بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
أيها الإخوة الكرام ، مع درس جديد من دروس فقه السيرة النبوية ، ننتقل اليوم إلى فحوى الدعوة الإسلامية في مكة المكرمة ، وردود الفعل التي نتجت عن هؤلاء الذين كان النبي صلى الله عليه وسلم بين ظهرانيهم .
أيها الإخوة ، هذا الدين الإسلامي الذي من وحي السماء ، لو أردنا أن نلخصه بكلمة واحدة نقول : توحيد ، إله واحد ، هو الذي خلق الأكوان ، هو الذي رب العالمين ، هو المسير ، هو الفعال ، هو الرزاق ، هو المحي ، هو المميت ، هو الممد ، هو الباسط ، هو القابض ، هو المعز ، هو المذل ، هو المعطي ، هو المانع ، هو المغني ، هو المفقر ، هو الذي يمنح الصحة ، هو الممرض ، حينما تؤمن أن كل شيء بيد الله تكون قد عرفت حقيقة هذ الدين ، هذا الدين دين التوحيد ، نزل في بيئة تعبد أصناماً متعددة ، أصناماً من صنع البشر .
( سورة الصافات ) .
مرةً عبدوا صنماً من تمر ، فلما جاعوا أكلوه ، في هذه البيئة التي تقوم على عبادة الأصنام ، وهي أحجار لا تنفع ولا تضر ، ولا تميت ولا تحيي ، نزلت آيات القرآن الكريم ، لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، الله عز وجل ينبغي أن يعبد وحده ، وينبغي ألا يعبد معه إله آخر ، إن كان ظاهراً ، وإن كان باطناً ، الوحدانية المطلقة هي القضية الأساسية التي قامت عليها دعوة الأنبياء ، هذا الدين دين التوحيد ، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد .
بل إن فحوى دعوة الأنبياء جميعاً هو التوحيد .
( سورة الأنبياء ) .
أيها الإخوة ، الخوف من ضعف التوحيد ، القلق من ضعف التوحيد ، النفاق من ضعف التوحيد المعصية من أجل الرزق من ضعف التوحيد ، الأمراض النفسية على كثرتها من ضعف التوحيد .
أيها الإخوة ، لو أن طفلاً ارتفعت حرارته ، وأخذناه إلى طبيب أعطاه خافضًاللحرارة ، نقول : ليس هذا بالطبيب ، لأن ارتفاع الحرارة عرض من أعراض مرض التهابي إنتاني ، فما لم يعالج أصل المرض فلا يعد هذا الطبيب طبيباً ، مشكلات العالم الإسلامي اليوم لا تعد ولا تحصى ، يتوهمها بعضهم أمراضًا اجتماعية ، والحقيقة هي ليست أمراضًا اجتماعية ، هي في مجموعها أعراض لمرض واحد ، إنه البعد عن الله ، وضعف التوحيد ، لماذا يعصي الإنسان الله من أجل الرزق ؟ لأن توحيده ضعيف ، لأنه رأى أن الرزق بيد فلان ، لماذا يزل الإنسان ؟ من ضعف التوحيد ، لماذا ينافق ؟ من ضعف التوحيد ، لماذا ينخلع قلبه خوفاً ؟ من ضعف التوحيد ، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد .
لذلك لو تتبعتم آيات القرآن الكريم ، وقد لخص الله دعوة كل نبي على حدة :
( سورة المؤمنون الآية : 32 ) .
أيها الإخوة ، قريش تعبد اللات والعزى ، تعبد آلهة منتصبة في الحرم المكي ، والكعبة من آثار سيدنا إبراهيم ، عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام ، فقوم يعبدون آلهة لا تقدم ، ولا تؤخر ، ولا تنفعهم ، ولا تضرهم ، ولا ترزقهم ، ولا تحييهم ، ولا تميتهم ، والإنسان أيها الإخوة لا يليق به أن يكون لغير الله ، الجماد للنبات ، والنبات للحيوان ، والحيوان للإنسان ، لكن الإنسان لله وحده ، عبدي خلقت لك ما في السماوات والأرض ، ولم أعيَ بخلقهن ، أفيعيني رغيف أسوقه لك كل حين ؟ لي عليك فريضة ، ولك علي رزق ، فإذا خالفتني في فريضتي لم أخالفك في رزقك ، وعزتي وجلالي إن لم ترضَ بما قسمته لك فلأسلطن عليك الدنيا تركض فيها ركض الوحش في البرية ، ثم لا ينالك منها إلا ما قسمته لك ولا أبالي ، وكنت عندي مذموماً ، أنت تريد ، وأنا أريد ، فإذا سلمت لي فيما أريد كفيتك ما تريد ، وإن لم تسلمي فيما أريد أتعبتك فيما تريد ، ثم لا يكون إلا ما أريد .
كإسقاط على حياتنا اليومية ، لا يمكن أن تسعد إلا إذا كنت موحداً ، لا يمكن أن تكون عزيزاً إلا إذا كنت موحداً ، لا يمكن أن تكون جريئاً إلا إذا كنت موحداً ، لا يمكن أن تشعر بقيمتك الإنسانية إلا إذا كنت موحداً ، لما الحسن البصري قام بمهمة العلماء التي أوكلت إليهم ، وهي التبيين ، والذي قاله في الحجاج وصل إليه ، فقال لجلسائه : يا جبناء ، والله لأروينكم من دم ، وأمر أن يؤتى به ليقطع رأسه ، وجيء بالسياف ، ومد النطع ، وأرسل الجنود ليأتوا بالحسن البصري ، وهو جالس يتميز غضباً ، دخل الحسن البصري ، فرأى السياف والنطع ، وعرف القصة كلها ، جاء ليقطع رأسه ، وتوجه إلى الله الذي بيده كل شيء قال : يا مؤنسي في وحشتي ، يا ملاذي عند كربتي ، اجعل نقمته علي برداً وسلاماً كما جعلت النار برداً وسلاماً على إبراهيم ، ودخل فإذا بالحجاج يقول له : يا أبا سعيد ، تعال إلى هنا ، وما زال يقربه حتى أجلسه إلى جانبه على السرير ، وسأله بعض الأسئلة ، وكانت له هيبة العالم ، ومكانة الداعية ، وسأله بعض الأسئلة ، وطيبه بطيب ، وودعه إلى باب القصر ، وقال : يا أبا سعيد ، أنت سيد العلماء ، ما الذي حصل ؟
الآن أيها الإخوة ، أضع بين أيديكم حقيقة خطيرة ، ما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم : (( قلب العبد بين إصبعين من أصابع الرحمن )) .
[أخرجه مسلم من حديث عبد الله بن عمرو ] .
لماذا يصف النبي أن قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن ؟ من أجل أن تطمئن ، هذا تخافه قلبه بيد الله ، هذا الذي تخشى أن يبطش بك قلبه بيد الله ، هذا الذي تخافه أن يمنعك قلبه بيد الله ، لذلك أن تكون قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن من أجل أن تكون في اطمئنان .
( سورة طه ) .
فرعون الذي قال :
( سورة النازعات ) .
( سورة القصص الآية : 38 ) .
بكل جبروته وقوته ، وبكل وزنه ، وبكل ظلمه ما استطاع أن يقنع امرأته أن تعبده من دون الله ، لمَ لم يقتلها ؟ ما الذي منعه ؟ مع أن قتل الإنسان سهل عليه ، الأمور بيد الله كلمة الحق لا تقطع رزقاً ولا تقرب أجلاً .
أيها الإخوة ، أنا مضطر أن أقول هذه الحقيقة : التوحيد كفكرة واضح ، التوحيد كفكرة من السهل أن تستوعبها ، ولكن أن تعيش التوحيد هذا شيء كبير ، أن تعيش التوحيد ، ألا ترى مع الله أحداً ، أن ترى أن يد الله وحدها تعمل في كل شيء ، أن ترى :
( سورة الفتح الآية : 10 ) .
أن ترى :
( سورة آل عمران الآية : 128 ) .
( سورة الكهف ) .
( سورة هود الآية : 123 ) .
( سورة فاطر ) .
( سورة محمد الآية : 19 ) .
( سورة الزخرف الآية : 84 ) .
صدقوا أيها الإخوة ، 95 % من المسلمين لا يرون أن الأمر بيد الله ، يرون بيد زيد أو عبيد أو فلان ، أو علان ، وفلان بإمكانه أن يعطي ، أو أن يمنع ، أن يقرب ، أو أن يبعد ، أو أن يرفع ، أو أن يخفض ، لذلك الناس على أنهم مسلمون يعبدون آلهة من دون الله بشكل غير مباشر ، وهذا معنى أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول : (( إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الخفي ، أما إني لست أقول : إنكم تعبدون صنماً ولا حجراً ، ولكن شهوة خفية وأعمال لغير الله ) .
(ورد في الأثر)
يقول الإمام علي رضي الله عنه : " الشرك أخفى من دبيب النملة السمراء ، على الصخرة الصماء ، في الليلة الظلماء " .
نملة سمراء تمشي على صخرة صماء ، في ليلة ظلماء ، هل لها صوت ؟ الشرك أخفى من دبيب النملة السمراء ، على الصخرة الصماء ، في الليلة الظلماء ، أدناه أن تحب على جور ، لك قريب غني ، وهو ظالم ، لكنك تحبه ، لأنك إذا زرته قدم لك الهدايا الثمينة ، وإن دعاك إلى بيته أطعمك أطيب الطعام ، وإن رافقته في نزهة أنفق عليك المال الكثير ، تحبه مع أنه ظالم ، هذا شرك ، وأدناه أيضاً أن تبغض على عدل ، إنسان نصحك بكل أدب فتبغضه ، كيف تجرأ عليك ، هذا من الشرك .
بلد وقوم يعبدون الأصنام ، وآلهة عديدون ، فيأتي نبي كريم ويقول : إن هم إلا أوهام في أوهام ، وليس إلا الله الواحد الديان ، لا إله إلا الله ، هذا أول شيء ، والحديث عن التوحيد والله لا ينتهي ، الحديث عن التوحيد هو الدين ، لكن هذا ملخص .
لذلك أقول كلمة أيها الإخوة : ليس إلا الله ، مهما تعمق الإنسان فيها لا ينتهي ، هناك أشخاص مخيفون في الحياة ، هناك أسلحة فتاكة ، وأمراض عضالة ، وفيروسات قاتلة .
( سورة الفلق ) .
لكن كل هذه التي خلقها الله ـ دقق ـ :
( سورة الزمر ) .
بيده ، إن أراد وصلت إليك ، وإن أراد أبعدها عنك ، علاقتك معه ، وليست مع الأشياء المخيفة .
أيها الإخوة ، كلما تعمقت في التوحيد امتلأ قلبك أمناً :
( سورة الأنعام ) .
كلما تعمقت في التوحيد توكلت على الله ، كلما تعمقت في التوحيد رضيت نفسك ، كلما تعمقت بالتوحيد ازدادت عزتك ، (( اطلبوا الحوائج بعزة الأنفس ؛ فإن الأمور تجري بالمقادير )) .
[ أخرجه تمام وابن عساكر عن عبد الله بن بسر ] .
أيها الإخوة ، هؤلاء دهشوا ، وصعقوا لهذه الدعوة التوحيدية ، عندهم آلهة كثيرون ، فإذا فحوى دعوة النبي أن الإله واحد ، هم يعتقدون أن هذه الحياة :
( سورة المؤمنون الآية : 37 ) .
ليس ثمة غيرها :
فإذا بهذا النبي الكريم يقول : لا ، هناك حياة أخرى ، حياة أبدية .
والله أيها الإخوة ، لو أغفلنا الدار الآخرة لتفجر مليون سؤال ، لماذا فلان غني وفلان فقير ؟ فلان صنبور مائه بثمن بيت ، هناك صنبور من الذهب الخالص ، صنبور بثمن بيت ، لماذا فلان بيته أربعمئة متر ، وفلان لا يجد غرفة في رأس الجبل يتزوج فيها ؟ لو ليس هناك آخرة يقفز إلى الذهن مليون سؤال ، لماذا إنسان يأمر بقتل شعوب بأكملها ، ويتصدر في المجالس ، ويتبجح ويتغطرس ، وأناس يموتون قهراً ؟ إذا ليس هناك آخرة ، يتفجر مليون سؤال .
فلذلك ، ما من ركنين من أركان الإيمان تلازما في القرآن الكريم كركني التوحيد واليوم الآخر ، في اليوم الآخر تسوى الحسابات ، في اليوم الآخر يؤخذ للمظلوم من الظالم ، وللمغتصب ماله من المغتصب ، في اليوم الآخر يؤخذ كل ذي حق حقه .
فلذلك لم يصدقوا ، ﴿ إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا ﴾ .
( سورة المؤمنون ) .
فإذا بهذا النبي الكريم يقول : لا ، الحياة الآخرة هي الحياة الحقيقية ، الحياة الآخرة هي الحياة الأبدية ، الحياة الآخرة فيها ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، الحياة الآخرة أساسها التكريم .
( سورة ق ) .
الحياة الآخرة ليس فيها تعب ولا نصب ، ولا فقر ولا مرض ، ولا زوجة سيئة ولا ولد عاق ، ولا جار مزعج ، ولا إنسان ظالم ، ولا مرض ، الحياة الآخرة نعيم مقيم .
(( أعددت لعبادي الصالحين ـ دققوا ـ ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر )) .
[ أخرجه البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجة وأحمد في مسنده عن أبي هريرة ] .
دائرة المرئيات محدودة ، لعلك زرت بضع مدن في العالم ، لكن دائرة المسموعات ، تستمع في الأخبار إلى مئتي مدينة ، أما دائرة الخواطر فلا تنتهي ، أي شيء واقع أو غير واقع خاطر ، (( أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر )) .
النبي عليه الصلاة والسلام كان يستخدم أسلوب التصوير ، كيف يبين الفرق بين الدنيا والآخرة ، كيف ؟ اذهب إلى مدينة الساحل ، ولتكن اللاذقية ، واركب قارباً ، وأمسك بإبرة ، وغمسها في الماء ، واسحبها بما رجعت بماء البحر قال عليه الصلاة والسلام : (( ما أخذت الدنيا من الآخرة إلا كما أخذ المخيط غرس في البحر من مائه )) .
[ رواه الطبراني عن المستور ] .
حينما يقول الله لكم وهو خالق الأكوان :
( سورة النساء الآية : 77 ) .
( سورة الإنسان ) .
( سورة الضحى ) .
أيها الإخوة ، الفكرة الأساسية الثانية في هذه الدعوة التي نزلت في مكة أن هناك يوماً آخر تسوى فيه الحسابات ، يؤخذ للمظلوم من الظالم .
أحد الأشخاص كان صالحاً ، قال له أحدهم : لقد اغتبتني ، قال له : ومن أنت حتى أغتابك ؟ لو مغتاباً أحداً لاغتبت أبي وأمي ، لأنهما أولى بحسناتي منك .
أنت حينما تعلم أن هذا الذي تغتابه سيأخذ حسناتك يوم القيامة ، فضلاً عن وحدانية الإله الإيمان باليوم الآخر ، تلقوا ضربتين ، هذه الأصنام لا أصل لها ، وهذه الحياة الدنيا لا قيمة لها ، كما قال سيدنا علي : " فلينظر ناظر بعقله أن الله أكرم محمداً أم أهانه حين زوى عنه الدنيا " ، سيدنا محمد ما رأى أوربة ، ما رأى أمريكة ، ما رأى هذه المدن الجميلة ، ما رأى هذه الحضارة المادية الرائعة ، حياته خشنة جداً ، غرفته لا تتسع لنوم زوجته وصلاته ، فكان إذا أراد أن يصلي يجب أن تزيح زوجته جسمها عن مصلاه ، فلينظر ناظر بعقله أن الله أكرم محمداً أم أهانه حين زوى عنه الدنيا ، فإن قال : أهانه فقد كذب ، وإن قال : أكرمه فلقد أهان غيره حيث أعطاه الدنيا ، الله أعطى الدنيا لمن لا يحب ، أعطاها لقارون ، أعطاها لفرعون ، أما الذي يحبهم ماذا أعطاهم ؟ قال :
( سورة القصص ) .
إخوانا الكرام ، هناك آية لا أعرف مدى تأثركم بها ، كنت أمهد لها بتمهيد بسيط ، أن طفلا قال لك : معي مبلغ عظيم ، يعني 200 ليرة ، موظف بالبنتاغون قال : نحن أعددنا لحرب العراق مبلغاً عظيماً ، يعني 200 ، لكن ليس ليرة سورية ، 200 مليار دولار ، كلمة عظيم نفسها قالها طفل ، فقدرتها بـ 200 ليرة ، وقالها مسؤول كبير بالبنتاغون فقدرتها بـ 200 مليار ، فإذا قال ملك الملوك ، فإذا قال خالق السماوات والأرض :
( سورة النساء ) .
الكسب الحقيقي أن تعرف الله ، " ابن آدم اطلبني تجدني ، فإذا وجدتني وجدت كل شيء ، وإن فتك فاتك كل شيء ، وأنا أحب إليك من كل شيء " .
مرحلة ثالثة ، الإله واحد ، وهناك يوم آخر ، الثالثة ما فيها قيد ولا شرط ، حياة أهل قريش ، ما فيها قيد أو شرط في حياة أهل مكة ، لا حرام ، خمور ، زنا ، أنواع الزنا لا تعد ولا تحصى ، الزوج يقول لزوجته : اذهبِي إلى فلان ، واستبضعي منه ، فلان قد يكون ذكيًّا ، لعله يأتينا غلام منه ، المرأة لها عشرة أزواج ، حينما تنجب ولداً هي تقول : هذا ابن فلان ، أنواع الإباحية في الجاهلية لا توصف ، خمور ونساء ، وربا مخيف ، ربا ، وخمور ونساء ، فإذا بهذا الدين الجديد يحرم عليهم الخمر ، والزنا ، والميسر ، والربا ، كل متعهم في هذه ، الآن الواحد يعيش يأكل ، الأكل ممنوع ، أن تنام ممنوع ، الزنا ، والخمر ، والميسر ، والقمار ، كالطعام والشراب والنوم عند عامة الناس ، لذلك طار صوابهم ، واختل توازنهم ، قل لإنسان مُرابٍ كبير : دعك من الربا ، كيف أن هذا النبي العظيم تحمل هذه الدعوة ، إله واحد ، وهناك آخرة ، وهناك محرمات ، لكن طبقية بمجتمع مكة لا تحتمل ، هناك سادة ، وعبيد ، العبد ليس له أي شيء ، القهر ، والقتل ، والعمل ، بلا مقابل ، عبد ، فإذا بهذا الدين يساوي السادة مع العبيد ، كلكم من آدم وآدم من تراب ، الناس سواء كأسنان المشط .
غير معقول ، إله واحد ، وهناك آخرة ، ومحرمات ، وما لنا ميزة على هؤلاء ، كانت قريش تمنع العرب أن يطوفوا حول البيت بثيابهم ، تأمرهم أن يطوفوا عراة ، هكذا مزاجها ، قريش تشبه الآن القطب الواحد ، يجب أن يأتمر كل العرب بأمره ، إله واحد ، يوم آخر ، محرمات ، ومساواة ، لا ، هؤلاء الضعفاء لهم حق في أموالكم .
( سورة المعارج ) .
عندئذ طار صواب قريش ، ما تحملوا ذلك ، راودتهم فكرة أن يأتوا مجلس النبي ، ولكن هناك سوقة عنده ، وضعفاء ، وعبيد ، وفقراء ، هم علية القوم ، هم الأغنياء ، هم الأقوياء ، هم الآمرون ، هم الناهون ، فقالوا : إن لم يكن من بقائهم بد فليكونوا في مؤخرة الصفوف ، قبل لنا يوم ولهم يوم .
الآن بالمفهوم المعاصر ، إنسان من الطبقة المخملية ، طبقة الجنفيص ، لا يجلس مع إنسان ينظف الطرقات ، مستحيل ، في كبر ، في المرحلة الأولى رفضوا أن يأتوا النبي عليه الصلاة والسلام لأن الذين اتبعوه قالوا :
( سورة هود الآية : 27 ) .
بعد هذا قبلوا يومًا لهم ، ويومًا لهؤلاء ، ثم قبلوا أن يجلس هؤلاء وراء الصفوف ، فإذا بالوحي العظيم يقول : يا محمد ،
دين المساواة ، دين الفطرة ، لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى ، ولا أبيض على أسود إلا بالتقوى .
مرة أحد أصحاب النبي في ساعة غفلة قال لعبد أسود : يا ابن السوداء ، فغضب النبي ، فحتى يسترضي النبي ، أبى إلا أن يضع رأسه على الأرض ليدوس على رأسه هذا العبد الأسود ، هذا الإسلام ، هذا الدين ، ليس فيه طبقية ، ما من إنسان أحسن من إنسان إلا بالتقوى .
( سورة الحجرات ) .
ورد في بعض السير أن أبا سفيان وقف في باب عمر ، فلم يؤذن له ، أما صهيب وبلال فيدخلان ويخرجان بلا استئذان ، وهو سيد قريش وشريف مكة ، فلما دخل عليه عاتبه يقول له : أبو سفيان يقف في بابك وصهيب وبلال يدخلان بلا استئذان ؟ قال له : يا أبا سفيان أنت مثلهما ؟ هذا مجتمع آخر .
والله الذي ى إله إلا هو ما لم نحكم هذه القيم فلم ننتصر ، ما لم يكن : ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾ ، لن نستحق نصر الله عز وجل ، في طبقية مبطنة الآن ، أي إنسان خلقه الله ، الإنسان بنيان الله ، وملعون من هدم بنيان الله .
أيها الإخوة ، الذي ينبغي أن نعلمه جميعاً أن هذه الدعوة التي أساسها التوحيد ، وأساسها الإيمان باليوم الآخر ، وأساسها افعل ولا تفعل ، عندنا أمر ، عندنا فرض ، واجب ، سنة مؤكدة ، سنة غير مؤكدة ، مستحب ، مباح ، شيء مكروه تنزيهاً ، شيء مكروه تحريماً ، حرام ، هناك منهج ، إله واحد ، ويوم آخر ، وافعل ولا تفعل ، والناس سواسية كأسنان المشط ، وهناك أموال الأغنياء حق للفقراء ، هذه الخطوط الكبيرة للدعوة الإسلامية ، وكلها تتناقض مع طبيعة من نزل عليهم الوحي ، وكلها تتناقض مع من توجه الوحي إليهم ليهديهم سواء السبيل .
أيها الإخوة الكرام ، في درس قادم إن شاء الله نتابع هذه السيرة النبوية المطهرة ، ونستنبط منها قواعد تعيننا على السلامة والسعادة في هذا العصر ، الحق واحد ، أخطر شيء في حياة المسلمين الشرك الخفي ، الشيء الثاني وصدقوا أيها الإخوة ليس هناك 5 % من المسلمين يدخلون اليوم الآخر في حساباتهم ، يقول لك بلسانه : أنا مؤمن باليوم الآخر ، أما في سلوكه فلا يتضح هذا الإيمان ، يأكل مالاً حرام ، يعتدي على أعراض الناس ، ولو بالنظر والكلام ، يأخذ ما ليس له ، يغتاب ، ينم بين اثنين ، فإذا آمنا بالله الإيمان الحق فينبغي أن نستقيم على أمره .
فالجاهلية التي رافقت ظهور الإسلام سماها الله الجاهلية الأولى ، ما معنى أن يسميها الجاهلية الأولى ؟ المعنى أن هناك جاهلية ثانية نعيشها الآن ، لذلك :
(( بدء الدين غريباً ويعود كما بدء ، فطوبى للغرباء ، أناس صالحون في قوم سوء كثير )) .
[مسند أحمد]
أيها الإخوة ، في درس قادم إن شاء الله نتابع هذه الموضوعات ، ونتابع الاستنباطات ، ونلقي ضوء على حياتنا التي نحن في أمس الحاجة فيها إلى هدي محمد صلى الله عليه وسلم .
والحمد لله رب العالمين