وضعت رأسي في حجرها ، ففروا به ، و بقي الجسد هائماً ، تحرك ، و قمت و شاهدت الليل ، و قمت و أشعلت الضوء ، و شاهدت الليل متكاثفاً في الأرجاء كافة . رفعت يدي لأفرك عيني فلم أجد رأسي .
( لقد غابت عني الدهشة ، و سال قلبي من الخوف ) .
ركضت و اصطدمت بجدار ؛ غيرت اتجاهي فصدمني الجدار ، و الجدار الآخر .. و سقطت وسط أقدامي ، متلمساً أشياء ما عرفتها .
(غنى صوت داخلي برنين حزن قائلاً : من أين لك بتفكير و رأسك ليس معك ؟ وانتشر صوت السؤال كالرنين) .
ركضت و كان الباب مفتوحاً ، و أنا أتعثر و اصطدم بمجموعة ، ربما كانوا في شارع ، و لعل رأسي كان معهم ، أو وسطهم ، ربما كانوا على شكل دائرة ما ، وقد يضربونه ، أو يتقاذفونه ، أو يأخذون العينين ، أو يصبون في الأذنين كلاماً لزجاً حتى تفقدان السمع ، و ربما عملوا باللسان ما عملوا به ..
( اتسع خوفي ـ وقتها ـ كالمزارع ) .
وجدت نفسي ممدوداً ، و هم يقومون بتدوير رأسي ، و فرِّه ، و تركيبه كمصباح .. بدأت ألمس رأسي الآن ، هززته يميناً ، ورفعته فوجدته ثقيل الأذنين ، والعينين ، و ينحني .
( ضحكت و أنا أغني للأغصان التي تنحني مثقلة بالثمار ، دانية من الآخرين ، و بلعت المرارة ) .
قالوا : قم . فقمت . مشوا ، فمشيت خلفهم ..
( الآن دهشت للحظة و أنا أنظر في زجاج إحدى الواجهات : أن عيني لا تطرفان أبداً ، و أذني خاليتان من الأصوات ) .
انعطفوا يمينا ، فتبعتهم تسوقني رغبة جامحة لأفعل كل ما يفعلون :
أقوم بالدوران حول الأشخاص ، أمسكهم ، و أمددهم ، أفك الرأس ، أغطي العينين ، و أصب في الأذنين الطنين حتى تمتلئان ، فأسدهما ، ثم أعيد الرأس مكانه : مستوياً ، عاديا : يهتز ، و يرتفع ، و ينحني ، أقول له : قم فيقوم . أمشي فيكون ظلي .
أزهو الآن ، و أنا أهز رأسي و هو يملؤني .. يعلو صوتي ضاجاً بالأقوال . أطلق ـ من هذا الرأس ـ قذائفي على الآخرين ، تهز مجموعتي رؤوسها فرحاً ، و تنحني .
مشيت في أماكن ، و أماكن ، و لم أر نهاية لساني لفرط طوله .. الطريق واسع لي ، و أنا بزهوي أتمدد به .. التفت إلى الجهة الثانية فأرى غصنا صغيرأ ينبت مكان رأس ، و منه تخرج أغصان مثمرة تدعوني أن أرقد في حجرها ..