الآبار
الناقل :
mahmoud
| المصدر :
www.islampedia.com
تعريف الآبار وبيان أحكامها العامة:
الآبار جمع بئر، مأخوذ من "بأر" أي حفر.
والأصل في ماء الآبار الطهورية (أي كونه طاهراً في نفسه مطهراً لغيره)، فيصح التطهير به اتفاقاً، إلا إذا تنجس الماء أو تغير أحد أوصافه على تفصيل في التغير في أحكام المياه. غير أن هناك آباراً تكلم الفقهاء عن كراهية التطهير بمائها لأنها في أرض مغضوب عليها. وهناك من الآبار ما نص الفقهاء على اختصاصها بالفضل، ورتبوا على ذلك بعض الأحكام.
حد الكثرة في ماء البئر وأثر اختلاطه بطاهر وانغماس أو مَنْ به نجاسة آدمي في طاهر.
اتفق فقهاء المذاهب
على أن الماء الكثير لا ينجسه شيء ما لم يتغير لونه أو طعمه أو ريحه. واختلفوا في حد الكثرة.
ذهب الحنفية
إلى أنها تقدر بما يوازي عشر أذرع في عشر دون اعتبار للعمق ما دام القاع لا يظهر بالاغتراف.
والذراع سبع قبضات، لأنها لو كانت عشراً في عشر فإن الماء لا يتنجس بشيء ما لم يتغير لونه أو طعمه أو ريحه، اعتباراً بالماء الجاري.
والقياس أن لا تطهر لكن ترك القياس للآثار، ومسائل الآبار مبنية على الآثار.
والمفتى به القول بالعشر ولو حكماً ليعم ما له طول بلا عرض في الأصح. وقيل المعتبر في القدر الكثير رأي المتبلى به، بناء على عدم صحة ثبوت تقديره شرعاً.
وذهب المالكية
إلى أن الكثير ما زاد قدره عن آنية الغسل، وكذا ما زاد عن قدر آنية الوضوء، على الراجح.
ويتفق الشافعية، والحنابلة
في ظاهر المذهب، على أن الكثير ما بلغ قلتين فأكثر، لحديث "إذا بلغ الماء قلتين لم ينجسه شيء" [رواه ابن ماجه] وفي رواية "لم يحمل الخبث." [رواه أحمد] وإن نقص عن القلتين برطل أو رطلين فهو حكم القلتين.
انغماس الآدمي في ماء البئر:
اتفق فقهاء المذاهب
على أن الآدمي إذا انغمس في البئر، وكان طاهراً من الحدث والخبث، وكان الماء كثيراً، فإن الماء لا يعتبر مستعملاً، ويبقى على أصل طهوريته.
ومذهب الشافعية
، والصحيح
عند الحنابلة
،أن الآدمي طاهر حياً أو ميتاً، وأن موت الآدمي في الماء لا ينجسه إلا إن تغير أحد أوصاف الماء تغيراً فاحشا. لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "المؤمن لا يَنْجُسُ". ولأنه لا ينجس بالموت، كالشهيد، لأنه لو نجس بالموت لم يطهر بالغسل، ولا فرق بين المسلم والكافر، لاستوائهما في الآدمية.
وذهب الحنفية
إلى أنه ينزح كل ماء البئر بموت الآدمي فيه، إذ نصوا على أنه ينـزح ماء البئر كله بموت سِنَّورَيْن أو كلب أو شاة أو آدمي. وموت الكلب ليس بشرط حتى لو انغمس وأخرج حيا ينـزح جميع الماء.
وإذا انغمس في البئر من به نجاسة حكمية، بأن كان جنباً أو محدثاً، فإنه ينظر: إم أن يكون ماء البئر كثيراً أو قليلاً، وإما أن يكون قد نوى بالانغماس رفع الحدث. وإما أن يكون بقصد التبرد أو إحضار الدلو.
فإن كان البئر مَعيناً، أي ماؤه جار، فإن انغماس الجنب ومن في حكمه لا ينجسه
عند المالكية وهو مذهب الحنابلة
إن لم ينو رفع الحدث. وهو اتجاه من قال من الحنفية: إن الماء المستعمل طاهر لغلبة غير المستعمل، أو لأن الانغماس لا يصيره مستعملاً، وعلى هذا فلا ينـزح منه شيء.
ويرى الشافعية
كراهة انغماس الجنب ومن في حكمه في البئر، وإن كان مَعيناً، لخبر أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يَغْتَسِلُ أحدُكم في الماء الدائم وهو جنب. [رواه مسلم].
ومذهب الحنابلة
إن نوى رفع الحدث. وإلى هذا يتجه من يرى من الحنفية أن الماء بالانغماس يصير مستعملاً.
وإذا كان ماء البئر قليلاً وانغمس فيه بغير نيّة رفع الحدث.
فالمالكية
على أن الماء المجاور فقط يصير مستعملاً.
وعند الشافعية والحنابلة
الماء على طهوريته.
واختلف الحنفية
على ثلاثة أقوال ترمز لها كتبهم: "مسألة البئر جحط". ويرمزون بالجيم إلى ما قاله الإمام من أن الماء نجس بإسقاط الفرض عن البعض بأول الملاقاة، والرجل نجس لبقاء الحدث في بقية الأعضاء، أو لنجاسة الماء المستعمل.
ويرمزون بالحاء لرأي أبي يوسف من أن الرجل على حاله من الحدث، لعدم الصب، وهو شرط عنده، والماء على حاله لعدم نية القربة، وعدم إزالة الحدث.
ويرمزون بالطاء لرأي محمد بن الحسن من أن الرجل طاهر لعدم اشتراط الصب، وكذا الماء لعدم نية القربة.
أما إذا انغمس في الماء القليل بنية رفع الحدث كان الماء كله مستعملاً
عند الحنفية والمالكية والشافعية، ولكن عند الحنابلة
يبقى الماء على طهوريته ولا يرفع الحدث. وكذلك يكون الماء مستعملاً عند الحنفية لو تدلّك ولو لم ينو رفع الحدث، لأن التدلك فعل منه يقوم مقام نية رفع الحدث.
أما إذا انغمس إنسان في ماء البئر وعلى بدنه نجاسة حقيقية، أو ألقي فيه شيء نجس، فمن المتفق عليه أن الماء الكثير لا يتنجس بشيء، ما لم يتغير لونه أو طعمه أو ريحه.
ذهب الحنابلة
، في أشهر روايتين عندهم، أن ما يمكن نـزحه إذا بلغ قلتين فلا يتنجس بشيء من النجاسات، إلا ببول الآدميين أو عَذرتهم المائعة.
وكذلك إذا ما سقط فيه شيء نجس، وفي مقابل المشهور في مذهب أحمد أن الماء لا ينجس إلا بالتغير قليلة وكثيرة.
وقد فصل الحنفية
هذا بما لم يفصله غيرهم، ونصوا على أن الماء لا ينجس بخرء الحمام والعصفور، ولو كان كثيراً، لأنه طاهر استحساناً، بدلالة الإجماع، فإن الصدر الأول ومن بعدهم أجمعوا على جواز اقتناء الحمام في المساجد، حتى المسجد الحرام، مع ورود الأمر بتطهيرها. وفي ذلك دلالة ظاهرة على عدم نجاسته. وخرء العصفور كخرء الحمامة، فما يدل على طهارة هذا يدل على طهارة ذاك. وكذلك خرء جميع ما يؤكل لحمه من الطيور على الأرجح.
أثر وقوع حيوان في البئر
الأصل أن الماء الكثير لا ينجس إلا بتغير أحد أوصافه.
واتفق فقهاء
المذاهب الأربعة على أن ما ليس له نفس سائلة، إذا ما وقع في ماء البئر، لا يؤثر في طهارته، وكذا ما كان مأكول اللحم، إذا لم يكن يعلم أن على بدنه أو مخرجه نجاسة، وخرج حياً، ما دام لم يتسبب في تغير أحد أوصاف الماء، عدا ما كان نجس العين كالخنـزير.
ويرى الحنابلة
وبعض الحنفية أن المعتبر السؤر، فإن كان لم يصل فمه إلى الماء لا ينـزح منه شيء، وإن وصل وكان سؤره طاهراً فإنه طاهر.
ويختلف الفقهاء فيما وراء ذلك.
فغير الحنفية من فقهاء المذاهب الأربعةيتجهون إلى عدم التوسع في الحكم بالتنجس بوقوع الحيوان ذي النفس السائلة (الدم السائل) عموماً وإن وجد اختلاف بينهم.
فالمالكية ينصون على أن الماء الراكد، أو الذي له مادة، أو كان الماء جارياً، إذا مات فيه حيوان برّي ذو نفس سائلة، أو حيوان بحري، لا ينجس، وإن كان يندب نـزح قدر معين، لاحتمال نـزول فضلات من الميت، ولأنه تعافه النفس. وإذا وقع شيء من ذلك، وأخرج حياً، أو وقع بعد أن مات بالخارج، فإن الماء لا ينجس ولا ينـزح منه شيء، لأن سقوط النجاسة بالماء لا يطلب بسببه النـزح.
وإنما يوجب الخلاف فيه إذا كان يسيراً. وموت الدابة بخلاف ذلك فيها. ولأن سقوط الدابة بعد موتها في الماء هو بمنزلة سقوط سائر النجاسات من بول وغائط، وذاتها صارت نجسة بالموت. فلو طلب النـزح في سقوطها ميتة لطلب في سائر النجاسات، ولا قائل بذلك في المذهب.
وقيل: يستحب النـزح بحسب كبر الدابة وصغرها، وكثرة ماء البئر وقلته.
وقال الشافعية:
إذا كان ماء البئر كثيراً طاهراً، وتفتَّتَتْ فيه نجاسة، كفأرة تمعَّط شعرها بحيث لا يخلو دلوٌ من شعرة، فهو طهور كما كان إن لم يتغير. وعلى القول بأن الشعر نجس ينـزح الماء كله ليذهب الشعر، مع ملاحظة أن اليسير عرفا من الشعر معفو عنه ما عدا شعر الكلب والخنـزير.
ويفهم من هذا أن ماء البئر إذا كان قليلاً فإنه يتنجس ولو لم يتغير.
ويقول الحنابلة:
إذا وقعت الفأرة أو الهرة في ماء يسير، ثم خرجت حية، فهو طاهر، لأن الأصل الطهارة. وإصابة الماء لموضع النجاسة مشكوك فيه. وكل حيوان حكم جلده وشعره وعرقه ودمعه ولعابه حكم سؤره في الطهارة والنجاسة.
ويفهم من قيد "ثم خرجت حية" أنها لو ماتت فيه يتنجس الماء، كما يفهم من تقييد الماء " باليسير" أن الماء الكثير لا ينجس إلا إذا تغير وصفه.
وذهب الحنفية
إلى أن الفأرة إذا وقعت هاربة من القط ينـزح كل الماء، لأنها تبول. وكذلك إذا كانت مجروحة و متنجسة. وقالوا: إن كانت البئر معيناً، أو الماء عشراً في عشر، ولكن تغير أحد أوصافه، ولم يمكن نـزحها، نـزح قدر ما كان فيها.
وإذا كانت البئر غير عين، ولا عشراً في عشر، نـزح منها عشرون دلواً بطريق الوجوب، إلى ثلاثين ندباً، بموت فأرة أو عصفور أو سام أبرص. ولو وقع أكثر من فأر إلى الأربع فكالوا حده عند أبي يوسف، ولو خمساً إلى التسع كالدجاجة، وعشراً كالشاة، ولو فأرتين كهيئة الدجاجة ينـزح أربعون عند محمد. وإذا مات فيها حمامة أو دجاجة أو سنور ينـزح أربعون وجوباً إلى ستين استحباباً. وفي رواية إلى خمسين.
وينـزح كله لسنَّورين وشاة، أو انتفاخ الحيوان الدموي، أو تفسخه ولو صغيراً. وبانغماس كلب حتى لو خرج حياً. وكذا كل ما سؤره نجس أو مشكوك فيه. وقالوا في الشاة إن خرجت حية فإن كانت هاربة من السبع نـزح كله خلافاً لمحمد.
وروي عن أبي حنيفة وأبي يوسف في البقر والإبل أنه ينجس الماء، لأنها تبول بين أفخاذها فلا تخلو من البول. ويرى
أبو حنيفة
نـزح عشرين دلواً، لأن بول ما يؤكل لحمه نجس نجاسة خفيفة، وقد ازداد خفة بسبب البئر فيكفي نزح أدنى ما ينـزح. وعن أبي يوسف: ينـزح ماء البئر كلُّه، لاستواء النجاسة الخفيفة والغليظة في حكم تنجس الماء.
تطهير الآبار وحكم تغويرها
ذهب المالكية والشافعية والحنابلة
إلى أنه إذا تنجس ماء البئر فإن التكثير طريق تطهيره عند تنجسها إذا زال التغير. ويكون التكثير بالترك حتى يزيد الماء ويصل حد الكثرة، أو بصب ماء طاهر فيه حتى يصل هذا الحد.
وأضاف المالكية
طرقاً أخرى، إذ يقولون: إذا تغير ماء البئر بتفسّخ الحيوان طعماً أو لوناً أو ريحاً يطهر بالنـزح، أو بزوال أثر النجاسة بأي شيء. بل قال بعضهم: إذا زالت النجاسة من نفسها طهر. وقالوا في بئر الدار المنتنة: طهور مائها بنـزح ما يذهب نتنه.
وذهب الشافعية
إلى أنَّ التطهير على التكثير فقط إذا كان الماء قليلاً (دون القلتين)، وإما بالترك حتى يزيد الماء، أو بصب ماء عليه ليكثر، ولا يعتبرون النـزح لينبع الماء الطهور بعده، لأنه وإن نـزح فقعر البئر يبقى نجساً كما تنجس جدران البئر بالنـزح. وقالوا: فيما إذا وقع في البئر شيء نجس، كفأر تمعط شعرها، فإن الماء ينـزح لا لتطهير الماء، وإنما بقصد التخلص من الشعر.
التطهير بالتكثير، إذا كان الماء المتنجس قليلاً، أو كثيراً لا يشق نـزحه ويخصون ذلك بما إذا كان تنجس الماء بغير بول الآدمي أو عذرته. ويكون التكثير بإضافة ماء طهور كثير، حتى يعود الكل طهوراً بزوال التغير.
أما إذا كان تنجس الماء ببول الآدمي أو عذرته فإنه يجب نـزح مائها، فإن شق ذلك فإنه يطهر بزوال تغيره، سواء بنـزح ما لا يشق نـزحه، أو بإضافة ماء إليه، أو بطول المكث، على أن النـزح إذا زال به التغير وكان الباقي من الماء كثيراً (قلتين فأكثر) يعتبر مطهراً
عند الشافعية.
وذهب الحنفية
إلى أن التطهير لا يكون إلا بالنـزح، لكل ماء البئر، أو عدد من الدلاء على ما سبق.
وإذا كان المالكية والحنابلة
اعتبروا النـزح طريقاً للتطهير فإنه غير متعيّن عندهم كما أنهم لم يحددوا مقداراً من الدلاء وإنما يتركون ذلك لتقدير النازح.
ومن أجل هذا نجدُ الحنفية هم الذين فصلوا الكلام في النزح، وهم الذين تكلموا على آلة النـزح، وما يكون عليه حجمها.
فإذا وقعت في البئر نجاسة نزحت، وكان نـزح ما فيها من الماء طهارة لها.
لو نـزح ماء البئر، وبقي الدلو الأخير فإن لم ينفصل عن وجه الماء لا يحكم بطهارة البئر، وإن انفصل عن وجه الماء، ونحي عن رأس البئر طهر. وأما إذا انفصل عن وجه الماء، ولم ينح عن رأس البئر، والماء يتقاطر فيه، لا يطهر عند أبي يوسف. وعند محمد يطهر.
وإذا وجب نـزح جميع الماء من البئر ينبغي أن تسد جميع منابع الماء إن أمكن، ثم ينـزح ما فيها من الماء النجس. وإن لم يمكن سد منابعه لغلبة الماء روي عن أبي حنيفة أنه ينـزح مائة دلو، وعن محمد أنه ينـزح مائتا دلو، أو ثلثمائة دلو؟ وعن أبي يوسف روايتان في رواية يحفر بجانبها حفرة مقدار عرض الماء وطوله وعمقه ثم ينـزح ماؤها ويصب في الحفرة حتى تمتلىء فإذا امتلأت حكم بطهارة البئر.
وفي رواية: يرسل فيها قصبة، ويجعل لمبلغ الماء علامة، ثم ينـزح منها عشر دلاء مثلاً، ثم ينظر كم انتقص، فينزح بقدر ذلك، ولكن هذا لا يستقيم إلا إذا كان دور البئر من أول حد الماء إلى مقر البئر متساوياً، وإلا لا يلزم إذا نقص شبر بنـزح عشر دلاء من أعلى الماء أن ينقص شبر بنزح مثله من أسفله، والأوفق أنه يؤتى برجلين لهما بصر في أمر الماء فينـزح بقولهما، لأن ما يعرف بالاجتهاد يرجع فيه لأهل الخبرة.
وذهب المالكية
إلى أن النـزح طريق من طرق التطهير. ولم يحددوا قدراً للنـزح، وقالوا إنه يترك مقدار النـزح لظن النازح. قالوا: وينبغي للتطهير أن ترفع الدلاء ناقصة، لأن الخارج من الحيوان عند الموت مواد دهنية، وشأن الدهن أن يطفو على وجه الماء، فإذا امتلأ الدلو خشي أن يرجع إلى البئر.
وذهب الحنابلة إلى أن
: لا يجب غسل جوانب بئر نـزحت، ضيقة كانت أو واسعة، لا غسل أرضها، بخلاف رأسه. وقيل يجب غسل ذلك، وقيل إن الروايتين في البئر الواسعة، وأما الضيقة فيجب غسلها رواية واحدة.
وقد بينا
أن الشافعية
لا يرون التطهير بمجرد النـزح.
آلة النـزح
منهج الحنفية،
القائل بمقدار معين من الدلاء للتطهير في بعض الحالات، يتطلب بيان حجم الدلو الذي ينـزح به الماء النجس. فقال البعض: المعتبر في كل بئر دلوها، صغيراً كان أو كبيراً. وروى عن أبي حنيفة أنه يعتبر دلو يسع قدر صاع. وقيل المعتبر هو المتوسط بين الصغير والكبير. ولو نـزح بدلو عظيم مرة مقدار عشرين دلواً جاز. وقال زفر: لا يجوز لأنه بتواتر الدلو يصير كالماء الجاري.
وبطهارة البئر يطهر الدلو والرِّشاء والبكرة ونواحي البئر ويد المستقي. وروى عن أبي يوسف أن نجاسة هذه الأشياء بنجاسة البئر، فتكون طهارتها بطهارتها، نفياً للحرج.
ولم يتعرض فقهاء المذاهب الأخرى -على ما نعلم- لمقدار آلة النـزح. وكل ما قالوه أن ماء البئر إذا كان قليلاً، وتنجس، فإن الدلو إذا ما غرف به من الماء النجس القليل تنجس من الظاهر والباطن. وإذا كان الماء مقدار قلتين فقط، وفيه نجاسة جامدة، وغرف بالدلو من هذا الماء، ولم تغرف العين النجسة في الدلو مع الماء فباطن الدلو طاهر، وظاهره نجس، لأنه بعد غرف الدلو يكون الماء الباقي في البئر والذي احتك به ظاهر الدلو قليلاً نجساً.
آبار لها أحكام خاصة
آبار أرض العذاب
أرض العذاب: هي أرض نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن دخولها، كأرض بابل، وديار ثمود، وذلك لغضب الله عليها، كما نهى عن الانتفاع بآبارها.
حكم التطهر والتطهير بمائها:
ذهب الحنفية والشافعية
إلى صحة التطهر والتطهير بمائها مع الكراهة.
ودليلهم على صحة التطهير بمائها العمومات الدالة على طهارة جميع المياه ما لم تتنجس أو يتغير أحد أوصاف الماء، والدليل على الكراهة أنه يخشى أن يصاب مستعمله بأذى لأنها مظنة العذاب.
ذهب جمهور المالكية
وقول ظاهر
عند الحنابلة
إلى الجزم بعدم التطهير. مثل أرض ثمود كبئر ذي أروان وبئر برهوت
والدليل على عدم صحة التطهير بماء هذه الآبار أن النبي صل الله عليه وسلم أمر بإهراق الماء الذي استقاه أصحابه من آبار أرض ثمود، فإن أمره بإهراقها يدل على أن ماءها لا يصح التطهير به. وهذا النهي وإن كان وارداً في الآبار الموجود بأرض ثمود إلا أن غيرها من الآبار الموجودة بأرض غضب الله على أهلها يأخذ حكمها بالقياس عليها بجامع أن كلا منها موجود في أرض نزل العذاب بأهلها.
وذهب الحنابلة
إلى إبقاء ما وراء أرض ثمود على القول بطهارتها، وحملوا النهي على الكراهة، وكذلك حكموا بالكراهة على الآبار الموجودة بالمقابر، والآبار في الأرض المغصوبة، والتي حفرت بمال مغصوب.
البئر التي خصت بالفضل:
بئر زمزم بمكة لها مكانة إسلامية.
وروى ابن عباس أن رسول الله قال: "خير ماء على وجه الأرض زمزم." رواه الطبراني في الأكبر وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ماء زمزم لما شرب له، وإن شربته تستشفي به شفاك الله، وإن شربته لقطع ظمئك قطعه الله." [رواه الدارقطني والحاكم].
وللشرب منه واستعماله آداب نص عليها الفقهاء. فقالوا إنه يستحب لشربه.
1. أن يستقبل القبلة،
2. ويذكر اسم الله تعالى.
3. ويتنفس ثلاثاً.
4. ويتضلع منه.
5. ويحمد الله تعالى.
6. ويدعو بما كان ابن عباس يدعو به إذا شرب منه "اللهم إني أسألك علماً نافعاً، ورزقاً واسعاً، وشفاءً من كل داء". ويقول: "اللهم إنه بلغني عن نبيك صلى الله عليه وسلم أن ماء زمزم لما شرب له وأنا أشربه لكذا".
ويجوز بالاتفاق نقل شيء من مائها. والأصل في جواز نقله ما جاء في جامع الترمذي عن السيدة عائشة أنها حملت من ماء زمزم في القوارير، وقالت: حمل رسول الله صلى الله عليه وسلم منها وكان يصب على المرضى، ويسقيهم. رواه الترمذي.
اتفق الفقهاء
على عدم استعماله في مواضع الامتهان، كإزالة النجاسة الحقيقية.
واتفق الفقهاء على أنه لا ينبغي أن يغسل به ميت ابتداءً.
وذهب المالكية
إلى جواز التطهير أي الوضوء والغسل بماء زمزم.
وذهب الشافعية
إلى جواز استعمال ماء زمزم في الحدث دون الخبث.
وقال الحنابلة:
ولا يكره الوضوء والغسل بماء زمزم على ما هو الأولى في المذهب.
وذهب الحنفية
إلى التصريح بأنه لا يغتسل به جنب ولا محدث