الــدار

الناقل : mahmoud | الكاتب الأصلى : جـبـير المليـحان | المصدر : www.arabicstory.net

دار الصمت حول البيت القديم عدة دورات ، حطّ ، و عشعش هناك :

ألقى بأغراضه الكثيرة دفعة واحدة ، ثم أخذ يرتبها في غرف البيت النائم ؛ أقام حفل عشاءه ، ثم استلقى : مطمئناً ، مبتسماً ، ساهراً ، ممتعاً نفسه بالظلمة ، و رنين الهواء في الشبابيك الواسعة المفتوحة ، و بعد أن فتنه الهدوء ، مدّ فراشه و نام .

 

عندما استيقظ البيت القديم ، في صباح لا شمس له ، عقدت لسانه الدهشة ، و هو لم يجد غير الصمت ممدداً في أرجائه كمسافر منهك أكله التعب فنام .

 

دار بنظرات نوافذه الواسعة داخل الغرف .. فلم يجد غير أثاث الصمت .. دار بنظراته خارجاً ، فوجد الأشجار تلعب مع بعضها ، والغيوم تتجه شمالاً ، والطيور تتقاطع في السماء ، و حيوانات صغيرة تتقافز .. لمس أعشاش العصافير في نوافذه ، و بيوت العناكب في زواياه ، و الزواحف المطمئنة تسرح في الأرجاء .. حتى الأوراق المتساقطة ، و الأعواد ، و ريش الطيور ، و الرمل ، و الغبار تتجمع في خاصرته ..

 

حزن لذلك كثيراً ، و بكى زمناً طويلاً .. انتظر .. انتظر .. و لم يهمس صوت ما ، لم تشهق ضحكة ، لم ترتفع أغنية مطلة برأسها من بعيد ، لم يعلو شجار….

 

أين الأطفال الذين يوجعون جدرانه بركلات كراتهم ؟

 

و يطعنون أبوابه بصراخهم ؟

 

أين الرجل الذي يرتق ثوبه بالطين و التبن ؟

 

أين المرأة التي تلتقط الأعواد الصغيرة من جسد باحته ؟

 

أين الفتاة التي تزرع سنابلها في مرياه ؟

 

أين ؟ و أين ؟

 

لم يحر جواباً ، فركن إلى الصمت و طلب وده ، و فتح بابه لأولاده :

 

 

الريح و الغبار و النسيان ، و منحها حرية العيش و الحركة في كل أرجائه .. أما هو ، فبعد أن ينام الصمت يبقى وحيداً في الليل ، مفكرأ ، يراقب أشباح الأشجار التي لا تنام .. ترى لو كان مقبرة هل سكن الصمت فيه ؟