مكسورة الخاطر عندما غادرا قريتهما، في منتصف الثمانينات من القرن الماضي ،كانت الجمال لا تزال بعد منظورة ، و معتمدةً الى حدٍّ بعيد ، كوسيلة نقل طبيعية ، يستعين المزارعون بها لنقل حصادهم أو غلّة موسمهم . غير أنهما ، و طوال هذه السنين الطويلة لهما في المانيا ، لم يحدث أن شاهدا مزارعاً المانياً يجر جملاً أو حماراً ، بعد أن حزم على ظهر هذا أو ذاك ، بندك قمح أو شعير .. بعد أن خرجا من المطار يتنزها في وسط المدينة ، حيث كانا يقضيان بعض الوقت ريثما يحين موعد الطائرة ، التي ستقلهم الى لبنان ، بعد طول غياب . بالنسبة لأبي فواز ، العودة المُظفرة الى الوطن ، يجب أن تكون على الطيران اللبناني ، و هذه لا تحط سوى في فرانكفورت أو روترادم ، فأختار الثانية لقربها من مدينتهم الألمانية . - صورني قرب الجمل ! قالت المرأة لزوجها ، بعد أن انسلت من قربه لتصطف خلف الراغبين بإلتقاط الصور التذكارية ، مع الجمل الذي بدا وحيد جنسه ، غريب أهله ، فريد عصره ، في ساحة روتردام . شعر الرجل بحرج شديد و راح يلتفت يميناً و يساراً من حوله ، و قال لزوجته : - أرجعي يا امرأة من عندك ! حدّث زوجته بصوت خافت كأنه يداري فعلاً شائناً .. عادت المراة الى جناح زوجها مكسورة الخاطر ، تتبعه . محنية الرأس . فيما مضى هو يسير مسرعاً عن حلقة الجمل . - ماذا سيقول الناس عنّا عندما نعود ، أننا سافرنا الى بلاد الأجانب ، لنتصور مع جمل ! أمن قلّة الجمال في بلادنا ؟ . هه ! قال لزوجته جاداً و محتداً . لكنها تمالكت نفسها ، بعدما ابتعدا قليلاً عن الجمع و قالت تناكده : - ايه ، أين هي الجمال في بلادنا ، ألم ينقطع أصلها هي الأخرى !؟ و أنت نفسك ، ألم تبع الجمل قبل أن نأتي الى هذه البلاد !؟ - بلى ، و إن يكن ، فهذا لا يصح ، كما أن هذا الجمل أشعث و هجين ، رحم الله تلك الأيام ، دعينا ننظر الى الأمام ، هؤلاء القوم ، لم يعرفوا هذه الحيوانات يوماً ، لذا فهم منبهرون بها ، أمّا نحن ، فإنها كانت عندنا ، لذا نتطلع نحن الى ما عندهم . بدا أنّها لم تسمع كل كلامه ، أو لم تفهم فحواه جيداً ، و أرسلت : - لقد كان يصبر على شظف عيشنا ، و على خشونة أيامنا ، و قد كان يحمل إضافة الى حصادنا و محصولنا ، كذلك همومنا و شجوننا . الله يسامحك ! فقد كسرت بخاطري. قالت زوجته كلماتها تلك متأثرة و جادة . - والله يبدو أنني كسرت بخاطر هذا الجمل الهجين أكثر منك ! فهو يبدو حزيناً بين هذه الجموع التي لا تفقه شيئاً في أمور الجِمال .