ماء

الناقل : mahmoud | الكاتب الأصلى : جـبـير المليـحان | المصدر : www.arabicstory.net

 

 

تتفجر الأسئلة في رأس الفتى كالينابيع الساخنة، فيفزّ من رقادِهِ ويركض في شمس النهار وسط شارع مدينـته ويسمع صوتاًَ خافتاًَ يشبِه الأنين.

 

يقول :

في مدينتنا هذه حيان.

في كل حي بيت واحد.

يحدق في الأرض فيرى :

الماء ينبع في المدينة من الأرض .والمياه تُجمَعُ . تنقلها الصهاريج . تُفرَغُ في براميل واسعة . تُنقَلُ للتخزين .وتُبَاعُ للتجار .

ما تبقى تأخذ الدواب و الأشجار منه ما تيسر لها. و جزء تشربه شقوق الأرض .

الفتى يسمع صوت الأنين .

يمشي :

الحيان في المدينة يفصل بينهما شارع ، في الجهة اليمنى يقع بيت كبير ، تتعدد غرفه ، وتتسع . يسكن فيه أناس يدورون جُلًّ الوقت متضجرين من التنقل بين شرفات واسعة، يهب عليها النسيم، و تزقزق في أرجائها خضرة ربيع دائم طوال العام .

يلتفت :

فيرى في الجهة المقابلة نخلة طويلة تنتصب وسط بيت.

يقترب فيسمع صوتا يشبه الأنين، وتهب على وجهه رياح شتاء. يرى أناساً يتراكضون إلى باب غرفة وحيدة .. يدلف مع بابها . فيهش بوجهه المجتمعون ، وتنطلق من عيونهم كلمات حميمة فتملأ الجو دفئا .

يسمع أصواتاً خافتة كالغناء .. ينصت معهم إلى غناء الكلمات الطائرة في الجو، تدور الأغنيات حول سعف النخلة.. وتبدأ الرقصة .. تخرج القامات من الغرفة، ، و تتشابك الأيدي الدافئة حول النخلة مغنية لحنا شجيا .. يدورون، فيضيء الحوش ، وتسطع الجدران و تحلق طيور أو غيوم متشابهة .و إذ ذاك ينأى الحي الآخر و يتسلل بعض الفتية منه مشتعلين بأسئلتهم .

يهش لهم الفتى صادحا:

في مديـنـتـنا حيان،

واحد في ربيع دائم .

و آخر في الشتاء .

ينضوي الفتية إلى رقصة النخلة ملتقطين دفء الكلمات.. يرتفع نشيد باهر من الحناجر، ممتزجا بسعف النخلة:

ثمة صوت خافت يشبه الأنين تأسره الريح.

ثمة صوت يشبه الغناء يشربه الماء