مخاض أوقف سيارته أمام مستودع بناه داخل السور الكبير الذي يحيط ببيته كالطوق ، نزل من سيارته وفتح ذلك المستودع وانهمك في رص صناديق الزيت والطماطم في صندوق عربته التي لها فضل كبير في ثرائه المفاجئ ، وما أن فرغ من تعبئة الشحنة وربطها بحبل متين حتى ركب سيارته وانطلق بسرعة غير آبه بصراخ زوجته الحامل مكتفياً بنظرة إلى منزله وردد في نفسه : ( يستر الله ) وأطلق العنان لتلك السيارة لتبدأ رحلة مكرورة صوب الشرق تشق الظلام الدامس ، محدثة إطاراتها ضجيجاً تارة ، وتارة يختفي هذا الضجيج عندما تدغدغ تلك الإطارات الرمال الناعمة ، فلا تسمع سوى صوت احتكاك نبات المثنان الذي يلامس زجاج نافذتي السيارة ، أو خشخشة حطب الرمث الذي تدوسه هذه العربة المجنونة ، كان مسرعاً وعيناه تراقبان المكان عن كثب ، وأضواء البيوت التي انطلق منها تتلاشى رويداً رويداً ، وكذلك نباح الكلاب ، وضع يده في جيبه وأخرج علبة تبغ ( مارلبورو ) وأشعل سيجارة ووضعها بين أسنانه ، وسحب الدخان بقوة ثم نفث دخاناً مشكلاً دوائراً بيضاء ملأت المكان وتكثفت على زجاج السيارة ، ولم ينتبه لردائة الرؤية أمامه ، لأن ذهنه كان مشتتاً بين التفكير في شريكة حياته التي تعاني آلام المخاض وبين مجهول ينتظره في طريق غير آمن نحو الحدود ، كان يقلب الأمور في رأسه ويحصي الأموال التي سيجنيها من هذه الصفقة ليضعها في رصيده ، ليبدأ التفكير في صفقة أخرى في مشواره لتحقيق حلم حياته ، فهو كان يمني النفس ببناء قصر في مدينة طبرق ، وأن يلم شتات أبنائه من أقسام الداخلي في هذه المدينة التي لا غنى لسكان القرى المجاورة عنها ، أفكار تدور برأسه ، ثم تذكر أنه في مهمة خطرة فأطفأ السيجارة وشغل مساحات الزجاج لكي تتضح الرؤية أمامه ، دقائق معدودة مرت قبل أن يصل إلى ربوة محاذية للسلك الذي يفصل بلدة أمساعد الليبية عن بلدة السلوم المصرية ، أوقف السيارة عندما رأى عدداً من الرجال يحملون ( شيلات ) فارغة ووضعوا داخلها كل هذه الصناديق وحملوها وانطلقوا مسرعين ليذوبوا في الظلمة الحالكة ، بعد أن قبض من كبيرهم الذي علمهم التهريب ثمنها ، ودلف راجعاً صوب بيته كالسهم ، وكان يدعو الله أن يجد زوجته في حالة طيبة ويحاول الوصول في وقت قصير ، فهو يعلم أن بلدته تخلو من طبيب ولادة متخصص ، وأن القابلة التي بالحي ذهبت منذ أيام إلى الأراضي المقدسة لأداء العمرة ، نظر إلى ساعته وجدها تقترب من الرابعة صباحاً وخيوط الفجر بدأت تتشكل خلفه ، بينما أضواء بلدته شرعت في رسم علامات إصرار للوصول في زمن قياسي ، كان يحاول أن يسبق الزمن ويدور في براح الأسئلة ، هل سيجد زوجته في حال طيب أم أن لعنة التهريب قد حلت ببيته ، وما أن وصل إلى ذاك البيت حتى دخل مسرعاً ، لتهدأ نفسه عندما وجدها على قيد الحياة ، فحملها بين ذراعيه ووضعها على مقعد السيارة بجانبه وعمد مدينة طبرق محاولاً قطع مسافة مائة وأربعين كيلو مترأ في أقل زمن ممكن ، كان يحاول تفادي السيارات المحاذية والمواجهة له في الطريق الضيق ، ينظر أمامه و دقات قلبه تتصاعد ، وأذناه أصمهما صراخ زوجته التي تقبض على مسند المقعد بكل قوة أحياناً ، وتحاول أن تمسك يد زوجها اليمنى من شدة ما تعاني أحياناً أخرى لكنه في كل مرة ينتزع يده منها انتزاعاً خوفاً من أن تنقلب بهما السيارة ، وقبل أن يقطع نصف المسافة انقطع صراخ زوجته فجأة ، ليسمع بعدها صراخ مولوده بين رجليها ، أصابه ذعر شديد ، وأوقف السيارة على يمين الطريق ، وكان مرتبكاً ، نظرت إليه زوجته بعد أن حملت وليدها وقالت له : مبارك عليك