طائر صغير ، يعجبه لونه ، و لذا فهو لا يلتفت إلى الطيور الأخرى ، و لا يسمع ما يقوله جيرانه من الحيوانات الصغيرة .. قد يكون مغروراً ، إلا أنه ينفي ذلك ؛ و يقول إنه يحب أن يعيش حياته ، دون أن يتدخل الآخرون فيها .. يحب المشي المتمهل دائماً ، و يترك الطيران للضرورة ، حتى الركض بعيدا عن المزعجين الصغار من سكان الغابة لا يفعله إلا نادراً : ( هكذا أنا !! ) كما يردد دائماً .
الطائر ( فرفور ) ـ و هذا اسمه الذي يحبه ـ سمع اليوم جاره العجوز يناديه من بعيد .. كان جاره الغرنوق ، يجلس في الشمس المسائية مستدفئا من برودة الهواء القادمة مع غيوم الشمال .. لم يكن فرفور راغباً في تلبية النداء الممل ، لكنه كان يعرف أن الطائر العجوز لن يتركه يدور تحت الأشجار بتمهل ، و يراقب الأعشاب الصغيرة بكسل ، و ينظر إلى علو الأشجار بإعجاب ، بل سيلاحقه بصوته حتى يفسد عليه لذة هذا المساء .. و لذا فقد توجه إليه مسرعاً ليحسم الأمر ، و بالسرعة الممكنة .. اقترب فرفور متمهلا ، و قال :
-ماذا تريد أيها العجوز القابع في الشمس ؟
-أن أتحدث معك ، في أمرك ، أيها الفرفور !
-إنه أمري .. فلماذا تتدخل فيه ..لست أبي أو عمي .. مثلاً !!
قال فرفور العبارة الأخيرة بسخرية واضحة ، لكن الغرنوق الحكيم ، تجاهل ذلك ، وقال :
-لم أقصد الإهانة .. لكن الشتاء قريب أيها الفرفور ..
-و ماذا في ذلك ؟
-مذ اسقطت العاصفة الأخيرة شجرتك التي حفرت في أعلاها بيتك ، و أنت تدور بين هذه الأشجار دون بيت .. إنني جارك ، وأتساءل أين تبيت ؟
-فوق أي غصن !!
-و هل ستبقى هكذا من غصن لآخر ؟
-الوقت طويل .. و سأبني بيتي في الوقت المناسب .. هل تريد شيئاً آخر أيها الغرنوق ؟
-لا .. يا بني ، لكنني مستعد للمساعدة دائماً .. لا تنس : نحن جيران !!
غادر فرفور ليلهو في الغابة ، و ليلتقط الديدان ، و الفراشات الصغيرة لعشائه ، و يأكل بعض الثمار ثم ينام ..هكذا : كالأيام الماضية .. و كالأيام التي مرت سريعاً حتى أطل الشتاء دون معطف ثقيل .. وقتها ركض فرفور يميناً و شمالاً ، بل طار ، و طار متخلياً عن الكثير من الديدان الملتصقة بالجذوع ، باحثاً عن شق صغير في إحدى الأشجار ..ولم يجد ..بل وجد نفسه أمام خيار ين ، إما أن يلج في إحدى الجحور التي تمتلئ بالأفاعي الراغبة في التهام أي شيء يتحرك ، أو أن يبحث طوال الليل عن مكان ما .. في هذا الوقت سمع صوتاً بعيداًً ..
-آه .. إنه من كوخ الغرنوق العجوز !!
و بأقصى سرعة طار إليه ..و قبل أن يقرع بابه كان الغرنوق يشوي بعض الحبوب و الثمار لعشائه ، و يهتف بقصائده للسحب التي ستجلب المياه لسقيا الغابة .. رحب به الغرنوق ، و عشاه ، و غطاه ، و ناما حتى الصباح ، حيث اختار فرفور أن يبدأ في نقر الجزء المطل على كوخ الغرنوق ، من الخشبة الضخمة ، ليكون جاراً له ..
-هيا إلى العمل !
-لقد بدأت .. لكن الحفر صعب فقد تصلب الخشب من البرد !
-أعرف ذلك .. لكن لا بأس .. ستبقى في بيتي حتى نتم بناء بيتك .. ستشاركني في تبديد وحشة الشتاء في الليل !
-حاضر ..يا عم !