لا مستحيل!!
الناقل :
ام احمد
| المصدر :
www.amrkhaled.net
يقول ابن القيم- رحمه الله- : لو أن رجلاً وقف أمام
جبل وعزم على إزالته ؛ لأزاله
.
لقد توصلت - بعد سنوات من الدراسة والبحث
والتأمل- إلى : أنه لا مستحيل في الحياة ؛ سوى أمرين فقط
.
الأول : ما كانت
استحالته كونية ( فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ
بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ) (البقرة: من الآية258
)
الثاني : ما كانت استحالته شرعية ؛ مما هو قطعي الدلالة ، والثبوت ، فلا
يمكن أن تجعل صلاة المغرب ركعتين ، ولا أن يؤخر شهر الحج عن موعده ( الْحَجُّ
أَشْهُرٌ مَعْلُومَات) (البقرة: من الآية197) ، ولا أن يباح زواج الرجل من امرأة
أبيه ( إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَاءَ سَبِيلاً )(النساء: من الآية22
)
،
وما عدا هذين الأمرين وما يندرج تحتهما من فروع ؛ فليس بمستحيل
.
قد
تكون هناك استحالة نسبية لا كلية ، وهو ما يدخل تحت قاعدة عدم الاستطاعة فقد يعجز
فرد عن أمرٍ ؛ ولكن يستطيعه آخرون، وقد لا يتحقق هدف في زمن ؛ ولكن يمكن تحقيقه في
زمن آخر ، وقد لا يتأتى إقامة مشروع في مكان ، ويسهل في مكان ثان ، وهكذا
.
إن الخطورة: تحويل الاستحالة الفردية ، والجزئية ، والنسبية ؛ إلى استحالة
كلية شاملة عامة
.
إن عدم الاستطاعة هو تعبير عن قدرة الفرد ذاته ، أما
الاستحالة ؛ فهو وصف للأمر المراد تحقيقه ، وقد حدث خلط كبير بينهما عند كثير من
الناس ، فأطلقوا الأول على الثاني
.
إن من الخطأ أن نحول عجزنا الفردي إلى
استحالة عامة ؛ تكون سبباً في تثبيط الآخرين ، ووأد قدراتهم ، وإمكاناتهم في مهدها
.
إن أول عوامل النجاح ، وتحقيق الأهداف الكبرى هو: التخلص من وهم ( لا
أستطيع – مستحيل ) ، وهو بعبارة أخرى: التخلص من العجز الذهني ، وقصور العقل
الباطن، ووهن القوى العقلية
.
إن الأخذ بالأسباب الشرعية ، والمادية يجعل
ما هو بعيد المنال حقيقة واقعة
.
إن كثيراً مـن الـذين يكررون عبـارة : لا
أستطيـع ، لا يشخصون حقيقة واقعـة ،يعذرون بها شرعاً وإنما هو انعكاس لهزيمـة
داخلية للتخلص من المسئولية
.
إن من الخطوات العملية لتحقيق الأهداف الكبرى
هو: الإيمان بالله ، وبما وهبك من إمكانات هائلة تستحق الشكر. ومن شكرها
:
استثمارها ؛ لتحقيق تلك الأهداف التي خلقت من أجله
.
أي عذر لإنسان ؛ وهبه
الله جميع القوى التي تؤهله للزواج ، ثم هو يعرض عن ذلك دون مبرر شرعي . إن هذا من
كفر النعمة لا من شكرها ، وهو تعطيل لضرورة من الضرورات الخمس التي أجمعت جميع
الديانات السماوية على وجوب المحافظة عليها ، وهو النسل
.
وحري ، بمن فعل
ذلك أن تسلب منه هذه النعمة الكبرى ( وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ
لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) (إبراهيم:7
) .
وقل مثل ذلك : في كل نعمة ، وموهبة وهبها الله الإنسان
.
إنني لست بصدد
بيان عوامل النجاح ، ومرتكزات القيادة ، والريادة ؛ ولكنني أحاول أن أزيل هذا الوهم
الذي سيطر على عقول كثير من رجال الأمة ، وشبابها ؛ فأوصلنا إلى الحالة التي سرّت
العدو ، وأحزنت الصديق
.
إن الأمة تمر بحالة تاريخية ذهبية من العودة إلى
الله ، وتلمس طريق النجاة ، والنجاح ، والسعادة ، والرقي
.
وإذا لم تستثمر
تلك الإمكانات ، والطاقات الهائلة ، والأمة في حال إقبالها ؛ فإنه سيكون الأمر أشد
وأعسر في حال فتورها
.
إن من الأخطاء التي تحول بين الكثيرين ، وبين تحقيق
أعظم الأهداف ، وأعلاها ثمناً تصور أنه لا يحقق ذلك إلا الأذكياء
.
إن
الدراسات أثبتت أن عدداً من عظماء التاريخ كانوا أناساً عاديين ، بل إن بعضهم قد
يكون فشل في كثير من المجالات كالدراسة مثلاً
.
لا شك أن الأغبياء لا
يصنعون التاريخ ؛ ولكن الذكاء أمر نسبي يختلف فيه الناس ويتفاوتون ، وحكم الناس
غالباً على الذكاء الظاهر ، بينما هناك قدرات خفية خارقة لا يراها الناس ؛بل قد لا
يدركها صاحبها إلا صدفة ، أو عندما يصر على تحقيق هدف ما ؛ فسرعان ما تتفجر تلك
المواهب مخلفة وراءها أعظم الانتصارات ، والأمجاد
.
إن كل الناس يعيشون
أحلام اليقظة ، ولكن الفرق بين العظماء وغيرهم : أن أولئك العظماء لديهم القدرة ،
وقوة الإرادة والتصميم على تحويل تلك الأحلام إلى واقع ملموس ، وحقيقة قائمة ،
وإبراز ما في العقل الباطن إلى شيء يراه الناس ، ويتفيئون في ظلاله
.
إن من
أهم معوقات صناعة الحياة : الخوف من الفشل ، وهذا بلاء يجب التخلص منه، حيث إن
الفشل أمر طبيعي في حياة الأمم ، والقادة ، فهل رأيت دولة خاضت حروبها دون أي هزيمة
تذكر ؟
!
وهل رأيت قائداً لم يهزم في معركة قط ؟
!
والشذوذ يؤكد القاعدة ،
ويؤصلها ، ولا ينقضها
.
إن من أعظم قادة الجيوش في تاريخ أمتنا – خالد بن
الوليد – سيف الله المسلول ، وقد خاض معارك هزم فيها في الجاهلية ، والإسلام ، ولم
يمنعه ذلك من المضي قدماً في تحقيق أعظم الانتصارات ، وأروعها
.
ومن أعظم
المخترعين في التاريخ الحديث ؛ مخترع الكهرباء ( أديسون ) وقد فشل في قرابة ألف
محاولة ؛ حتى توصل إلى اختراعه العظيم ، الذي أكتب لكم هذه الكلمات في ضوء اختراعه
الخالد
.
وقد ذكر أحد الكتاب الغربيين ؛ أنه لا يمكن أن يحقق المرء نجاحاً
باهراً حتى يتخطى عقبات كبرى في حياته
.
إن الذين يخافون من الفشل النسبي ،
قد وقعوا في الفشل الكلي الذريع ( أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا ) (التوبة: من
الآية49
)
ومن يتهيب صعود الجبال
يعش أبد الدهر بين الحفر
إن
البيئة شديدة التأثير على أفرادها ؛ حيث تصوغهم ولا يصوغونها ( إِنَّا وَجَدْنَا
آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى )( وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ
مُقْتَدُونَ)(الزخرف: من الآية23 )، ولذلك فهي من أهم الركائز في التقدم ، أو
التخلف ، والرجال الذين ملكوا ناصية القيادة والريادة ؛لم يستسلموا للبيئة الفاسدة
ولم تمنعهم من نقل تلك البيئة إلى مجتمع يتسم بالمجد والرقي والتقدم ؛ ولذلك أصبح
المجدد مجدداً ؛ لأنه جدد لأمته ما اندرس من دينها وتاريخها وقد ختمت النبوة بنبينا
محمد -صلى الله عليه وسلم - فلم يبق إلا المجددون والمصلحون ؛ يخرجونها من الظلمات
إلى النور فحري بك أن تكون أحد هؤلاء
.
وأختم هذه المقالة بإشارات تفتح
لك مغاليق الطريق
:
1-
ذلك الكم الهائل من عمرك والذي يعد بعشرات السنين ،
قد تحقق من أنفاس متعاقبة وثوان متلاحقة ، وآلاف الكيلو
مترات التي قطعتها في حياتك
؛ ليست إلا خطوات تراكمت فأصبحت شيئاً مذكوراً
.
وكذلك الأهداف الكبرى ؛
تتحقق رويداً رويدا ، وخطوة خطوة ، فعشرات المجلدات التي يكتبها عالم من العلماء ،
ليست إلا مجموعة من الحروف ضم بعضها إلى بعض ، حرفاً حرفاً ؛ فأصبحت تراثاً خالداً
على مر الدهور والأجيال
.
2-
علو الهدف يحقق العجائب ، فمن كافح ليكون
ترتيبه الأول ؛ يحزن إذا كان الثاني ومن كان همه دخول الدور الثاني ؛ يفرح إذا لم
يرسب إلا في نصف المقررات والمواد
.
وإذا كانت النفوس كـباراً
تعبت في
مرادها الأجسام
مـن يهـن يسهــــــل عليه
ما لجــــرح بميت إيـلام
3-
الإبداع لا يستجلب بالقوة , وتوتر الأعصاب ؛ وإنما بالهدوء
,
والسكينة وقوة الإيمان , والثقة بما وهبك الله من إمكانات ، مع الصبر والتصميم
,
وقوة الإرادة والعزيمة ؛ ولذلك فأكثر الطلاب تفوقاً ؛ أكثرهم هدوءاً , وأقلهم
اضطراباً عند الامتحان . وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- أشجع الناس ، وأربطهم
جأشاً ، وأثبتهم جناناً ، وأقواهم بأساً ؛ يتقون به عند الفزع لا يعرف الخوف إلى
قلبه سبيلاً
.
4-
التفكير السليم المنطقي يقود إلى النجاح ، والتخطيط العلمي
العملي طريق لا يضل سالكه
،وفشل كثير من المشروعات منشؤه الخطأ في طريقة
التفكير ، والمقدمات الخاطئة تقود إلى نتائج خاطئة
.
5-
الواقعية لا تتعارض
مع تحقيق أعظم الانتصارات , والريادة في صناعة الحياة ؛ بل هي ركن أساس من أركانها
، وركيزة يبنى عليها ما بعده ، وعاصم من الفشل والإخفاق بإذن الله
.
6-
كثير من المشكلات الأسرية , والشخصية , والاجتماعية ؛ منشؤها توهم صعوبة حلها , أو
استحالته . بينما قد يكون الحل قاب قوسين أو أدنى ؛ ولكن الأمر يحتاج إلى عزيمة
وتفكير ، يبدأ من تحديد المشكلة ثم تفكيكها إلى أجزاء ، ومن ثم المباشرة في علاج كل
جزء بما يناسبه
.
7– (
إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِين ُ
) (
الفاتحة:5) جماع الأمر ، ومدار العمل ، والقاعدة الصلبة التي بدونها تكون الحياة
هباء منثوراً
.
أخذنا من وقتكم كثيراً ، فهلموا إلى العمل والمجد والخلود
.