لوحت بيدي مودعاً

الناقل : mahmoud | الكاتب الأصلى : د.طارق بكري | المصدر : www.arabicstory.net

لوحت بيدي مودعاً

لكننا.. فجأة.. وقبل أن تكتمل فصول روايتنا.. غيّرنا الواقع وبدّلناه.. ‏
غير أني ما تغيّرت ولا تبدلت.. لكنْ تقزّمت في نفسي وقائع الأحلام.. ‏
ولم تتقزم هي عندي ولم تتبدد..‏
‏"لستُ أنا من يبيعك الوهم".. ‏
لم تقلها.. ومع ذلك سمعتها..‏
قلت برهبة: "جدر عالية.. لم تبدُ في أحلامي..".‏
سمعتُ من بعيد.. جملة مكررة أبغضها: (الأحلام شيء والواقع شيء آخر)..‏
خَطفت قلبي من ورائي.. ثقبت فيه نفقاً.. لم يعد هناك حلم يجرؤ أن يقع فيه.. حملت أوراقي ‏وصمتي - وربما مصيبتي - لم أتمالك حتى أن ألقي تحية.. ومن بعيد.. كمن يخشى نفسه.. كفارس ‏سقط من صهوة جواده في قلب معركة.. لوّحت بيدي مودعاً.. قبل أنْ أعود جاثياً... ‏
لم أعرف قبلها (أنثى) حرون مثلها.. ‏
فيها ما ليس بغيرها.. اكتشفتُ أشياء وأشياء.. لكنها قاومت.. قاتلت كلّ الأحلام.. ولم تنتصر.. ‏
صاحت: "لا للأحلام..". ‏
وعندما هوت الأحلام تحت قدميها.. لم تدسها.. فهي لا تعرف أن تدوس من تكره فكيف من ‏تحب؟!‏
لم ترفض.. ‏
لم تعترض.. ‏
لكنها لا تستسلم.. "أنت جرئ جداً.. أنا لا أحبك ولا أكرهك.. ربما مع الأيام أحبك".‏
عطرها طبيعي.. "لا أحب المساحيق.. أنتِ أجمل من الحلم نفسه"..‏
تضحك بلطف، تنظر إلى أعلى.. ثم تعود للنظر نحوي نظرات حالمة: "أما زلت تحلم؟!".‏
‏"الحلم صديقي ورفيق دربي.. وأنت أعظم أحلامي"..‏
‏"ألم يقل لك أحد من قبل أنك نصاب؟".‏
‏"هل تسمحي؟".‏
‏"بماذا؟".‏
‏"أريد أن أقبل أصابع قدميك"..‏
تطل دهشة من عينيها.. ترفض ببريق عجيب.. "مستحيل".‏
‏"أرجوك".‏
‏"مستحيل.. كيف.. كيف؟ لا يمكن..".‏
تضم يديها إلى صدرها بخوف، مع أنّ كثراً حاولوا تقبيل تراب يقع من أسفل نعلها، باهظ الثمن.‏
كانت عندي أثمن من كل الوجود.. وكنت لها أثمن من (لثم قدم).. ‏
قالت بحزم: "لا توجد مرة ثانية..".‏
اعتدت أن استجيب لها بلا نقاش.. ومضيتُ حيث لا أعود.. مضيت إلى مجهول.. ‏
إلى عالم لا يعرف كيف يحلم؟؟.. كيف يمضي؟؟.. ‏
غادرتُ بلاداً وبلاداً.. قطعت جبالاً وودياناً.. ‏
مشيت نحو الضياع بقدمي هاتين.. غرزتُ في عمق أحلامي خنجراً مسنوناً..‏
لكنها بقيت.. ‏
تصنع كل تفاصيلي.. تجعل مني قطعاً لألعابها الصغيرة.. ‏
تشعل في أنفاسي مشاعرها الرقيقة.. ‏
وترسم في مخيلتي طقوسها الفريدة..‏
وبقيت كل الأحلام.. تاجاً مرصعاً على هامتها.. وبقيت أنا مصلوباً على جدران مدينتها.. ‏
أخط في جوار الوتد المغروز في كفيّ الداميتين: "لا تسألوني ما اسمه حبيبي".