بين التربية و التعليم
الناقل :
mahmoud
| الكاتب الأصلى :
أحمد محمد الشيبة
| المصدر :
www.yanabeea.net
كم مرّ عليك من المعلمين في حياتك؟
و كم تتذكر من أولئك المعلمين؟
حينما ينهي الشخص حياته الدراسية في المدرسة يكون قد قضى إثنا عشر سنة من عمره و التقى بما لا يقل عن أربعين معلماً. و مع هذا حينما أسأل في دوراتي و محاضراتي الحاضرين عن عدد المعلمين الذين يتذكرونهم فإنهم لا يذكرون في العادة أكثر من خمسة معلمين، فأين ذهب البقية؟
في الحقيقة السؤال الأهم هو من الذين نتذكرهم؟
إننا نتذكر أحد معلمَين، إما معلم تربوي مميز كان له أثر عظيم في حياتنا العملية- و ليس بالضرورة المعرفية- و إما معلم نكرهه بشدة و ذلك لما لقينا منه من أذى نفسي أو حتى جسدي.
و هذا يعني أن هناك فئة من المعلمين لم تحمل أهمية حقيقية لنا في حياتنا ذلك أنها لم تكن ذات تأثير تربوي و لم نتضرر منها، و لذلك فنحن ننساها و تخرج من تاريخنا تماماً. فما هي المشكلة؟
يشكُل على الكثير ممن يعملون في الميدان التربوي معرفة الفرق بين التعليم و التربية خاصة في هذه الأيام التي أصبح التقليد الغربي من الحاجات الرئيسية للتعليم، تقول ما العلاقة؟ أنا أقول لك.. الكلمة المستخدمة لدى الغرب اليوم كمصطلح للتعليم هي
Education
و هي تعني التعليم، بيد أن ترجمتها الحرفية هي " التربية" فيختلط المعنى لدى المعلم و المربي العربي و يفهم أن منتهى الثقافة التربوية تقف عند المعاني التي يطرحها الغرب وفقاً للمصطلح.
هل أنا أبالغ؟ لو كنت مبالغاً لما وجدنا الكثير ممن درسوا التربية بالغرب بمفهومها التعليمي المجرد يمارسون الإرشاد الأسري و الاجتماعي و هذه من المشاكل التي نواجهها في مجتمعنا اليوم.
و هنا يجب علينا أن نتوقف لنفرق بين المصطلحين. فالتربية هي البناء النفسي القويم للفرد. و أما التعليم فهو البناء العقلي بالمعرفة الصحيحة. و لا يمكننا أن نقول إن أحدهما مهم و الآخر لا. و لكن لا غنى لأحدهما عن الآخر.
و ما أجمل قول شوقي و دقته حين يقول عن المعلم:
أرأيت أكرم أو أعز من الذي **** يبني و ينشيء أنفساً و عقولا
و الحقيقة أن التربية روح يفتقر إليها الكثير من المعلمين بل و الكثير من آباء اليوم.
فحين تسمع لمعلم يقول عن طلبته على مسمعٍ منهم:" هؤلاء لا خير فيهم، و ليس لهم مستقبل" و يضحك الطلبة من كلمة أستاذهم، نعم إنها حقيقة أنا لا أحلم و قد حدثت أمامي مراراً. و أنت لست بحاجة إلى فيلسوف حتى يقول لك إن هذا المعلم يتعامل بشكل تربوي. أو أن يتفوه أبٌ بقوله عن ابنه أنه لا فائدة منه و الابن يسمع ذلك. هل يمكن أن تطلق على هذا الأب مربياً؟ إنه حتى الآن ليس بالمربي و لكني أحب أن أبشرك أنه يمكن أن يكون مربياً و هذا هو الخبر السعيد.
إن التربية بمفهومها الراقي الذي يجمع بين بناء النفس و بناء العقل لهي أسمى مهمة بشرية يمكن أن يقوم بها الإنسان، و هي من الجانب الفطري موجودة في النفس البشرية، فالأم لا تحتاج إلى معلم حتى يعلمها الشعور كونها أم، و لا الأب بحاجة لمن يخبره بمشاعر الحب لأبنائه حتى يحبهم. فالإنسان في فطرته مجبول على هذه القدرة و لكن يمكن أن تغيب مع ازدحام الحياة بكثرة المشاغل، و تبعثر سلم الأولويات لدى الناس، و تشابك مؤثرات البيئة على الطفل و الوالدين أو المعلم. فتغيب القدرة الفطرية مع كثرة المؤثرات الحياتية.
و مع هذا كله يغيب عن ذهن المعلم والوالدين ماذا يحتاج الأبناء والطلبة حقاً. هل المعرفة فقط هي حاجتهم حتى يكونوا سعداء، لو كان ذلك فبالله عليك هل تتذكر من أبنائك من كان يقوم صباحاً فرحاً يقول: " يا سلام.. أنا ذاهب للمدرسة" إذا رأيت ذلك يوماً فاعلم أن ابنك له معلم مربي. أما و في الغالب نحن لا نرى ذلك و لم نلمسه في حياتنا لأننا لا نجد في المدرسة ما نريد و ما نحتاج حقاً. فكلنا يحتاج إلى المحبة و كلنا يحتاج إلى الاحترام و هذا ما يكاد أن يكون مفقوداً لدى معلمينا إلا من رحم ربي.
فقبل التعليم لا بد من بناء علاقة بين المعلم و التلميذ قوامها الحب و الألفة، و لنا في معلم البشرية التربية و التعليم محمد صلى الله عليه و سلم أسوة حسنة، فمع علمنا أنه جاء معلماً بدستورٍ سماوي منزل إلا أن ذلك التعليم لم يكن يقتصر على المعرفة و الحفظ و لكنه كان محفوفاً بالمعاني التربوية الراقية . فحين أراد أن يعلم معاذ بن جبل رضي الله عنه ما يقول بعد كل صلاة، يفتتح له بأداة تربوية رائعة إذ أخذ رسول الله صلى الله عيه و سلم بيده وقال: "يا معاذ والله إني لأحبك، والله إني لأحبك، فقال: "أوصيك يا معاذ لا تدعنّ في دبر كل صلاة تقول: اللهم أعنّي على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك". ما الذي يجعل الرسول صلى الله عليه وسلم يأخذ بيد معاذ، ثم يقدم له بأنه يحبه مرتين سوى أنها النفحة التربوية لكي تكتمل المنظومة التعليمية.
إن الأسلوب التربوي الذي يستخدمه المعلم مع تلاميذه ليضمن للمعلومة أن تؤخذ بجدية عالية و يكفل أن يكون للمعلومة ميدان عملي نابع من الدافعية التي أورثها ذلك الأسلوب الذي تبنى من خلاله النفوس، و يكتمل معها سر النجاح التربوي