مسائل تتعلق بالقضاء
الناقل :
mahmoud
| المصدر :
www.islampedia.com
مسائل تتعلق بالقضاء:
الأولى:
إن أخر قضاء رمضان -وكذا النذر والكفارة - لعذر، بأن استمر مرضه أو سفره المباح إلى موته، ولم يتمكن من القضاء، فلا شيء عليه، ولا تدارك للغائب بالفدية ولا بالقضاء، لعدم تقصيره، ولا إثم به، لأنه فرض لم يتمكن منه إلى الموت، فسقط حكمه، كالحج، ولأنه يجوز تأخير رمضان بهذا العذر أداء، فتأخير القضاء أولى.
وسواء استمر العذر إلى الموت، أم حصل الموت في رمضان، ولو بعد زوال العذر.
الثانية:
لو أفطر بعذر واتصل العذر بالموت فقد
اتفق الفقهاء
على أنه لا يصام عنه ولا كفارة فيه، لأنه فرض لم يتمكن من فعله إلى الموت فسقط حكمه، كالحج.
- أما إذا زال العذر وتمكن من القضاء، ولم يقض حتى مات ففيه تفصيل:
فذهب جمهور الفقهاء (الحنفية والمالكية والحنابلة في المذهب، وهو الأصح عند الشافعية)
إلى أنه لا يصام عنه، لأنه الصوم واجب بأصل الشرع لا يقضى عنه، لأنه لا تدخله النيابة في الحياة فكذلك بعد الممات كالصلاة.
وذهب الشافعية في قول والحنابلة
إلى أنه يجوز لوليه أن يصوم عنه،
زاد الشافعية
: ويصح ذلك، ويجزئه عن الإطعام، وتبرأ به ذمة الميت ولا يلزم الولي الصوم بل هو إلى خيرته، لحديث عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم: "من مات وعليه صيام صام عنه وليه" رواه البخاري ومسلم.
·
أما في وجوب الفدية فقد اختلفوا فيه على النحو التالي:
ذهب الحنفية
: لو أخر قضاء رمضان بغير عذر، ثم مات قبل رمضان آخر أو
بعده، ولم يقض لزمه الإيصاء بكفارة ما أفطره بقدر الإقامة من السفر والصحة من المرض وزوال العذر، ولا يجب الإيصاء بكفارة ما أفطره على من مات قبل زوال العذر.
وذهب الشافعية
إلى أنه يجب في تركته لكل يوم مد من طعام.
وذهب الحنابلة في المذهب
إلى الإطعام عنه لكل مسكيناً.
والظاهر من مذهب المالكية:
وجوب مد عن كل يوم أفطره إذا فرّط، بأن كان صحيحاً مقيماً خالياً من الأعذار.
ثانياً: الكفارة الكبرى:
ثبتت الكفارة الكبرى بالنص في حديث الأعرابي الذي واقع زوجته في نهار رمضان.
ولا خلاف بين الفقهاء
في وجوبها بإفساد الصوم بالوقاع في الجملة، وإنما الخلاف في وجوبها بإفساده بالطعام والشراب: فتجب -في الجملة أيضاً- بإفساد صوم رمضان خاصة، طائعاً متعمداً غير مضطر، قاصداً انتهاك حرمة الصوم، من غير سبب مبيح للفطر.
وقال الحنفية
: إنما يكفّر إذا نوى الصيام ليلاً، ولم يكن مكرهاً، ولم يطرأ مسقط، كمرض وحيض.
فلا كفارة في الإفطار في غير رمضان، ولا كفارة على الناسي والمكره ولا على النفساء والحائض والمجنون، ولا على المريض والمسافر، ولا على المرهق بالجوع والعطش، ولا على الحامل، لعذرهم ... ولا على المرتد، لأنه هتك حرمة الإسلام، لا حرمة الصيام خصوصاً.
فتجب بالجماع عمداً، لا ناسياً - خلافاً
لأحمد
.
وتجب بالأكل والشرب عمداً، خلافاً
للشافعي وأحمد
، وتقدمت موجبات أخرى مختلف فيها، كالإصباح بنية الفطر ورفض النية نهاراً والاستقاء العامد، وابتلاع ما لا يغذي عمداً.
أما خصال الكفارة فهي: العتق والصيام والإطعام، وهذا بالاتفاق بين الفقهاء، لحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: "بينما نحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل، فقال: يا رسول الله هلكت قال: مالك؟ قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هل تجد رقبة تعتقها؟ قال: لا، قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا، قال: فهل تجد إطعام ستين مسكيناً؟ قال: لا، قال: فمكث النبي صلى الله عليه وسلم فبينا نحن على ذلك، أتى النبي صلى الله عليه وسلم بعَرَقٍ
(1)
فيها تمر، قال: أين السائل؟ فقال: أنا، قال: خذ هذا فتصدق به فقال الرجل: على أفقر مني يا رسول الله فوالله ما بين لابتيها -يريد الحرتين- أهل بيت أفقر من أهل بيتي فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه، ثم قال: أطعمه أهلك".
________________________
(1) مكتل في خوص النخل يسع خمسة عشر صاعاً. والصاع أربعة أمداد، فهي ستون مداً.
وفي الحديث دلالة قوية على الترتيب.
ثالثاً: الفدية:
أما الفدية: فالكلام في حكمها، وسببها، وتكررها بتكرر السنين:
فحكم الفدية:
الوجوب، لقوله تعالى: {
وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ
} [البقرة: 184] أي على الذين يتحملون الصوم بمشقة شديدة الفدية.
والفدية عند الحنفية
: نصف صاع من بر أي قيمته، بشرط دوام عجز الفاني والفانية إلى الموت.
وعند الجمهور: ومد من الطعام من غالب قوت البلد عن كل يوم، بقدر ما فاته من الأيام.
وسببها:
1- العجز عن الصيام، فتجب باتفاق الفقهاء على من لا يقدر على الصوم بحال، وهو الشيخ الكبير والعجوز، إذا كان يجهدهما الصوم ويشق عليهما مشقة شديدة، فلهما أن يفطرا ويطعما لكل يوم مسكيناً، للآية السابقة: {
وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ
} [البقرة: 184] وقول ابن عباس: "نزلت رخصة للشيخ الكبير. ولأن الأداء صوم واجب، فجاز أن يسقط إلى الكفارة كالقضاء. والشيخ الهرم له ذمة صحيحة، فإن كان عاجزاً عن الإطعام أيضاً فلا شيء عليه، و{
لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا
} [البقرة: 286].
وقال الحنفية: يستغفر الله سبحانه، ويستقبله أي يطلب منه العفو عن تقصيره في حقه.
وأما المريض إذا مات فلا يجب الإطعام عنه، لأن ذلك يؤدي إلى أن يجب على الميت ابتداء، بخلاف ما إذا أمكنه الصوم فلم يفعل، حتى مات، لأن وجوب الإطعام يستند إلى حال الحياة.
2- وتجب الفدية أيضاً بالاتفاق على المريض الذي لا يرجى برؤه، لعدم وجوب الصوم عليه، كما بينا، لقوله عز وجل: {
وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ
} [الحج: 78].
3- وتجب الفدية كذلك
عند الجمهور (غير الحنفية)
مع القضاء على الحامل والمرضع إذا خافتا على ولدهما، أما إن خافتا على أنفسهما، فلهما الفطر، وعليهما القضاء فقط، بالاتفاق. ودليلهم الآية السابقة: {
وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ
..} وهما داخلتان في عموم الآية، قال ابن عباس: "كانت رخصة للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة، وهما يطيقان الصيام أن يفطرا، ويطعما مكان كل يوم مسكيناً، والحبلى والمرضع إذا خافتا على أولادهما أفطرتا وأطعمتا" رواه أبو داود، ولأنه فطر بسبب نفس عاجزة من طريق الخلقة، فوجبت به الكفارة كالشيخ الهرم.
وذهب الحنفية
إلى أنه لا تجب عليهما الفدية مطلقاً، لحديث أنس بن مالك الكعبي: "إن الله وضع عن المسافر شطر الصلاة، وعن الحامل والمرضع الصوم -أو الصيام- والله لقد قالهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، أحدهما أو كليهما" رواه الترمذي. فلم يأمر بكفارة، ولأنه فطر أبيح لعذر، فلم يجب به كفارة كالفطر للمرضى.
4- وتجب الفدية أيضاً مع القضاء
عند الجمهور (غير الحنفية)
على من فرط في قضاء رمضان، فأخره حتى جاء رمضان آخر مثله بقدر ما فاته من الأيام، قياساً على من أفطر متعمداً، لأن كليهما مستهين بحرمة الصوم، ولا تجب على من اتصل عذره من مرض أو سفر أو جنون أو حيض أو نفاس.
تكرر الفدية:
ولا تتكرر الفدية عند المالكية والحنابلة بتكرر الأعوام وإنما تتداخل كالحدود، والأصح في رأي الشافعية: أنها تتكرر بتكرر السنين، لأن الحقوق المالية لا تتداخل.
وقال الحنفية: لا فدية بالتأخير إلى رمضان آخر، لإطلاق النص القرآني. {
فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ
} فكان وجوب القضاء على التراخي، حتى كان له أن يتطوع، فلا يلزمه بالتأخير شيء ولأنه لا يجوز القياس في الكفارات، غير أنه تارك للأولى من المسارعة في القضاء.
وأما قطع التتابع:
فهو عند المالكية لمن أفطر متعمداً في صيام النذر والكفارات المتتابعات كالقتل والظهار، فيستأنف، بخلاف من قطع الصوم ناسياً أو لعذر، أو لغلط في العدة، فإنه يبني على ما كان معه.
وذهب بقية المذاهب الأخرى خلاف المالكية.
وأما قطع النية:
فإنها تنقطع بإفساد الصوم أو تركه مطلقاً لعذر أو لغير عذر، ولزوال انحتام الصوم كالسفر، وإن صام فيه، وإنما ينقطع استصحابها حكماً. وهذا عند المالكية الذين يكتفون بنية واحدة أو شهر رمضان.