ليل وصباح ومضى ليل طويل طويل.. طواه ليل كما لم يطوَ من قبل.. وجاء صبح عجيب.. ولكل صباح معه عجيبة.. وتحوّلت الصباحات والمساءات، وتغيّر وهج الشمس وشكل البحر ولون السماء.. وتبدل طعم الماء ورائحة الزهر.. وصوت الحمائم.. وزخّات المطر.. واشتد ضوء القمر.. وغنى الليل وتراقصت أغصان الشجر.. وأصبح لأغنية (حبيبي) ثوب آخر.. هذه الأغنية التي سمعتها - من قبل - ربما ألف مرة.. سمعتها اليوم كأنّما للمرة أولى.. لا تشبه كل تلك المرات.. كانت الأفكار متناثرة.. والأحلام مبعثرة متقاطرة.. وطيف الماضي لم يزل ماثلاً خلف عيون ما لها عنوان.. ومضينا معاً.. في رحلة حلم قشيب - أو تليد – لم أعد أدري!! من أين جاءت؟! لستُ أدري.. كيف.. متى.. لمَ؟! لست أدري.. لست أدري..!! كيف احتوت المشاعر والأحاسيس وتمكنت من منابعها؟! كل ما فيها عجب...! ليس للأحلام بُعدٌ.. وهل فعلاً تنتهي الأحلام مثل كل شيء؟! عزفت أمامي أنغاماً موسيقية غير مسبوقة.. لأول مرّة أجد نفسي أتخلّى عن كل أوراقي الدفينة.. أستسلم.. أرفع كل راياتي البيضاء.. بسهولة.. وحتى قبل أن أدخل المعركة... لم يعد أجرؤ على تخطي نفسي فقد كانت في واقعها أجمل من كل الأحلام.. اعترت قلبي حالة ترنّح وتماه.. صدّقتُ الواقع.. فنسيتُ الأحلام.. عشت لأول مرة حلمي.. لمسته بيدي، تعملق في ذاتي.. حتى كدت أصدق.. وفاتني أنّ الأحلام شيء والواقع شيء آخر مختلف تماماً عن أغنيات وقصائد منحوتة في صخر.. حالة من العري الصادق لا تأتي بسهولة.. لكنّها.. ربما.. تذهب مع أقل النســمات رقة.. استسلمت لمرئياتي.. كانت أحلامي صيد مشاعر، قنصاً بعيداً تماثل أمامي.. وصرت أنشد لها كلما استقلّت مشاعري بعد ذلك: لا يعرف الحــبَّ إلاّ من يكابـــده ولا الصبـــابة إلاّ من يعانيها فتجيب ضاحكة: "نصاب..لا أصدق.. لا أصدق..". أمّا أنا فأعود إلى فيروز ربما لأرسم من خلالها حلماً آخر.. لكنّ الأحلام باتت عصيّة متمردة.. حرون.. (كل شي بيخلص حتى الأحلام!) هل يمكن؟.. حتى الأحلام! وأي أحلام؟؟