أمل كبير وضاء كثيراً ما يدور بأذهان الآباء والأمهات يدعوهم أن يتميز أبناؤهم وينبتوا صالحين نابهين نافعين لأمتهم، وأن يخرجوا أصحاب إنجازات باهرة وابتكارات نافعة، وأن يجعلهم قدوة لغيرهم. ولكن كثيراً ما تتبخر هذه الآمال مع مشاغل الحياة ودورة الأيام وضغوط المطالب الدراسية على الأبناء وجاذبية الألعاب وتضييع الأوقات فيما لا ينفع. ونحاول هنا معا في هذا المقال أن نقدم للآباء والأمهات بعضا من النصائح العملية التطبيقية للانتفاع بها في تنمية مواهب واستخراج إبداعاتهم أبنائنا....عاقدين العزم على تخصيص سلسلة متكاملة للحديث المفصل في هذا الموضوع الهام.. أولاً: نحن قدوة لهم إذا أردنا تميزهم: قد ينظر الأبوان إلى أنفسهم فلا يجدوا أنفسهم قد برعوا في شيء متميز أو أبدعوا شيئا متميزا أو كانت لهم مواهب جلية أو غيره، فعندها قد يصاب الأبوان بالصمت المطبق ويمتنعون عن أن يبدوا اهتماما بإبداع أبنائهم، أو على الأقل يظنون أنهم لن يصلحوا قدوة لهم في هذه الجوانب الإبداعية والمواهب الخلاقة: وأجيب عليهم رافضا موقفهم كل الرفض، فليس مقصودا من أن نطلب منهم أن يكونوا قدوة لأبنائهم أن يكونوا متميزين فيما يطلبونه من الابن.. فهذا قد يصعب على عدد غير قليل من الآباء والأمهات، ولكن يستطيع الوالد أن يكون قدوة في التشجيع إلى ما يؤدي إلى الموهبة، وما يؤهل إليها وما ينميها عند ولده، وتهيئة الظروف لذلك، ونصحه ودفعه للتميز في موهبته، والاهتمام بما يتميز فيه، وتشجيعه في ذلك..وغيره ثانياً: الملاحظة طريق الاكتشاف: هو أسلوب علمي وخطوة منهجية ناجحة، أن يهتم الوالدان بملاحظة سلوك أبنهم وملاحظة نبوغه أو تميزه في أي المجالات وملاحظة إبداعه وابتكاره في أي الجوانب. والابن في أحيان كثيرة لا ينتبه لما يميزه وقد لا يستطيع أن يعبر عن إبداعه في أي المجالات، ولكنه قد يعبر عنه بطريق غير مباشر كأن يقول: إنه يحب حصة اللغة العربية، وأنه يحب أكثر ما يحب فيها التعبير، أو يقول إنه اليوم قد صار متقدما في لعبة رياضية كذا أو أنه كلما شاهد مدرس مادة المهارات انشرح صدره أو أنه يفضل شراء ألعاب الفك والتركيب أو أنه يجد نفسه كثيرا عندما يقرأ مجلة معينة أو أنه يفضل رؤية التحولات الكيميائية المختلفة في معمل المدرسة...
إلى غير ذلك من طرق تعبير الأبناء، وكل هذه الطرق في التعبير وغيرها يجب أن يتابعها الآباء ولا تمر عليهم بلا تدبر وبحث، إنما الواجب على الوالد أن يضع تلك التصريحات تحت التدقيق والبحث بحيث إذا وجدها تتكرر من ولده علم أن الابن تستهويه مجالات معينة ولا تستهويه الأخرى، وواجب الوالدين عندئذ أن يشجعوه فيما يحب إذا كان خيراً، ويدفعوه إلى الاستزادة منه، وأن لا يزيدوا كراهيته فيما يكره، إلا إن كان شرا، فعندئذ يزجروه عنه ويحذروه منه. ثالثا: كيف أشجع أبنائي؟ بعد الملاحظة الدقيقة والمتابعة الجيدة لحال الابن هناك خطوة أخرى هامة علينا أن نهتم بها، وهي رسم خطة تربوية لتشجيع الأبناء، فكثير من الآباء يرى أن التشجيع إنما هو كلمة طيبة ونصيحة طويلة ثم أن يشتري الأب أم الأم له ما يحب أو ما يفضل.. وأنا هنا أختلف إلى حد كبير مع هذا المنهج المنتشر.. فللتشجيع طرق وأساليب أخرى أكثر تعقيدا وأكثر علمية، فالخطة التربوية للتشجيع يجب أن تتخذ خطوات متدرجة ولا تعتمد على وسيلة واحدة أو اثنتين، فينبغي في البداية أن يعقد الوالد جلسات للتفريغ الوجداني في المنزل، تسودها مشاعر أبوية تملؤها الرحمة والمودة، يعبر الابن فيها عن رغباته وعن بعض مكنونات نفسه، وعندها على الوالد أن يستزيد في معرفة ما أكدته الملاحظة عنده
، ثم عليه أن يتابع مدرسيه في المدرسة ويتأكد من صحة ملاحظته ونتائج جلسات التفريغ الوجداني، فإذا تأكد لديه حب الولد للإبداع وتميزه في جانب معين فعليه أن يؤدي أمورا ويحذر من أمور أما المحاذير فسأؤخرها لمحور قادم وأما الأمور التي عليه أن يؤديها فمنها: أن يتعمد إجراء بعض الخطوات لجذب الولد نحو ما يحب، كأن يحدثه عن نبوغ أحد النابغين في نفس المجال الذي يفضله الابن، ويكثر من ذلك، ثم في يوم آخر وبطريقة أخرى يحدثه عن مدى نفع هذا المجال للمجتمع وللفرد، ثم هو يؤخر عنه شراء بعض الأدوات التي تنفعه في ذلك المجال ويحدثه عنها قبل شرائها، حتى إذا ألح الابن في طلبها اشتراها له فيعرف قيمتها ويحبها.. ويمكن للوالدين أن يتحدثا بتميز ولدهما أمام الأقارب الثقات والمحبين كالجد والجدة والعم والعمة وغيرهم ليبثوا في الولد الفرحة بما يفعل وليجد التشجيع منهم أيضا، وكذلك إذا أفلح الابن في عمل إنجاز أيا كان فعليهم إبداء السعادة به وتقديره وإبداء الإعجاب به، ومن الأساليب المميزة في ذلك أن يجمع الوالدان والمربي بعض أقرانه ليعلمهم تميزه ويشرح لهم بعض ما خفي عنهم فيه فيحب الابن تميزه أكثر ويتعمق فيه أكثر وأكثر.. ومن أساليب التشجيع الحسنة أيضا أن يضفي أهل البيت على الابن أحد الألقاب المميزة له والتي تدل على مجال نبوغه مثل: يا مهندس أو يا كاتب أو يا شاعر أو يا مخترع.. أو مثل ذلك.. لكن ليكن ذلك لمدة مقطوعة وليست مستديمة، ويتجدد اللقب كلما ظهر بإنجاز... إلى غير ذلك. رابعا: محاذير ونصائح: 1- احذر أيها المربي من قسر الولد على موهبة بعينها قسرا ولكن ابدأ بتحبيبه فيما تريد أن تحببه فيه واجعل لذلك وقت فإن التحبيب لا يتكون في لحظة من نهار ولا في يوم من أسبوع ولكن مع تكرار وأيام. 2- قد يبدو من الابن أكثر من موهبة فاحذر من إهمال أحدها بالكلية بحجة التركيز على واحدة ولكن اهتم أكثر بأهمها قيمة ثم التي تليها وهكذا.. واعلم أن الأبناء لديهم قدرات مكنونة قد يتعجب لها المتابع إذا استمتعوا بما يفعلون ووجدوا فيه أنفسهم وزادت قناعتهم فيه. 3- التأهيل العلمي والتحسين المنهجي ضروريان للموهبة التي يتميز فيها الطفل والمجال الذي ينجز فيه فلا تدع العشوائية تسيطر على هذا التميز. 4- لا تغلق عقل ابنك على مجموعة تعينها بذاتها للمواهب أو للنبوغ فإن المجالات متعددة فمن ذلك: حفظ العلوم الإسلامية والنبوغ في ذلك، أو كتابة المقالات الأدبية أو الشعر والنثر والأدب، أو كتابة القصة الرصينة ذات الهدف الراقي، أو ما يتعلق ببرامج الكمبيوتر المختلفة، أو دراسة اللغات المختلفة، أو الرياضة بأنواعها المفيدة أو غيره. 5- هناك من الهوايات ما هو منتشر بين الأبناء وهو تافه لا قيمة له ولا تبني شيئا مفيدا لدى الأولاد ومن مثال ذلك ما يطلقون عليه: جمع الطوابع وجمع العملات وجمع الصور وآثار الحضارات الوثنية البائدة.. وغير ذلك مما هو شينة ومنقصة لمن يهواها وليس ميزة. 6- هناك ما يمكننا أن نطلق عليه (محو الأمية العصري) وهو ما لا يسع أبناؤنا جهله وهو ما يتعلق بأسس تشغيل والاستفادة من الكمبيوتر وطرق معرفتها وكذلك تعلم اللغات الأجنبية التي تمكننا من فهم حضارات الغرب وخبراتهم الحسنة وتمكننا من التميز عليهم ودعوتهم ومخاطبتهم بلسانهم فيما نعبر به عن أنفسنا وديننا.