أركان الإيمان : وهي : أن تؤمن بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، وباليوم الآخر ، وبالقدر خيره وشره من الله تعالى .
الدليل على ذلك حديث جبريل المشهور عندما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان قال : الإيمان بأن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ، ورسله ، واليوم الآخر ، وبالقدر خيره وشره .
أولا : الإيمان بالله : يتضمن الإيمان بالله تعالى أربعة أمور :
أ- الإيمان بوجود الله تعالى ، وقد دل على وجوده تعالى : الفطرة ، والعقل ، والشرع ، والحس .
أما دلالة الفطرة على وجوده فإن كل مخلوق قد فُطر على الإيمان بخالقه من غير سبق تفكير أو تعليم كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما من مولود إلا ويولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه .
وأما دلالة العقل على وجود الله تعالى : فلأن هذه المخلوقات سابقها ولاحقها لا بد لها من خالق أوجدها ، إذ لا يمكن أن توجد نفسها بنفسها ، ولا يمكن أن توجد صدفة .
وأما دلالة الشرع على وجود الله تعالى : فلأن جميع الكتب السماوية تنطق وتخبر بذلك . وأعظمها وأفضلها القرآن الكريم . وهكذا جميع الرسل وأفضلهم خاتمهم وإمامهم محمد صلى الله عليه وسلم كلهم أرشدوا إلى ذلك وبينوه .
وأما دلالة الحس على وجوده تعالى فمن وجهين :
أحدهما : أننا نسمع ونشاهد من إجابة الداعين ، وغوث المكروبين ما يدل دلالة قاطعة على وجوده تعالى .
والوجه الثاني : أن آيات الأنبياء التي تسمى معجزات ، ويشاهدها الناس ، أو يسمعون بها ، برهان قاطع على وجود خالق ومدبر ومتصرف بالكون وهو الله تعالى .
ب- الإيمان بربوبيته : أي بأنه وحده الرب لا شريك له ، ولا معين غيره ، والرب من له الخلق والملك والأمر ، فلا خالق إلا الله ، ولا مالك إلا هو ، قال تعالى : أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ وقال سبحانه : ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ .
جـ- الإيمان بألوهيته : أي بأنه وحده الإله الحق لا شريك له . والإله بمعنى ((المألوه)) أي المعبود حبا وتعظيما ، قال تعالى : وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ وقال تعالى : لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ .
د- الإيمان بأسمائه وصفاته : أي إثبات ما أثبته الله لنفسه في كتابه ، أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم من الأسماء والصفات على الوجه اللائق به من غير تحريف ، ولا تعطيل ، ولا تكييف ، ولا تمثيل ، قال تعالى : لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ .
الثمرات التي يثمرها الإيمان بالله : منها :
1 - تحقيق توحيد الله ؛ بحيث لا يتعلق القلب بغيره ، رجاءً ولا خوفا ، ولا يعبد غيره .
2 - كمال محبة الله تعالى ، وتعظيمه بمقتضى أسمائه الحسنى ، وصفاته العليا .
3 - تحقيق عبادته بفعل ما أمر به ، واجتناب ما نهى عنه .
ثانيا : الإيمان بالملائكة : أ- تعريف الملائكة : عالم غيبي مخلوقون من النور عابدون لله تعالى ، وليس لهم من خصائص الربوبية والألوهية شيء ، خلقهم الله من نور ، ومنحهم الانقياد التام لأمره ، والقوة على تنفيذه ، وهم عدد كثير لا يحصيهم إلا الله تعالى .
ب- يتضمن الإيمان بالملائكة أربعة أمور :
الأول : الإيمان بوجودهم .
الثاني : الإيمان بمن علمنا اسمه باسمه (كجبريل) ومن لم نعلم اسمه نؤمن به إجمالا .
الثالث : الإيمان بمن علمنا من صفاتهم .
الرابع : الإيمان بمن علمنا من أعمالهم التي يقومون بها بأمر الله تعالى مثل ملك الموت الموكل بقبض الأرواح عند الموت .
ثالثا : الإيمان بالكتب : والمراد بها الكتب التي أنزلها الله تعالى على رسله رحمة للخلق ، وهداية لهم ليصلوا بها إلى سعادتهم في الدنيا والآخرة .
الأمور التي يقتضيها الإيمان بالكتب : أولا : الإيمان بأن نزولها من عند الله حقا .
ثانيا : الإيمان بما علمنا اسمه منها باسمه كالقرآن الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم ، والتوراة التي أنزلت على موسى - عليه السلام- .
ثالثا : تصدق بما تسمع من أخبارها كأخبار القرآن ، وأخبار ما لم يبدل أو يحرف من الكتب السابقة .
رابعا : العمل بأحكام ما لم ينسخ منها ، والرضا والتسليم به سواء فهمنا حكمته ، أو لم نفهمها ، وجميع الكتب السابقة منسوخة بالقرآن العظيم . قال تعالى : وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ .
ما يثمره الإيمان بالكتب : أولا : العلم بعناية الله تعالى بعباده حيث أنزل لكل قوم كتابا يهديهم .
ثانيا : العلم بحكمة الله تعالى في شرعه ، حيث شرع لكل قوم ما يناسب أحوالهم كما قال تعالى : لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا .
رابعا : الإيمان بالرسل : والرسول هو من أُوحي إليه من البشر بشرع وأمر بتبليغه ، وأول الرسل نوح وآخرهم محمد - عليهم الصلاة والسلام- جميعا .
ولم تخل أمة من رسول يبعثه الله تعالى بشريعة مستقلة إلى قومه أو نبي يوحى إليه بشريعة من قبله من الرسل ليجددها قال تعالى : وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ . وقال تعالى : وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ . والرسل بشر من بني آدم مخلوقون ليس لهم من خصائص الربوبية والألوهية شيء وتلحقهم خصائص البشرية من الرحمة ، والموت ، والحاجة إلى الطعام والشراب وغير ذلك .
الأمور التي يتضمنها الإيمان بالرسل : أولا : الإيمان بأن رسالتهم حق من الله تعالى فمن كفر برسالة واحد منهم فقد كفر بالجميع ، قال تعالى : كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ .
ثانيا : الإيمان بمن علمنا اسمه منهم باسمه مثل : محمد ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى ، ونوح - عليهم الصلاة والسلام- ، وهؤلاء هم أولو العزم من الرسل ، وأما من لم نعلم اسمه منهم فنؤمن به إجمالا ، قال تعالى : وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ .
ثالثا : تصديق ما صح عنهم من أخبارهم .
رابعا : العمل بشريعة من أرسل إلينا منهم وهو خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم .
ثمرات الإيمان بالرسل : أولا : العلم برحمة الله تعالى وعنايته بعباده حيث أرسل إليهم الرسل لهدايتهم إلى صراط الله المستقيم ، وليبينوا لهم كيف يعبدون الله .
ثانيا : شكره تعالى على هذه النعمة الكبرى .
ثالثا : محبة الرسل- عليهم السلام- وتعظيمهم والثناء عليهم بما يليق بهم لأنهم رسل الله تعالى وقاموا بعبادته وتبليغ رسالته والنصح لعباده .
خامسا : الإيمان باليوم الآخر : اليوم الآخر هو يوم القيامة الذي يبعث الله الناس فيه للحساب والجزاء وسُمي بذلك لأنه لا يوم بعده .
ما يتضمنه الإيمان باليوم الآخر : أولا : الإيمان بالبعث ، والبعث حق ثابت دل عليه الكتاب والسنة وإجماع المسلمين .
ثانيا : الإيمان بالحساب والجزاء فيحاسب العبد على عمله ويجازى عليه ، وقد دل على ذلك الكتاب والسنة وإجماع المسلمين .
ثالثا : الإيمان بالجنة والنار وأنهما المآل الأبدي للخلق .
ويلحق الإيمان باليوم الآخر كل ما يكون بعد الموت مثل :
1 - فتنة القبر .
2 - عذاب القبر ونعيمه .
ثمرات الإيمان باليوم الآخر : أولا : الرهبة من فعل المعصية والرضى بها خوفا من عقاب الله في ذلك اليوم .
ثانيا : الرغبة في فعل الطاعة والحرص عليها ، لثواب ذلك اليوم .
ثالثا : تسلية المؤمن عما يفوته من الدنيا بما يرجوه من نعيم الآخرة وثوابها .
سادسا : الإيمان بالقدر : القدر : تقدير الله للكائنات حسبما سبق به علمه ، واقتضته حكمته .
الأمور التي يقتضيها الإيمان بالقدر : أولا : الإيمان بأن الله تعالى علم بكل شيء جملةً وتفصيلا أزلا وأبدا سواء كان ذلك مما يتعلق بأفعاله أو بأفعال العباد .
ثانيا : الإيمان بأنه كتب ذلك في اللوح المحفوظ .
ثالثا : الإيمان بأن جميع الكائنات لا تكون إلا بمشيئة الله تعالى : سواء كانت مما يتعلق بفعله أم مما يتعلق بفعل المخلوقين ، قال تعالى : وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ .
رابعا : الإيمان بأن جميع الكائنات مخلوقة لله تعالى بذواتها وصفاتها وحركاتها كما قال تعالى : اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ .
للإيمان بالقدر ثمرات جليلة منها : أولا : الاعتماد على الله عند فعل الأسباب بحيث لا يعتمد على السبب نفسه لأن كل شيء بقدر الله تعالى .
ثانيا : أن لا يعجب الإنسان بنفسه عند حصول مراده ، لأن حصول نعمة من الله تعالى بما قدره من أسباب الخير والنجاح ، وإعجابه بنفسه ينسيه شكر هذه النعمة .
ثالثا : الطمأنينة والراحة النفسية بما يجري عليه من أقدار الله الذي له ملك السماوات والأرض ، وهو كائن لا محالة كما قال تعالى : مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ .
وقد ضل في القدر طائفتان :
الأولى : الجبرية الذين قالوا إن العبد مجبر على عمله وليس له فيه إرادة ولا قدرة .
الثانية : القدرية : الذين قالوا إن العبد مستقل بعمله في الإرادة والقدرة وليس لمشيئة الله تعالى وقدرته أثر .
وأنكروا أن يكون الله قدَّر الأشياء وعملها قبل وجودها . وقول الطائفتين من أبطل الباطل .