حديثة الفقراء

الناقل : mahmoud | الكاتب الأصلى : د. طارق البكري | المصدر : www.arabicstory.net

 

كانَ هُنَالِكَ رجلٌ مُزَارِعٌ طيِّبُ القَلبِ، لديهِ حديقةٌ يَزْرَعُ فِيها أنوعًا مِنَ المَزْروعَاتِ، وكانَ يوزِّعُ فِي كُلِّ مَوْسمٍ جِزءًا كَبِيْرًا مِنْ إِنْتَاجِ الحَدِيقَةِ عَلَى الفُقَراءِ.

 

فباركَ لهُ ربُّهُ في حديقتهِ، وكان ثَمَرُها من أَطيبِ الثِّمارِ، فعاشَ حياةً سعيدةً رغيدةً، وكلُّ النَّاسِ يَدْعونَ لَهُ بالخَيْرِ والتَّوْفِيقِ.

 

وبَعْدَ أَنْ تُوفِّيَ الرَّجُلُ، طمَعَ أَبْنَاؤه، وحَجَبُوا ثَمَارَ الحَدَيقَة عَنْ الفُقَراء. وَذَلِكَ لأَنَّهُم كَانوا يَطْمَعُون بِكُلِّ ما تَعْطِيه الحَديقَة لَهُمْ.

 

وَكَانَ فِيهِم ولدٌ عَاقِلٌ صَالِحٌ مثلُ أبيهِ، فقالَ: يَا إخوَتِي، اتّقُوا اللَّهَ وَلاَ تَقْطَعُوا عَادَةَ أَبِيكُم الطيِّبة، فإنّ اللَّهَ يرزُقَكُمْ بَدَلَ مَا تعطونَهُ للفُقَراء. لَكِنّ إخوتهُ رفَضوا كَلاَمَهُ وقَرّروا أَنْ يَذْهَبوا فِي وَقْتٍ قَبْلَ مَجِيء الفُقَراءِ ويَأْخُذوا كُلَّ مَا تَنتجهُ الحديقة. لَكن اللَّهَ أَرسلَ ريحاً عاصفةً محرقةً، تَرَكَت الحديقةَ سوداءَ كالفحمِ، وأَصحابُها لا يعلمون.

 

وقُبَيلَ الصُّبْحِ نادوا بعضهُمْ بَعْضًا بصَوتٍ خافِتٍ، وَأَوصى بَعْضُهُمْ بَعْضًا بألاَّ يَتَكَلَّموا حَتَّى لا يحسَّ بِهِم أَحَد.

 

وَفَتحوا البابَ ودَخلوا، فوَجَدوا الأشجارَ محترقةً وليسَ فيها ثمرٌ، قالوا: لَقد ضَلَلْنا وتُهْنا عَنْ حَديقَتِنا بسببِ الظَّلاَمِ، وهذه ليسَتْ حديقَتُنا، فسَمعوا صوتَ أخِيهم الطيّب وهُوَ يَقول: بل إنَّها حَديقتُكُم عَيْنُها، وَقَد أحْرَقَها ربُّكم لأَنَّكُم أرَدْتُم حِرْمَانَ المَساكِينِ مِنْها.

 

 

 

واسودّتْ وجوهُهُم مِنَ الحزنِ وراحَ كلُّ مِنهم يلومُ أخاهُ ويقولُ له: أنتَ الذي أشرتَ علينا بهذهِ الفكرةِ الملعونةِ، وكلُّ واحدٍ منهم يتبرّأُ من التُّهْمَةِ ويتَّهِمُ الآخر.

 

وَهَذِهِ عاقبةُ الذينَ يَطمعونَ بما رَزَقَهُمُ اللَّهُ ولا يقدّمونَ من الخيرِ الَّذِي أَعطَاهُم لِلْفُقَرَاءِ والمَسَاكِين