أستاذ اللاهوت السابق إبراهيم خليل فلوبوس
وهذا مانشرته مجلة الدعوة في أكتوبر 1976
أستاذ اللاهوت المسئول عن تنصير قطاع من مصر كان يعمل راعي الكنيسة الإنجيلية و أستاذ العقائد و اللاهوت بكلية اللاهوت بأسيوط حتى عام 1953 ، ثم سكرتيراً عاماً للإرسالية الألمانية السويسرية بأسوان ، و مبشراً بين المسلمين ما بين المحافظات من أسيوط إلى أسوان حتى عام 1955 ... حصل على المؤهلات المتخصصة في اللاهوت ، فحصل على دبلوم كلية اللاهوت الإنجيلية بالقاهرة عام 1948 ، ثم ماجستير في الفلسفة و اللاهوت من جامعة "برنستون" بالولايات المتحدة الأمريكية عام 1952 . و يتحدث "إبراهيم خليل أحمد" عن قصة دخوله الإسلام فيقول : " في إحدى الأمسيات من عام 1955 سمعت القرآن مذاعاً بالمذياع ، و سمعت في قوله تعالى : { قل أوحيَ إليّ أنه استمع نفرٌ من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآناً عجباً (1) يهدي إلى الرشد فآمنا به و لن نشرك بربنا أحداً } [الجن:1 ، 2] كانت هاتان الآياتان بمثابة الشعلة المقدسة التي أضاءت ذهني و قلبي للبحث عن الحقيقة .. في تلك الأمسية عكفت على قراءة القرآن حتى أشرقت شمس النهار ، و كأن آيات القرآن نورٌ يتلألأ ، و كأنني أعيش في هالة من النور .. ثم قرأت مرة ثانية فثالثة فرابعة حتى وجدت قوله تعالى :
{ الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة و الإنجيل يأمرهم بالمعروف و ينهاهم عن المنكر و يحل لهم الطيبات و يحرم عليهم الخبائث و يضع عنهم إصرهم و الأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به و عزروه و نصروه و اتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون } [الأعراف:157]
.. من هذه الآية قررت أن أقوم بدراسة متحررة للكتاب المقدس ، و قررت الاستقالة من عملي كقسيس و سكرتير عام للإرساليات الأمريكية بأسوان . و لما نفذت قراري تآمر عليّ مجموعة أطباء و أشاعوا أنني مختل العقل ، فصبرت و صمدت بكل ثقة في الله ، فسافرت إلى القاهرة حيث عملت بشركة للمبيعات "استاندرد ستاشينري" ، و في أثناء عملي بها طلب مني مدير الشركة طبع تفسير جزء عم باللغة الإنجليزية ، فتعهدت له بإنجاز هذا العمل ، و كان يظنني مسلماً ، و حمدت الله أنه لم يفطن لمسيحيتي ، فكانت بالنسبة لي دراسة إسلامية متحررة من ثياب الدبلوماسية حتى شرح الله صدري للإسلام ، و وجدت أنه لابد من الاستقالة من العمل كخطوة لإعلان إسلامي ، و فعلاً قدمت استقالتي في عام 1959 و أنشأت مكتباً تجارياً و نجحت في عملي الجديد . و في 25 ديسمبر عام 1959 أرسلت برقية للإرسالية الأمريكية بمصر الجديدة بأنني آمنت بالله الواحد الأحد و بمحمد نبياً و رسولاً ، ثم قدمت طلباً إلى المحافظة للسير في الإجراءات الرسمية .. و تم تغيير اسمي من "إبراهيم خليل فيلبس" إلى "إبراهيم خليل أحمد" ، و تضمن القرار تغيير أسماء أولادي على النحو التالي : إسحاق إلى أسامة ، و صموئيل إلى جمال ، و ماجدة إلى نجوى ." ثم يلتقط أنفاسه ليعاود سرد قصته و رحلته للإيمان بالإسلام ، فيقول عن المتاعب التي تعرض لها : " فارقتني زوجتي بعد أن استنكرت عليّ و على أولادي الإسلام ، كما قررت البيوتات الأجنبية التي تتعامل في الأدوات المكتبية و مهمات المكاتب عدم التعامل معي ، و من ثم أغلقت مكتبي التجاري ، و اشتغلت كاتباً بشركة بـ 15 جنيهاً شهرياً بعد أن كان دخلي 80 جنيهاً ... و في هذه الأثناء درست السيرة النبوية ، و كانت دراستها لي عزاء و رحمة .. و لكن حتى هذه الوظيفة المتواضعة لم أستمر فيها ، فقد استطاع العملاء الأمريكان أن يوغروا الشركة ضدي حتى فصلتني ، و ظللت بعدها ثلاثة أشهر بلا عمل حتى عينت في المجلس الأعلى للشئون الإسلامية ، و ذلك إثر محاضرة قد ألقيتها و كان عنوانها لماذا أسلمت؟ " ثم يضحك بمرارة و سخرية و هو يقول : " لقد تولت الكنيسة إثارة الجهات المسئولة ضدي ، حتى أن وزارتي الأوقاف و الداخلية طلبتا مني أن أكف عن إلقاء المحاضرات و إلا تعرضت لتطبيق قانون الوحدة الوطنية متهماً بالشغب و إثارة الفتن ، و ذلك بعد أن قمت بإلقاء العديد من المحاضرات في علم الأديان المقارن بالمساجد في الإسكندرية و المحلة الكبرى و أسيوط و أسوان و غيرها من المحافظات ، فقد اهتزت الكنيسة لهذه المحاضرات بعد أن علمت أن كثيراً من الشباب النصراني قد اعتنق الإسلام " ثم يصمت في أسى ليقول بعدها : " هذا الاختناق دفعني دفعاً إلى أن أقرر الهجرة إلى المملكة العربية السعودية حيث أضع كل خبراتي في خدمة كلية الدعوة و أصول الدين " ثم يعود مستدركاً و موضحاً لما سبق أن أشار إليه عن أسباب اعتناقه للإسلام ، فيقول : " إن الإيمان لابد أن ينبع من القلب أولاً ، و الواقع أن إيماني بالإسلام تسلل إلى قلبي خلال فترات طويلة كنت دائماً أقرأ القرآن الكريم و أقرأ تاريخ الرسول الكريم و أحاول أن أجد أساساً واحداً يمكن أن يقنعني أن محمداً هذا الإنسان الأمي الفقير البسيط يستطيع وحده أن يحدث كل تلك الثورة التي غيرت تاريخ العالم و لا تزال . استوقفني كثيراً نظام التوحيد في الإسلام و هو من أبرز معالم الإسلام : { ليس كمثله شئ } [الشورى:11] ، { قل هو الله أحد (1) الله الصمد } [الإخلاص:1 ، 2] " .. و يرفع رأسه متأملاً في السماء و يقول : " نعم .. التوحيد يجعلني عبداً لله وحده ، و لست عبداً لأي إنسان ... التوحيد هنا يحرر الإنسان و يجعله غير خاضع لأي إنسان ، و تلك هي الحرية الحقيقية ، فلا عبودية إلا لله وحده .. عظيم جداً نظام الغفران في الإسلام ، فالقاعدة الأساسية للإيمان تقوم على الصلة المباشرة بين العبد و ربه ، فالإنسان في الإسلام يتوب إلى الله وحده ، لا وجود لوسطاء ، و لا لصكوك الغفران أو كراس الاعتراف ؛ لأن العلاقة مباشرة بين الإنسان و ربه " . و يختتم كلامه و قد انسابت تعابيره رقراقةً : " لا تعلم كم شعرت براحة نفسية عميقة و أنا أقرأ القرآن الكريم فأقف طويلاً عند الآية الكريمة : { لو أنزلنا هذا القرآن على جبلٍ لرأيتَه خاشعاً متصدعاً من خشية الله } [الحشر:21] كذا الآية الكريمة : { لتجدنَّ أشد الناس عداوةً للذين آمنوا اليهود و الذين أشركوا و لتجدنَّ أقربهم مودةً للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين و رهباناً و أنهم لا يستكبرون (82) و إذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين } [المائدة:82 ، 83] لذلك كله اتخذت قراري بإشهار إسلامي ، بل عليّ القيام بالدعوة للدين الإسلامي الذي كنت من أشد أعدائه ، يكفي أنني لم أدرس الإسلام في البداية إلا لكي أعرف كيف أطعنه و أحاربه ، و لكن النتيجة كانت عكسية فبدأ موقفي يهتز و بدأت أشعر بصراع داخلي بيني و بين نفسي ، و اكتشفت أن ما كنت أبشر به و أقوله للناس كله زيف و كذب " .