لوحت بيدي مودعاً لكننا.. فجأة.. وقبل أن تكتمل فصول روايتنا.. غيّرنا الواقع وبدّلناه.. غير أني ما تغيّرت ولا تبدلت.. لكنْ تقزّمت في نفسي وقائع الأحلام.. ولم تتقزم هي عندي ولم تتبدد.. "لستُ أنا من يبيعك الوهم".. لم تقلها.. ومع ذلك سمعتها.. قلت برهبة: "جدر عالية.. لم تبدُ في أحلامي..". سمعتُ من بعيد.. جملة مكررة أبغضها: (الأحلام شيء والواقع شيء آخر).. خَطفت قلبي من ورائي.. ثقبت فيه نفقاً.. لم يعد هناك حلم يجرؤ أن يقع فيه.. حملت أوراقي وصمتي - وربما مصيبتي - لم أتمالك حتى أن ألقي تحية.. ومن بعيد.. كمن يخشى نفسه.. كفارس سقط من صهوة جواده في قلب معركة.. لوّحت بيدي مودعاً.. قبل أنْ أعود جاثياً... لم أعرف قبلها (أنثى) حرون مثلها.. فيها ما ليس بغيرها.. اكتشفتُ أشياء وأشياء.. لكنها قاومت.. قاتلت كلّ الأحلام.. ولم تنتصر.. صاحت: "لا للأحلام..". وعندما هوت الأحلام تحت قدميها.. لم تدسها.. فهي لا تعرف أن تدوس من تكره فكيف من تحب؟! لم ترفض.. لم تعترض.. لكنها لا تستسلم.. "أنت جرئ جداً.. أنا لا أحبك ولا أكرهك.. ربما مع الأيام أحبك". عطرها طبيعي.. "لا أحب المساحيق.. أنتِ أجمل من الحلم نفسه".. تضحك بلطف، تنظر إلى أعلى.. ثم تعود للنظر نحوي نظرات حالمة: "أما زلت تحلم؟!". "الحلم صديقي ورفيق دربي.. وأنت أعظم أحلامي".. "ألم يقل لك أحد من قبل أنك نصاب؟". "هل تسمحي؟". "بماذا؟". "أريد أن أقبل أصابع قدميك".. تطل دهشة من عينيها.. ترفض ببريق عجيب.. "مستحيل". "أرجوك". "مستحيل.. كيف.. كيف؟ لا يمكن..". تضم يديها إلى صدرها بخوف، مع أنّ كثراً حاولوا تقبيل تراب يقع من أسفل نعلها، باهظ الثمن. كانت عندي أثمن من كل الوجود.. وكنت لها أثمن من (لثم قدم).. قالت بحزم: "لا توجد مرة ثانية..". اعتدت أن استجيب لها بلا نقاش.. ومضيتُ حيث لا أعود.. مضيت إلى مجهول.. إلى عالم لا يعرف كيف يحلم؟؟.. كيف يمضي؟؟.. غادرتُ بلاداً وبلاداً.. قطعت جبالاً وودياناً.. مشيت نحو الضياع بقدمي هاتين.. غرزتُ في عمق أحلامي خنجراً مسنوناً.. لكنها بقيت.. تصنع كل تفاصيلي.. تجعل مني قطعاً لألعابها الصغيرة.. تشعل في أنفاسي مشاعرها الرقيقة.. وترسم في مخيلتي طقوسها الفريدة.. وبقيت كل الأحلام.. تاجاً مرصعاً على هامتها.. وبقيت أنا مصلوباً على جدران مدينتها.. أخط في جوار الوتد المغروز في كفيّ الداميتين: "لا تسألوني ما اسمه حبيبي".