بدأ ناصر حكاية قصة الألوان لأخته ، فقال :
في غابر الأزمنة لم يكن في الأرض غير لونين :الأزرق و الأصفر :
كانت مياه المحيطات الواسعة ، و البحار ، و البحيرات ، و الأنهار تفرش اللون الأزرق دون نهاية ، و كان اللون الأصفر منكمشاً برقعة صغيرة نسبياً على الأرض اليابسة ..
و لفترة طويلة لاحظ اللون الأزرق أن اللون الأصفر يتحرك في الأرض بحرية تامة ، فهو يطير في الأجواء على هيأة رياح ، و عواصف ، يحمل معه ذرات الرمال ، و ريش الطيور ، و بقايا جلود الحيوانات ، و شعرها .... و ينقلها إلى حيث يتجه .
أما هو ، اللون الأزرق ، فمسكين ، لا يستطيع تخطي حدود الموج الضيقة .. أو الخروج من البحر ..
فكر في الأمر ملياً و قرر إسالة الماء فوق الأرض اليابسة .. تدفق من البحيرات و الأنهار و سال من الأودية إلى الأرض ، لكنه لم يستطع الطيران ..
سال طويلاً حتى أنهكه التعب .. فتوقف ، فارشا جسمه الكبير ، الرطب فوق مساحات الأرض الصفراء الواسعة .
نام الماء الأزرق فوق الرمال الذهبية ، و كان مهموماً و حزيناً .. و لم يدر أن الكثير من الحبوب ، والبذور ، كانت تدفن نفسها في الرمال ـ تحته ـ خوفاً من الحرارة ..
الآن و قد غطتها المياه ، فقد فرحت .. و أخذت تشرب .. و تمد جذورا صغيرة ، متسللة إلى أعماق التربة لتجلب الأكل للوريقات الصغيرة التي بدأت تظهر .. و تمد أعناقها في الهواء ضاحكة .
كانت الشمس تطل على الأوراق ـ الصفراء الصغيرة الغضة النابتة ـ من السماء ، و تعطيها لونها الأخضر الممزوج من لون الماء والأرض ..
كثرت الأوراق الخضراء ، و انتشرت الخضرة اليانعة في الأرض .. وأخذت تمتد ، و تتوسع في الأرض ، و تغطي المساحات الصفراء .
من يومها والماء فرح و هو يرى ألواناً أخرى تولد .. و تتكاثر .