الكــبـــــش كان إلى جانبي طفل في العاشرة من عمره ، يتهيأ إلى مرافقتي ككل صباح عيد ، الفرحة في عينيه تملأ عالمي بالأمل ، عام غير منقوص ، كان وافياً وسخياً بكل الأحداث التي نجترها كالعادة ، توجهنا سوية لمصلى العيد لنؤدي الصلاة جماعة ونستمع لخطبة هذا اليوم ، أدرت محرك سيارتي الصغيرة وشرعت في فتح المذياع ، كنا نهلل ونكبر معاً متما هين مع صوت الحجيج في منى ، كنت فرحاً أيضاً ، لكم كنت هناك وتمنيت أن أعود !!، اقتربنا من ساحة المصلى فتلاحمت الأصوات وعج المكان بصوت واحد ، صغاراً وكباراً كنا منصتين للشيخ ونأمم ، اغتسلنا من الخطايا وبدونا كالملائكة ، فرغنا من الصلاة وتلاحمنا ، بدت صدورنا واسعة وكافية لاحتضان عالمنا الواسع ، في طريق عودتنا لا شيء كان يشغل ذهن الطفل سوى الفرحة والتهام قطع الحلوى التي يملئون بها جيوبهم ، في حينا الفقير كان جل الأطفال يلهون بالعاب النار وسط الأزقة الضيقة ، عالم الصغار مبهج حد الحسد ، أما الكبار لا زالت حناجرهم تلهج بالدعاء والتكبيرات ، عادوا لينتشرون كل يسعى لينحر ويذبح أضحيته ، جارنا العم أحمد كان يركض خلف كبشه الذي تفلت منه حين لمعت في عينيه حد السكين ، تكاثر رجال الحي لمساعدة العم أحمد ،لكن الكبش لا زال طليقاَ وبعض نفر ملقى على الأرض متعباً والبعض الآخر يكاد يغشى عليه من شدة الضحك ، الحي بأكمله صار أضحوكة لهذا الكبش ، حتى حسين الطريفي الرجل المشهور بالسرعة لم يتمكن من الإمساك به ، قيل أنه كان يطارد الثعالب حتى يمسك بذيولها ، قال لنا عن الكبش إنه جني ، لكن العم أحمد كان مصراً على أن يأكل اليوم لحم العيد ، لم تغادر ذهنه ألف ومائتي ريال القيمة الباهضة التي أشترى بها هذا الجني ، إن كان ما يقال عن الكبش أنه جني فقد فعلها العم أحمد وضحى بجني ، ترى كيف سيكون عيدهم ؟ لو كنت مكانه لجعلته يذهب لحال سبيله حتى لو لم أذق طعم اللحم أبداً ، الشمس أخذت ترسل حمأتها وتلسع أجساد الواقفين إلى جانب العم أحمد ،تسرب اليأس والملل إلى البعض منهم ،لكنهم لم يشاءون الاعتذار في مثل هذا المأزق ،مسكين جارنا إنه ليس الكبش الأول الذي يهرب منه ، عدنا نضيق الخناق على الكبش ودنونا منه أكثر، عاث فينا نطحاً ورفسا ،غير أننا تمكنا في النهاية من القبض عليه ، بدت نواجذ العم احمد من فرط سعادته ، ثم عاد لسكينه ليحدها على مرأى من الكبش ، بعد ساعة كانت رائحة الشواء تنطلق من تنور منزله ، نحن أيضا كسائر البيوت المسلمة ذبحنا وأكلنا من أضاحينا ، البعض لم يتمكن من ذبح أضحيته في اليوم الأول ، أو الثاني ، أو الثالث ، ذلك شأنهم وحدهم ، يخافون حتى من ذبح الخراف ، وكأن ما حدث في ناحية قريبة لم يكن حافزاً لهم لذبح أضاحيهم ، في كل بقاع الدنيا وفي مثل هذا اليوم وفي نفس التوقيت تقريباً كان المسلمين يذبحون ، غير أن الكبش الذي ذبح في العراق وبثت محطات التلفزة مراسم ذبحه كافياً كل العرب والمسلمين ، كبش العم أحمد أيضا كان يستحق التغطية الإعلامية ، بدأت أشعر بالجوع ، ورائحة الشواء تفوح منبعثة من كل بيت .....