(صلى الله عليه وسلم) ، ولكن السياق يدل على أنها كانت قبل الحديبية ـ قال جابر : بعثنا النبي(صلى الله عليه وسلم) في ثلاثمائة راكب ، أميرنا أبو عبيدة بن الجراح ، نرصد عيراً لقريش ، فأصابنا جوع شديد حتى أكلنا الخبط ، فسمي جيش الخبط ، فنحر رجل ثلاث جزائر، ثم نحر ثلاث جزائر ، ثم نحر ثلاث جزائر ، ثم إن أبا عبيدة نهاه ، فألقي إلينا البحر دابة يقال لها : العَنْبَر، فأكلنا منه نصف شهر ، وادَّهَنَّا منه حتى ثابت منه أجسامنا، وصلحت، وأخذ أبو عبيدة ضلعاً من أضلاعه ، فنظر إلى أطول رجل في الجيش وأطول جمل، فحمل عليه ، ومر تحته ، وتزودنا من لحمة وَشَائِق ، فلما قدمنا المدينة ، أتينا رسول الله(صلى الله عليه وسلم) فذكرنا له ذلك ، فقال : ( هو رزق أخرجه الله لكم ، فهل معكم من لحمة شيء تطعمونا ؟ ) فأرسلنا إلى رسول الله(صلى الله عليه وسلم) منه . وإنما قلن ا: إن سياق هذه السرية يدل على أنها كانت قبل الحديبية ، لأن المسلمين لم يكونوا يتعرضون لعير قريش بعد صلح الحديبية .
النشاط العسكري بعد غزوةبني قريضة كان سلام بن أبي الحقيق ـ وكنيته أبو رافع ـ من أكابر مجرمي اليهود الذين حزبوا الأحزاب ضد المسلمين ، وأعانهم بالمؤن والأموال الكثيرة ، وكان يؤذي رسول الله(صلى الله عليه وسلم) ، فلما فرغ المسلمون من أمر قريظة استأذنت الخزرج رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في قتله . وكان قتل كعب بن الأشرف على أيدي رجال من الأوس ، فرغبت الخزرج في إحراز فضيلة مثل فضيلتهم ، فلذلك أسرعوا إلى هذا الاستئذان . وأذن رسول الله في قتله ونهى عن قتل النساء والصبيان ، فخرجت مفرزة قوامها خمسة رجال ، كلهم من بني سلمة من الخزرج ، قائدهم عبد الله بن عَتِيك . خرجت هذه المفرزة ، واتجهت نحو خيبر ، إذ كان هناك حصن أبي رافع ، فلما دنوا منه ، وقد غربت الشمس ، وراح الناس بسرحهم ، قال عبد الله بن عتيك لأصحابه : اجلسوا مكانكم ، فإني منطلق ومتلطف للبواب ، لعلي أن أدخل ، فأقبل حتى دنا من الباب ، ثم تقنع بثوبه كأنه يقضي حاجته ، وقد دخل الناس ، فهتف به البواب : يا عبد الله ، إن كنت تريد أن تدخل فادخل ، فإني أريد أن أغلق الباب . قال عبد الله بن عَتِيك : فدخلت فكمنت ، فلما دخل الناس أغلق الباب ، ثم علق الأغاليق على وَدٍّ . قال : فقمت إلى الأقاليد فأخذتها ، ففتحت الباب ، وكان أبو رافع يسمر عنده ، وكان في علالي له ، فلما ذهب عنه أهل سمره صعدت إليه ، فجعلت كلما فتحت باباً أغلقت علي من داخل . قلت : إن القوم لو نَذِروا بي لم يخلصوا إلى حتى أقتله ، فانتهيت إليه ، فإذا هو في بيت مظلم وسط عياله ، لا أدري أين هو من البيت . قلت : أبا رافع ، قال : من هذا ؟ فأهويت نحو الصوت فأضربه ضربة بالسيف وأنا دهش ، فما أغنيت شيئاً ، وصاح ، فخرجت من البيت ، فأمكث غير بعيد ، ثم دخلت إليه ، فقلت : ما هذا الصوت يا أبا رافع ؟ فقال : لأمك الويل ، إن رجلاً في البيت ضربني قبل بالسيف . قال : فأضربه ضربة أثخنته ولم أقتله . ثم وضعت ضَبِيب السيف في بطنه حتى أخذ في ظهره ، فعرفت أني قتلته ، فجعلت أفتح الأبواب باباً باباً ، حتى انتهيت إلى درجة له ، فوضعت رجلي ، وأنا أرى أني قد انتهيت إلى الأرض ، فوقعت في ليلة مقمرة ، فانكسرت ساقي ، فعصبتها بعمامة ، ثم انطلقت حتى جلست على الباب . فقلت : لا أخرج الليلة حتى أعلم أقتلته ؟ فلما صاح الديك قام الناعي على السور ، فقال : أنعي أبا رافع تاجر أهل الحجاز ، فانطلقت إلى أصحابي فقلت : النجاء ، فقد قتل الله أبا رافع . فانتهيت إلى النبي(صلى الله عليه وسلم) ، فحدثته فقال : ( ابسط رجلك ) ، فبسطت رجلي فمسحها فكأنما لم أشتكها . هذه رواية البخاري ، وعند ابن إسحاق أن جميع النفر دخلوا على أبي رافع واشتركوا في قتله ، وأن الذي تحامل عليه بالسيف حتى قتله هو عبد الله بن أنيس ، وفيه : أنهم لما قتلوه ليلاً ، وانكسرت ساق عبد الله بن عتيك حملوه ، وأتوا مَنْهَرًا من عيونهم فدخلوا فيه ، وأوقد اليهود النيران واشتدوا في كل وجه ، حتى إذا يئسوا رجعوا إلى صاحبهم ، وأنهم حين رجعوا احتملوا عبد الله بن عتيك حتى قدموا على رسول الله(صلى الله عليه وسلم) . كان مبعث هذه السرية في ذي القعدة أو ذي الحجة سنة 5 هـ . ولما فرغ رسول الله(صلى الله عليه وسلم) من الأحزاب وقريظة أخذ يوجه حملات تأديبية إلى القبائل والأعراب ، الذين لم يكونوا يستكينون للأمن والسلام إلا بالقوة القاهرة .