الطفل الذي رأى البحر

الناقل : mahmoud | الكاتب الأصلى : صالح الأشقر | المصدر : www.arabicstory.net

 

في لحظة واحدة انفتح فمه واتسعت عيناه بشدة . فالذي يراه الآن لم يره

 

في حياته أبدا . شيء مخيف وفاتن .. ساكن وصاخب .. قريب وبعيد .. سافر

 

وغامض .. لامع ومعتم . انه شيء عصي على الفهم , وفوق حدود خياله

 

المسقوف.

 

اقترب بتؤدة ودس ببطء أطراف أصابع قدمه اليمنى . ارتفع وجيف قلبه الصغير

 

وانغلقت عيناه وعض شفته السفلى . كان الماء باردا والشمس تنأى في السماء.

 

اقترب أكثر بعد أن أطلق بصره وتلفت حوله , وبسرعة نزع عن جسده ثوبه

 

الجديد وتعرى . جلس عند حافة الرمل الرقيق وقادته الفتنة .

 

رأى الماء ينساب الهوينا , ويصعد حتى الخاصرة ويداعب عضوه الصغير , ثم

 

ينسحب ببطء فيغمره الهواء البارد , وتتسلق جسده حبيبات متناثرة تثير في

 

قلبه رعشة وصخب .

 

دس يديه الصغيرتين في البحر, وملأ راحتيه وضم بعضهما الى بعض ثم طيَر الماء

 

الى وجهه فأصابته نوبة فرح طاغية . أخذ يضرب صفحة الماء بقوة فينفلت

 

عاصفا ويطير في الهواء ثم يساقط باردا على جسده المأخوذ بعريه! وصخبه

 

وطفولته . غمرته الفتنة واشتد عليه الفرح وامتلاْ بالحرية .

 

زحف قليلا قليلا, وأخذ الماء يرتفع الى صدره ويغمر دقات قلبه السعيد .

 

صار يضرب الماء وهو يصرخ وكأنه ينادي أحدا في الأعماق .

 

جاءت موجة هاربة تطوي المسافة , ورشقت عينيه وأنفه واعتلت رأسه ,

 

وأصابه طعم الماء .

 

انتصب بسرعة وأخذ يفرك عينيه بقوة وينظف حلقه من الماء المالح . كان

 

الهواء يأتي من خلفه قارسا , والبحر أمامه دافئا وحميما .

 

فكر لحظة وابتسم في نفسه , وتقدم بضع خطوات ثم جلس بعزم وخوف جديد .

 

أغمض عينيه وأطبق على شفتيه وأخذ ينتظر . تأخرت الموجة الهاربة برهة ثم

 

قليلا حتى توارت وانحسر الماء .

 

فتح عينا واحدة ورأى الماء نائيا وقصيا , ورأى نفسه يركض ويركض ويدخل

 

في الماء .