليم الصدر. 4- الإنصاف والعدل: فلا يميل بالنقد ميلاً عظيماً ويبالغ في الأمور ويضخمها ويعطيها أكبر من حجمها. 5- ألا يكون فيه ما ينتقده لئلا يقول مالا يفعل، ولا يفهم من هذا أن هذا يعفيه من إنكار المنكر إذا كان يفعله، أو يعفيه من الأمر بالمعروف إذا كان لا يفعله، أبداً نحن نقول أنكر المنكر ولو كنت تفعله، وأمر بالمعروف ولو لم تفعله، لكن في الوقت نفسه نقول إنه ينبغي أن تكون أول من يأتمر بالمعروف الذي تأمر به، وأول من ينتهي عن المنكر الذي تنكره. 6- التثبت من الشيء الذي يراد نقده من ناحية، هل هو خطأ فعلاً فينقد أو لا. 7- التثبت من الناقل للشيء المنقود، هل هو فعلاً ناقل للحقيقة، هل له أهداف أو أغراض من نقله لهذا الخطأ، هل هو ضابط لما ينقله أو يزيد أو ينقص وينقل بالمعنى، ويدخل آراءه وتصوراته وتعليقاته، ثم هل نقل ذلك الشيء المنقود عن نفسه أو نقله عن غيره، فإن كان نقل عن غيره فهل غيره يتصف بالصفات التي ذكرناها أولا. فمثلاً يأتيك إنسان ويقول سمعت الشيخ الفلاني أفتى بجواز كذا أو أفتى بحرمة كذا، فأنت لا تسارع في نقد الشيخ حتى تتبين لك الأمور واضحة جلية، ربما هذا الناقل لم يسمع جيداً أو سمع عن غيره أو سمع هو لكن لم يفهم كلامه لشيخ، أو حمله أكثر مما يحتمل إذ إن هناك احتمالات كثيرة تجعلك تؤخر النقد حتى تتثبت. 8- محاولة علاج الأخطاء وتقديم الحلول قدر الإمكان بالنصح بالرفق واللين، ومحاولة الستر عليه، ومسألة تقديم الحلول أيها الإخوة يطالب بها بعض الناس، فيقول إذا نقدته هات الحل، وأقول أيها الإخوة هل هذا صحيح ؟ الذي يظهر والله أعلم إن كان طلب الحل لإقناع الناقد بأنه لم يكن في الإمكان أحسن مما كان، وأنك تدرك الخطأ ولكن لا يمكن أن تفعل غير هذا، فربما تكون المطالبة بالبديل صحيحة لكن كوننا نقول إن على الناقد أن يأتي بالبديل أو يقدم الحل على إطلاقه هكذا فلا أظن أنه صحيح، ربما أعرف أن هذا خطأ فأنبهك عليه لتبحث عن حل ولكني لا أعرف الحل، هل نقول للطبيب لا تذكر المرض إلا وأنت تعرف له علاجاً هذا غير صحيح قد ينبهك الطبيب إلى مرض ويقول ابحث عن العلاج عند غيري إذن نقول لا يلزم من النقد أن نقدم البدائل الصحيحة دائماً ، إن قدمنا البدائل فهذا طيب وحسن وإن لم نستطع نقبل النقد ولو بدون حلول . 9- النظر إلى عيوب نفسه أولاً، فطوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس. 10- يضع في ذهنه أنه لا يوجد أحد إلا ويخطئ، كل ابن آدم خطاء، وهذا يبعده عن الغلظة والقسوة في النقد. 11- يضع نفسه مكان المنقود كما قال تعالى: ((لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ)) (سورة النور :12) . قال القرطبي: (وقيل المعنى أنه كان ينبغي أن يقيس فضلاء المؤمنين والمؤمنات الأمر على أنفسهم، فإن كان يبعد فيهم فذلك في عائشة وصفوان أبعد) . 12- البعد عن تتبع عورات المسلمين المستورة، التي أثرها قاصرعليهم، يقول- صلى الله عليه وسلم-: (( عَنْ مُعَاوِيَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّكَ إِنِ اتَّبَعْتَ عَوْرَاتِ النَّاسِ أَفْسَدْتَهُمْ أَوْ كِدْتَ أَنْ تُفْسِدَهُمْ )) . 13- عدم جعل النقد وسيلة لمصادرة آراء الآخرين التي لهم فيها مجال قد تكون بعض القضايا اجتهادية، والاختلاف فيها اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد، لا يترتب عليه أي أثر على الفرد أو الأمة فهنا لا نحتاج إلى النقد. 14- أن يمزج نقده بما يجعله أدعى للقبول من مثل: اختيار الوقت المناسب والأسلوب المناسب ونحو ذلك. ومن ذلك أن يكون النقد بين الناقد والمنقود ما لم يكن الشيء المنتقد ظاهراً للناس يخشى أن يتأثروا به، أما مجرد الأخطاء الشخصية، أو الأخطاء التي لم يطلع عليها عموم الناس، أو التي يمكن تداركها دون أن تؤثر على الناس، فهذا ليكن النقد قدر الإمكان بعيداً عن التشهير مثال: تريد نقد رئيس المكتبة لا يلزم أمام أتباعه، وما سبق يضاف إليه أمر هام جداً هو أن لا يكون الناقد مما يحتج بسكوته مثلاً: مكتبة لها رئيس ومعه طلاب علم، يستنيرون برأيه، ووضع لهم الرئيس برنامجاً فيه خطأ ما، فهنا ينبغي على طالب العلم تنبيه الرئيس على ذلك، فإن لم ينتبه فهنا لابد لطالب العلم هذا أن ينقد هذا الخطأ علانية أمام التابعين لهذه المكتبة، لكي يعرفوا وجهة نظره، ولئلاَّ يحتجوا على صحة الخطأ بسكوت طالب العالم هذا، وكذلك لو كان هناك منكر ظاهر في المجتمع، فهنا لابد للمشايخ وطلاب العلم أن يتكلموا ولا يسعهم السكوت؛ لأنه يحتج بسكوتهم على جواز هذا المنكر .
صفات الناقد :
1- تصور القضية التي يراد نقدها تصوراً صحيحاً؛ لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره .
2- معرفة طريقة النقد: بمعنى أن يعرف كيف ينقد معرفة الأسلوب الآداب الضوابط وغيرها.
3- الإخلاص: بأن تكون نيته خالصة لله، لم ينقد لهوى ولا لغيره، ولا لحسد ولا لسوء ظن ولا لغرض دنيوي، وإنما نقده نصحاً للمسلمين وبذلك يكون سليم الصدر.
4- الإنصاف والعدل: فلا يميل بالنقد ميلاً عظيماً ويبالغ في الأمور ويضخمها ويعطيها أكبر من حجمها.
5- ألا يكون فيه ما ينتقده لئلا يقول مالا يفعل، ولا يفهم من هذا أن هذا يعفيه من إنكار المنكر إذا كان يفعله، أو يعفيه من الأمر بالمعروف إذا كان لا يفعله، أبداً نحن نقول أنكر المنكر ولو كنت تفعله، وأمر بالمعروف ولو لم تفعله، لكن في الوقت نفسه نقول إنه ينبغي أن تكون أول من يأتمر بالمعروف الذي تأمر به، وأول من ينتهي عن المنكر الذي تنكره.
6- التثبت من الشيء الذي يراد نقده من ناحية، هل هو خطأ فعلاً فينقد أو لا.
7- التثبت من الناقل للشيء المنقود، هل هو فعلاً ناقل للحقيقة، هل له أهداف أو أغراض من نقله لهذا الخطأ، هل هو ضابط لما ينقله أو يزيد أو ينقص وينقل بالمعنى، ويدخل آراءه وتصوراته وتعليقاته، ثم هل نقل ذلك الشيء المنقود عن نفسه أو نقله عن غيره، فإن كان نقل عن غيره فهل غيره يتصف بالصفات التي ذكرناها أولا.
فمثلاً يأتيك إنسان ويقول سمعت الشيخ الفلاني أفتى بجواز كذا أو أفتى بحرمة كذا، فأنت لا تسارع في نقد الشيخ حتى تتبين لك الأمور واضحة جلية، ربما هذا الناقل لم يسمع جيداً أو سمع عن غيره أو سمع هو لكن لم يفهم كلامه لشيخ، أو حمله أكثر مما يحتمل إذ إن هناك احتمالات كثيرة تجعلك تؤخر النقد حتى تتثبت.
8- محاولة علاج الأخطاء وتقديم الحلول قدر الإمكان بالنصح بالرفق واللين، ومحاولة الستر عليه، ومسألة تقديم الحلول أيها الإخوة يطالب بها بعض الناس، فيقول إذا نقدته هات الحل، وأقول أيها الإخوة هل هذا صحيح ؟ الذي يظهر والله أعلم إن كان طلب الحل لإقناع الناقد بأنه لم يكن في الإمكان أحسن مما كان، وأنك تدرك الخطأ ولكن لا يمكن أن تفعل غير هذا، فربما تكون المطالبة بالبديل صحيحة لكن كوننا نقول إن على الناقد أن يأتي بالبديل أو يقدم الحل على إطلاقه هكذا فلا أظن أنه صحيح، ربما أعرف أن هذا خطأ فأنبهك عليه لتبحث عن حل ولكني لا أعرف الحل، هل نقول للطبيب لا تذكر المرض إلا وأنت تعرف له علاجاً هذا غير صحيح قد ينبهك الطبيب إلى مرض ويقول ابحث عن العلاج عند غيري إذن نقول لا يلزم من النقد أن نقدم البدائل الصحيحة دائماً ، إن قدمنا البدائل فهذا طيب وحسن وإن لم نستطع نقبل النقد ولو بدون حلول .
9- النظر إلى عيوب نفسه أولاً، فطوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس.
10- يضع في ذهنه أنه لا يوجد أحد إلا ويخطئ، كل ابن آدم خطاء، وهذا يبعده عن الغلظة والقسوة في النقد.
11- يضع نفسه مكان المنقود كما قال تعالى: ((لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ)) (سورة النور :12) .
قال القرطبي: (وقيل المعنى أنه كان ينبغي أن يقيس فضلاء المؤمنين والمؤمنات الأمر على أنفسهم، فإن كان يبعد فيهم فذلك في عائشة وصفوان أبعد) .
12- البعد عن تتبع عورات المسلمين المستورة، التي أثرها قاصرعليهم، يقول- صلى الله عليه وسلم-: (( عَنْ مُعَاوِيَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّكَ إِنِ اتَّبَعْتَ عَوْرَاتِ النَّاسِ أَفْسَدْتَهُمْ أَوْ كِدْتَ أَنْ تُفْسِدَهُمْ )) .
13- عدم جعل النقد وسيلة لمصادرة آراء الآخرين التي لهم فيها مجال قد تكون بعض القضايا اجتهادية، والاختلاف فيها اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد، لا يترتب عليه أي أثر على الفرد أو الأمة فهنا لا نحتاج إلى النقد.
14- أن يمزج نقده بما يجعله أدعى للقبول من مثل:
اختيار الوقت المناسب والأسلوب المناسب ونحو ذلك.
ومن ذلك أن يكون النقد بين الناقد والمنقود ما لم يكن الشيء المنتقد ظاهراً للناس يخشى أن يتأثروا به، أما مجرد الأخطاء الشخصية، أو الأخطاء التي لم يطلع عليها عموم الناس، أو التي يمكن تداركها دون أن تؤثر على الناس، فهذا ليكن النقد قدر الإمكان بعيداً عن التشهير مثال: تريد نقد رئيس المكتبة لا يلزم أمام أتباعه، وما سبق يضاف إليه أمر هام جداً هو أن لا يكون الناقد مما يحتج بسكوته مثلاً: مكتبة لها رئيس ومعه طلاب علم، يستنيرون برأيه، ووضع لهم الرئيس برنامجاً فيه خطأ ما، فهنا ينبغي على طالب العلم تنبيه الرئيس على ذلك، فإن لم ينتبه فهنا لابد لطالب العلم هذا أن ينقد هذا الخطأ علانية أمام التابعين لهذه المكتبة، لكي يعرفوا وجهة نظره، ولئلاَّ يحتجوا على صحة الخطأ بسكوت طالب العالم هذا، وكذلك لو كان هناك منكر ظاهر في المجتمع، فهنا لابد للمشايخ وطلاب العلم أن يتكلموا ولا يسعهم السكوت؛ لأنه يحتج بسكوتهم على جواز هذا المنكر .