المراد بالإحرام
الإحرام لغة: نية الدخول في التحريم، فإن المحرم يحرم على نفسه بالإحرام ما كان مباحا له قبله، من النكاح، والطيب، والحلق، وأشياء من اللباس ونحو ذلك.
الإحرام شرعا: نية الدخول في النسك مع التلبية وسوق الهدي، فذات الإحرام مع النية وجودا وعدما. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ولا يكون الرجل محرما بمجرد ما في قلبه من قصد الحج ونيته. فإن القصد ما زال في قلبه منذ خرج من بلده، بل لا بد من قول أو عمل يصير به محرما- يعني كالتلبية أو سوق الهدي- هذا هو الصحيح من الأقوال.
قلت: فإذا وصل من يريد الحج أو العمرة الميقات، فيستحب له قبل إحرامه:
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم شرع للمسلمين تعاهد هذه الأشياء كل وقت، كما في الصحيحين عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الفطرة خمس: الختان، والاستحداد- يعني حلق العانة-، وقص الشارب، وقلم الأظفار ونتف الأباط متفق عليه .
وعن أنس- رضي الله عنه- قال: وقت لنا في قص الشارب، وقلم الأظفار ونتف الإبط، وحلق العانة، ألا نترك ذلك أكثر من أربعين ليلة رواه مسلم . وأخرجه النسائي وغيره بلفظ: وقت لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ... .
وأما الرأس فلا يشرع أخذ شيء منه عند الإحرام، لا في حق الرجال ولا في حق النساء.
وأما اللحية فيحرم حلقها أو أخذ شيء منها في جميع الأوقات، بل يجب إعفاؤها وتوفيرها، لما ثبت في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : خالفوا المشركين وفروا اللحى وأحفوا الشوارب .
وأخرج مسلم في صحيحه عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : جزوا الشوارب، وأرخوا اللحى، خالفوا المجوس . فما كان يحلق لحيته أو يأخذ منها، فعليه أن يتوب من ذلك ولا يعود إلى الحلق أو التقصير منها بعد التحلل من الإحرام، فإن الله تعالى قال: فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم
قال شيخ الإسلام: إن شاء المحرم أن يتطيب في بدنه فهو حسن، ولا يؤمر المحرم بذلك قبل الإحرام، فإن النبي صلى الله عليه وسلم فعله ولم يأمر به الناس، وظاهره كراهة تطييب ثوبه انتهى.
ودل الحديث على تخصيص البدن بالطيب، واستحباب استدامته، ولو بقي لونه ورائحته بلا نزع، ودل كذلك على وجود عين الطيب باقية لا الريح فقط. وإن أصاب لباس إحرامه شيء من الطيب تعين غسله كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك.
قال ابن القيم: ومذهب الجمهور جواز استدامة الطيب، للسنة الصحيحة أنه كان يرى وبيص الطيب في مفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد إحرامه، ولأنه غير متطيب بعد الإحرام .
وقال: حديث حسن صحيح. وعند النسائي: فإنها أطهر وأطيب . ولو أحرم في غيرها جاز إن كان مما يجوز لبسه. وقال ابن قدامة: ولو لبس إزارا موصلا أو اتشح بثوب مخيط كان جائزا.
قلت: لأن المنهي عنه من المخيط هو ما كان مخيطا على قدر البدن أو العضو الملبوس عليه، كالقميص ونحوه، وأن يلبس على هيئة لبسه المعتادة، ويستحب أن يحرم في نعلين لقول النبي صلى الله عليه وسلم : وليحرم أحدكم في إزار ورداء ونعلين أخرجه الإمام أحمد .
قلت: فمن لم يجد إزارا فإنه يلبس السراويل السروال في لغة العامة فقد صح عن ابن عباس- رضي الله عنهما- أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يخطب في عرفات، يقول: السراويل لمن لم يجد الإزار متفق عليه . فيلبس السراويل ولا يحتاج إلى فتق كما هو الأصح من قولي العلماء، وكما قال شيخ الإسلام.
قلت: وهذه مسألة يخطئ فيها كثير من الناس، فيحدث أن ينسى أحدهم ملابس إحرامه أو يطرأ عليه الحج أو العمرة وهو في الطائرة، فنتيجة جهلهم أو غفلتهم عن هذه المسألة يؤخرون الإحرام إلى جدة، فيرتكبون محظورا، وهو تجاوزهم الميقات دون إحرام. والواجب على من هذه حاله أن يخلع ملابسه ما عدا السراويل، وأن يجعل ثوبه أو غيره على كتفيه عرضا ليكون بدلا عن الرداء، وإن احتاج إلى أن يتزر به عرضا، ثم يلبي بالحج أو العمرة وهو كذلك، ولا حرج عليه في ذلك، فإذا وصل إلى أقرب مكان يجد فيه ملابس الإحرام اشتراها ولبسها، وبهذا يحصل له الإحرام من الميقات والسلامة من ارتكاب المحظور وصدق الله العظيم إذ يقول: وما جعل عليكم في الدين من حرج . ويقول: فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا . وهكذا من لم يجد النعلين فإنه يلبس الخفين، ولا يقطعهما، فإن النبي صلى الله عليه وسلم رخص في عرفات في لبس الخفين دون قطع لمن لم يجد النعلين . فلو كان القطع واجبا لبينه النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك الجمع العظيم، ولهذا كان الصحيح أن للمحرم أن يلبس ما دون الكعبين من الخفاف، سواء كان واجدا لنعلين، أو فاقدا لها.
وأما المرأة فيجوز لها أن تحرم فيما شاءت من الثياب، من أسود وأخضر أو غيرهما، مع الحذر مما فيه تبرج من شفاف، أو ضيق، أو قصير أو شهرة، وكذلك ما فيه تشبه بالرجال في لبسهم، أو ما هو من ألبسة الكفار أو ما كان مفصلا للوجه كالبرقع والنقاب، أو لليدين كالقفازين. وأما تخصيص العامة لونا معينا لإحرام المرأة، فهذا لا أصل له في الشرع.
قلت: والمقصود أنه يستحب الإحرام بعد صلاة إن تيسر له- ولا يصلي من أجل الإحرام- قال الترمذي- رحمه الله-: والذي يستحبه أهل العلم أن يحرم دبر الصلاة. وذكر النووي رحمه الله: أن استحبابه قول عامة العلماء. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: إن كان وقتها وإلا فليس للإحرام صلاة تخصه . وقال ابن القيم- رحمه الله-: ولم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم أنه صلى للإحرام ركعتين غير فرض، و إن لم يتفق له بعد فريضة وأراد أن يصلي- يعني ركعتي نافلة- فلا يركعهما وقت نهي للنهي عنه وليس من ذوات الأسباب .