يشكل موضوع " العنف ضد المرأة" أحد المحاور الأساسية في توصيات مؤتمر بكين 95، الذي تعد محاوره الاثنا عشر الركيزة الأساسية لعمل وتحركات الهيئات النسائية التحررية في بلدان العالم .
ويدخل موضوع ضرب الزوجة ، في إطار " العنف الأسري" الذي يُعَرَّف وفق أدبيات الأمم المتحدة بأنه "العنف الجسدي والجنسي والنفسي الذي يقع في إطار الأسرة، بما في ذلك الضرب المبرح، والإساءة الجنسية للأطفال الإناث في الأسرة (أي تفضيل الذكور على الإناث في المعاملة)، والعنف المتصل بالمهر(أي عقد قران الفتاة مقابل مبلغ من المال)، والاغتصاب في إطار الزوجية(أي مجامعة الزوج لزوجته بدون رضاها)، وبتر الأعضاء التناسلية للإناث(أي ختان الإناث). وغيره من الممارسات التقليدية المؤذية للمرأة، والعنف خارج نطاق الزوجية، والعنف المتصل بالاستغلال".
ويدخل في العنف الأسري أيضاً عملية الإنجاب المتواصل, وعدم تحديد النسل, وارتفاع معدل الإنجاب, والزواج المبكر، على اعتبار أن في هذا الفعل "إكراه على الزواج يحرم الطفلة من حقوقها في التعليم ويحمّلها أعباءً نفسية واجتماعية وصحية، ويصيبها أو يحتمل أن يصيبها بسببه ضرر نفسي أو صحي أو جنسي"
إن هذا التوسع في تعريف العنف الأسري الذي تطالب الأمم المتحدة بتطبيقه لم يراع اختلاف الثقافات والبيئات، كما لم يراعِ خصوصيات المجتمعات والأفراد، ومن بينها المجتمعات الإسلامية التي لا تعتبر العلاقة الجنسية بين الزوج والزوجة, دون رضا الزوجة, نوعاً من العنف الجنسي.
فالزوجة مأمورة وفق الشرع الإسلامي بإطاعة زوجها إذا دعاها في أي وقت من الأوقات، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا دعا الرجل زوجته لحاجته فلتأته وإن كانت على التنور).
إن التساؤلات التي يمكن أن تطرح في قضية " العنف ضد المرأة " عديدة، ولعل أبرزها ذلك التساؤل الذي يدور حول الهدف من إثارة قضية العنف ضد المرأة في المجتمعات الإسلامية اليوم مع وجود قضايا أخرى لا تقل عنها أهمية. وللإجابة على هذا التساؤل يمكن ذكر بعض هذه الأهداف التي تتعلق بالناحية
الشرعية بشكل خاص والتي من بينها :
1- السعي لإبطال الأحكام الشرعية المحفوظة في الكتاب والسنة، وهذا العمل يقوم به فريقان ، فريق يهدف إلى الإثبات بأن الدين الإسلامي هو دين إرهابي يدعو إلى العنف في كل تعاليمه بما فيها تلك المتعلقة بالمرأة. وفريق آخر يدعو إلى فتح باب الاجتهاد من جديد والنظر إلى النصوص الثابتة نظرة تاريخية تتماشى مع النظرة المعاصرة للمرأة التي يسعى العالم الغربي لإقرارها وفق مؤتمرات الأمم المتحدة .
2- العمل على رفض فكرة القوامة التي يدعو إليها الإسلام والتي تفرض على الرجل أن يكون هو المسؤول عن بيته وأسرته، ومن بين هذه الأسرة المرأة الزوجة والأم والبنت . وهذا الرفض لمبدأ القوامة يأتي بهدف تفكيك الأسرة المسلمة التي ما زالت الحصن الأخير والقوي الذي يقف في وجه المخططات العالمية الهادفة إلى انحلال المجتمع المسلم.
3- العمل على سحب الامتيازات التي منحها الإسلام للرجل.ومن بينها الحق في تعدد الزوجات والطلاق والنفقة والعدة والطاعة, وما إلى ذلك من أمور ميّز الإسلام بها الرجل عن المرأة على سبيل التكليف وليس التشريف كما يرى البعض.
ما ورد سابقا كان مقدمة مهمة لتعريف القارئ ببعض جوانب القضية دون ان يكون الهدف من ورائه إنكار أو رفض وجود العنف في المجتمعات الإسلامية، ولكن الاعتراف بوجود تلك الظاهرة لا يعني أبدا وجود ربط بينها وبين الدين، بل على العكس من ذلك فإن ظهورها وانتشارها إنما هو بالدرجة الأولى دليل على ابتعاد المسلمين عن أحكام الدين الإسلامي الذي كرم المرأة ورفع من شأنها منذ أكثر من ألف و أربعمائة سنة .
ضرب الزوجة في الإسلام :
حرص الإسلام على كرامة المرأة زوجةً كما حرص عليها بنتاً. لهذا شدد رسول الله صلى الله عليه وسلم على حماية الزوجة وحسن معاملتها في بيت زوجها ، وقد تجلى هذا التكريم في أمور عدة ، منها :
1- جعل الزوجة الصالحة من أسباب السعادة في الحياة الدنيا ، فقد ورد عن رسول الله عليه الصلاة والسلام قوله : " ثلاثة من السعادة ، وثلاثة من الشقاء ، فمن السعادة المرأة الصالحة تراها فتعجبك وتغيب عنها فتأمنها على نفسها ومالك".
2- الحرص على ترك الحرية التامة للمرأة في اختيار الزوج التي تحب ويميل معه هواها ، ولم يرغمها أن تخضع للعيش مع من لا تحب وتهوى ، وهذا أمر شدد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قال : " لا تنكح الثيِّب حتى تستأمر ، ولا تنكح البكر حتى تستأذن ، وإذنها صماتها"
3- الوصية بحسن معاملة الأزواج لزوجاتهم بحيث تكون العلاقة بينهم علاقة مودة ورحمة وليست علاقة استبداد وظلم ، قال عليه الصلاة والسلام مبيناً هذا المعنى: "خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي " .
فمفهوم الطاعة التي فرضها الإسلام على الزوجة ليست " طاعة خنوع أو نزول عن مستوى الإنسانية كما يزعم بعض دعاة التحرر ، كما أنها ليست بالنسبة للرجل قوامة استبداد وظلم وإنما هي علاقة تكامل يشوبها العطف والمودة تنفيذاً لقول الله تعالى : {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }الروم21 .
كما أن هذه الطاعة محصورة بما يرضي الله ورسوله عملاً بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق " .
يتبين مما سبق مدى تكريم الإسلام للزوجة والمكانة التي أعطاها إياها ، فهو لم يكتف بالرفع من شأنها بل إنه نهى عن الإساءة إليها وإهانتها وسوء معاملتها. ومن الأحاديث التي جاءت بهذا النهي قول رسول عليه الصلاة والسلام: (ما أكرمهن إلا كريم وما أهانهن إلا لئيم). وقوله أيضا: ( لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد، ثم يجامعها في آخر اليوم) .
كل هذا التكريم الذي منحه الإسلام للمرأة تجاهله كثير من المسلمين الذين احتموا بإباحة الإسلام للضرب الخفيف في الحالات القصوى,حتى يمارسوا عنفهم غير المشروع ضد زوجاتهم .
من هنا تأتي أهمية دراسة الأسباب التي تدفع بالزوج إلى ضرب زوجته, وشرح العوامل التي تدفع ببعض الزوجات إلى الرضا بالعنف الموجه إليهن, مع قدرتهن في كثير من الأحيان على التخلص منه.
أولا: أسباب ضرب الزوج لزوجته :
1- أسباب تتعلق بالزوج:
تتعدد الأسباب التي تدفع بالزوج إلى توجيه الضرب ضد زوجته، منها الأسباب التالية:
1- الاعتقادات الخاطئة لدى الزوج والتي تجعله يؤمن بمشروعية الضرب استناداً لقول الله تعالى : {وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً }النساء34. إن هذه الآية التي يتخذها البعض حجة تبرِّر ضربهم لزوجاتهم ، ويَنْسَون مرحلتي العِظة والهجر ، آية مشروطة بالضرب غير المبرِّح ، وقد "فسر المفسرون الضرب غير المبرِّح بأنه ضرب غير شديد ولا شاق ، ولا يكون الضرب كذلك إلا إذا كان خفيفاً وبآلة خفيفة ، كالسواك ونحوه " .
أما إذا كان الضرب ضرباً مؤذياً فإن هذا الأمر "مرفوض وغير مقبول شرعاً ، بل هو من التجاوزات التي يُعَزِّر عليها الشارعُ، ويكون للمرأة بسببها طلب التفريق من الزوج قضاءً ، وإذا ثَبُت ذلك في المحاكم أرغم القاضي الزوجَ المسرفَ على طلاق زوجته ، وإن لم يطلقها طلقها القاضي ، وفرّق بينه وبينها بحكمه " .
2- التربية الخاطئة التي يتلقاها الزوج من بيئته ومجتمعه وأسرته والتي تصور له فعل الضرب وكأنه أمر طبيعي يحصل في كل بيت وداخل كل أسرة. وقد يكون الزوج قد تربى في أسرة يضرب فيها الأب زوجته وأولاده، مما يجعل هذا الأمر ينطبع في ذهنية الابن منذ الطفولة، ويجعله أكثر عرضة لممارسة هذا العنف في المستقبل.
ومن التصورات الذهنية الخاطئة العائدة إلى سوء التربية, ذلك الاعتقاد بأن في ضرب الزوجة إصلاحاً لها، أو أن ضرب الزوجة يرتبط بإثبات الرجولة و فرض الهيبة، وان استخدام الضرب سيجعل المرأة أكثر طاعة للزوج وتنفيذا لأوامره . 3- تفريغ الانفعالات التي يشعر بها الزوج في حياته اليومية مثل الغضب والضغط الذي يلاقيه في المجتمع وخاصة من رؤساء العمل ، والغيرة التي هي انفعال مركب من حب التملك والشعور بالغضب. وتعاني كثير من النساء مما يعرف بغيرة الزوج العمياء التي يراها هو دليل محبة بينما هي تراها دليل على شك وعدم ثقة.
4- المشاكل والهموم التي تحيط بالزوج. ومن هذه المشاكل الاضطرابات النفسية والسلوكية التي تفقد الزوج عقله وتخرجه عن طوعه . ومنها أيضا المشاكل الاقتصادية من بطالة وفقر وديون وما إلى ذلك من أمور تزيد من الضغوطات النفسية على الزوج وتزيد من شعوره بالعجز والضعف. والمثل يقول:" إذا دخل الفقر من الباب خرج الحب من الشباك". ومنها أخيرا المشاكل الاجتماعية والانحرافات الأخلاقية التي تؤجج الخلافات الزوجية وتؤدي إلى لجوء الزوج إلى العنف كوسيلة من وسائل إثبات الذات وتحقيق الرضا.
5- التأثر بما تعرضه وسائل الإعلام من مشاهد تشجع على العنف، ومن ذلك مشاهدة الأفلام الإباحية التي تدفع الزوج إلى تطبيق ما رأى على زوجته، أو مشاهدة أفلام العنف والقتل والخطف والاغتصاب، بل وحتى مشاهدة البرامج والمسلسلات التلفزيونية التي تتعرض لقضايا العنف. وأخيرا لا ننسى دور الفتاوى التي تظهر عبر بعض الفضائيات والتي يمكن أن يتخذها البعض حجة في استباحة ممارسة العنف على زوجاتهم.
2- أسباب تتعلق بالزوجة
ينظر كثير من الناس إلى قضية ضرب الزوجات الذي أباحه الشرع الإسلامي، بالشروط التي وردت سابقا، على أنه دليل واضح على ظلم الإسلام للمرأة وتفضيل الرجل عليها، مركزين بذلك على حقوق المرأة و متناسين واجباتها التي لجهل المرأة بها دور كبير في تضاعف احتمال تعرضها للعنف، إضافة إلى ذلك تساهم بعض الاعتقادات الخاطئة والتصرفات السيئة التي تؤمن بها الزوجة أو تقوم بها إلى تعرضها للضرب من قبل الزوج، ومن هذه الاعتقادات والتصرفات نذكر ما يلي:
1- الجهل بالأحكام الشرعية التي لا تقتصر في الإسلام على مقتضيات العبادات من صوم وصلاة وزكاة، بل تشمل أيضا المعرفة بحقوق الزوج والتي من بينها: الطاعة، وحفظ المال والعرض والأولاد، والاعتراف بالفضل، وتلبية حاجات الزوج الجنسية ما لم يوجد مانع شرعي مثل الحيض والإحرام والصوم أو أي مانع آخر مثل المرض أو التعب والإرهاق و ما إلى ذلك من ظروف نفسية صعبة تستوجب من الزوج التلطف في طلب حاجته، ومراعاة مقدمات الجماع التي تحدث عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: " لا يقعن أحدكم على امرأته كما تقع البهيمة، وليكن بينهما رسول، قيل: ما الرسول يا رسول الله؟ قال: القبلة والكلام". ويذكر أن تمنّع المرأة عن زوجها في هذا العصر يختلف قليلاً عما سبق خاصة عند المرأة العاملة بوجه خاص التي تعاني من ظاهرة اليوم المزدوج داخل البيت وخارجه ، الأمر الذي زاد من تعرضها للضغوط النفسية وأثقل قدرتها الجسدية ، مما جعلها تمتنع عن زوجها في كثير من الأحيان تحت تأثير التعب والإرهاق .
ومن الأمور التي ينبغي على المرأة مراعاتها في الشرع حتى تجنب نفسها العنف الواقع عليها ، حسن اختيار الزوج والذي أثبتت الدارسات أنه يؤدي إلى التوافق الوجداني والجنسي بين الزوجين، كما يؤدي إلى حصول الثقة والاحترام المتبادلين بين الزوجين، الأمر الذي يؤدي بالزوجة إلى عدم استفزاز زوجها بالشكل الذي يؤدي به إلى ممارسة العنف ضدها.
2- استهانة الزوجة بزوجها والتقليل من شأنه ومجادلته وتحقير أفكاره وانتقاد تصرفاته, وخاصة أمام الناس, مما يثير سخرية الحاضرين من جهة ويؤدي إلى إحساس الزوج بالدونية من جهة أخرى، ويدفعه إلى الانتقام من زوجته بشكل عنيف في محاولة منه لرد الإذلال واسترداد الكرامة المهانة .
3- المعتقدات الشاذة للزوجة التي تعتقد أنها بمعاندتها لزوجها تثبت ذاتيتها واستقلاليتها، وذلك تطبيقاً للنظريات التحررية التي ينادي بها فريق من الناس وخاصة النساء.
هذا النوع من المعتقدات والأفكار قد يثير حفيظة الزوج ضد زوجته في محاولة منه للرد على مزاعمها بشكل عملي. مثال على ذلك: المبالغة في تطبيق فكرة تحرير المرأة التي زُرعت في عقول بعض النساء فتأثرن بها وحاولن تطبيقها داخل أسرهن ، فأصبحن بذلك أكثر عرضة لمواقف عنف من قبل أزواج لا يؤمنون بهذه النظريات.
ومهما كانت الأسباب التي تؤدي إلى ضرب الزوج لزوجته، فإن من المفيد التذكير بأن أي سبب من هذه الأسباب لا يمكن أن يبيح للزوج الحق في ضرب زوجته، فأاساس العلاقة الزوجية مبني على السكينة المودة وليس على العنف والتجريح، فإذا فقدت هذه المودة فقد البيت أساسه وبنيانه ، وأصبح آيلا للسقوط، وقد ورد في سنن النسائي "أن ثابت بن قيس بن شماس رضي الله عنه ضرب امرأته، فكسر يدها، -وهي جميلة بنت عبد الله بن أبي-، فأتى أخوها يشتكيه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ثابت، فقال له: "خذ الذي لها عليك، وخلِّ سبيلها"، قال: نعم، فأمر بها رسول الله صلى الله عليه
وسلم أن تتربص حيضة واحدة، وتلحق بأهلها".
ثانيا: العوامل التي تدفع الزوجة إلى السكوت عن الضرب:
إن العوامل التي تدفع بالمرأة إلى السكوت عن الظلم الواقع عليها من قبل زوجها متنوعة، منها ما هو نفسي ومنها ما هو اجتماعي أو اقتصادي. ومن هذه العوامل :
1- الاعتقاد الخاطئ بأن الضرب مرتبط بالحب. وهذا التفسير تؤمن به بعض النساء اللواتي يعتقدن بأن أزواجهن يضربهن؛ لأنهم يحبونهن!!
وقد ذكرت صحيفة الخليج خبر موت إحدى النساء في موريتانيا نتيجة ضرب زوجها لها... وقد علقت الصحيفة على هذا الخبر بالقول أن "الإفريقيات في هذه المنطقة يتباهين فخرا بأنهن يتعرضن أكثر للضرب. وكثيرا ما تأتي إحداهن إلى أبيها أو أمها شاكية من زوجها أنه لم يضربها على خطأ ارتكبته لأن معنى ذلك أنه لا يحبها".
2- مشاعر الخوف المتنوعة التي تشعر بها الزوجة. ومن هذه المخاوف الخوف على أطفالها من عنف والدهم، لذلك فيه تفضل تلقي الضرب عنهم، وكذلك الخوف من الوصول إلى الطلاق وما ينتج عنه من نظرات شك وريبة توجه عادة إلى المطلقة . ومنها أيضا الخوف من التعرض لردود فعل انتقامية إذا طلبت الطلاق من الزوج المتسلط القوي .
وأخيرا الخوف من المجهول لعدم وجود بديل للزوج تعتمد عليه المرأة ماديا ، مما يجعلها تصبر وتتحمل العنف مفضلة ظلم الزوج على ظلم الإخوة والأهل أو بعض الأقارب . والمثل الذي ينطبق على هذه الحالة يقول" ظل راجل ولا ظل حيطة". 3- حب الزوجة لزوجها حباً يدفعها إلى الصبر والتحمل بهدف إصلاحه وتعديل تصرفاته . " ففي دراسة أجريت على 52 زوجة تبين أن 70 % منهن ضربن بعد السنة الأولى من الزواج ، إلا أنهن لم يبدأن في التقدم بشكاوى إلى الهيئات الرسمية إلا بعد 12 سنة ، أي بعد أن شعرت باليأس من العلاج من جهة، أو بعد أن اشتد عنفه بصورة لا تأمن فيها على حياتها ، أو لشعورها بوجود مزايا أخرى في الزوج تزيد من تحملها لمساوئه ، وخاصة حين يمارس عنفه ضدها بصورة دورية ، حيث ثمة فاصل زمني متسع بين المرتين من الضرب ، يتمكن الزوج أثناءه من تقديم العديد من الخدمات والمغريات للزوجة على نحو يسمح بتبديد المشاعر المنفرة منه " .
4- إلقاء الزوجة اللوم على نفسها وسعيها لإيجاد المبررات التخفيفية للزوج، كقولها بأنه طيب وكريم لكنها استفزته وشجعته على ضربها والاعتداء عليها . ومما يساهم في تأجيج مشاعر اللوم هذه موقف المجتمع بشكل عام، والأهل بشكل خاص الذين يحملون المرأة مسؤولية ما يقع عليها من عنف دون النظر إلى مسبباته.
ويؤيد هذا الموضوع ذلك المسح الذي أجراه المجلس الوطني لشؤون الأسرة في الأردن وقد جاء فيه أن نسبة كبيرة من النساء الأردنيات يؤيدن ضرب الرجال لزوجاتهم. وقد قدمت النساء مبررات للضرب من بينها" مخالفتها لأوامره, أو غياب الزوجة عن المنزل, أو حرق الطعام, أو الدخول في نقاش مع الزوج, أو عدم احترام فرد من أفراد عائلة الزوج" .
5- فقدان الزوجة للجهة التي تحميها وتساعدها على حل مشكلتها وهذه الجهة قد تكون عائلية أو قانونية أو شرعية. فالمحكمة القضائية مثلا تحتاج من أجل إثبات فعل العنف إلى شهادة الشهود وإلى الكشف الطبي وما إلى ذلك من بينات قد تعجز المرأة عن إيجادها خاصة أن فعل العنف لا يتم في الغالب أمام الناس.
أخيرا: فإن تعرض الزوجة للعنف من قبل زوجها يستوجب منها الوقوف وقفة مع النفس من أجل حسم خياراتها. فإذا رغبت بإنقاذ زواجها فذلك يستوجب منها الجلوس مع زوجها جلسة مصارحة، والعمل معه لإنجاح زواجهما وهذا يكون بتوفر العوامل التالية:
أ- أن تتوفر لدى الزوج رغبة شديدة في التوقف عن ممارسة العنف ، وأن يقتنع بان العنف أصبح مصدر ضرر له ولعائلته .
ب- أن يتوفر لدى الزوجة الرغبة والأمل في إيجاد الحلول المناسبة لمشكلتها . ذلك أن استسلامها للعنف فترة طويلة من الزمن يجعلها تستسلم لقدَرِها وتيأس من وجود طريقٍ يمكن أن يعينها للخلاص مما هي فيه .
ومن وسائل العلاج المفيدة في مثل هذه الحالة أسلوب الإيحاء الذاتي. وهو يقوم على تغيير طريقة التفكير واستبدال العبارات السلبية بأخرى ايجابية، فيستبدل الزوج فكرة " يجب أن تسمع الزوجة كلامي ", بفكرة " سيزول تأثير عنفي مع زوجتي سريعا بينما الكراهية الناتجة عنه بيننا ستدوم طويلا " . وكذلك تستبدل الزوجة فكرة " إن قاومته سيضربني بشدة " بعبارة "إن واجهته مرة لن يكررها ثانية ".
والحل الثاني يستوجب من المرأة خيارا شجاعا وجريئا بطلب الطلاق وإنقاذ نفسها وإنقاذ عائلتها . فصمتها الذي تعتبره خدمة لأبنائها وحفاظا على أسرتها قد ينقلب عليها وعلى صحة أطفالها النفسية والعقلية ، إذ إنه سيجعل الأولاد يتقبلون مع الوقت فكرة الضرب. وقد يبادرون هم أيضا لضرب أمهم أو ضرب زوجاتهم في المستقبل. ويمكن أن تظهر عليهم الأمراض النفسية الخطيرة وعلى رأسها الخوف والقلق وفقدان الإحساس بالأمان.
وفي الختام لا بد من التذكير بأن قضية ضرب الزوجة التي تأخذ كثيرا من الأخذ والرد في هذه الأيام تقع بين أمرين كلاهما مر، الأمر الأول هو الدعوات التحررية التي بالغت في توسيع مفهوم العنف ضد المرأة بشكل لا ينسجم مع مفهوم الإسلام للعلاقات الزوجية, والأمر الثاني هو الممارسات الشاذة لبعض أبناء الإسلام الذين أساءوا فهم وتطبيق بعض النصوص الدينية، فأخذوا من النصوص ما يتناسب مع أهواءهم وأهملوا تلك التي لا ترضي طموحاتهم، وبذلك تناسى هؤلاء قوله تعالى {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ }البقرة229 واكتفوا بقول الله عز وجل {اضْرِبُوهُنَّ }النساء34 والتي ذكرها الله سبحانه وتعالى ضمن سلسلة من
الإصلاحات تبدأ بالوعظ والإرشاد وتنتهي بآخر دواء وهو الكي.