في الطريقِ إلى الليلِ
كان المغنّي حزيناً
يقطّعُ بالنايِ مرثيّةَ العمرِ بيتاً فبيتْ!
كانَ مثلَ الغريبِ وحيدَ المواويل،
مستوحشَ العمرِ، تعبانَ، ميتْ!
قلت: يا والد الحزنِ
إنّا رأيناكَ تبكي
كسيفِ المواويلِ في الليلِ
فرداً ضريراً
لماذا بكيتْ؟!
وعرفناك لا فاقداً فنواسيكَ
أو يائساً فنسلّيكَ..
لا أنتَ ظمآن نسقيكَ شربةَ ماءٍ
ولا أنت عريانَ نكسيكَ..
كانَ المغيبُ شجيّاً بعينيكَ،
والليلُ دائرةً من بكاءٍ وصمتْ!
فلماذا بكيتْ؟
ولماذا دشرتَ مع الريحِ
متّخذاً من عراء الكوانينِ داراً وبيتْ؟
هل أصابكَ حزنٌ قديمٌ
فأوجعكَ الليلُ في الناي
حتى تلبّسكَ اليأسُ
والانتحارُ اعتراكْ؟
هل سمعتَ غناءً بعيداً فأشجاكَ
حتى تشطَّ بك الروحُ يا والدي؟..
كفكفَ الليلُ بعد الفراقِ أساكْ!
فبكى والدي الحزنُ
مثل المؤذّنِ فوق أعالي المساءْ!
وبكتْ مواويلُ متروكة للبكاءْ!
راهبٌ من بعيد
تطلّعَ في وحشةِ الليل مستبهماً
ثمّ أغمضَ عينيه حزناً على نغمةٍ ضائعهْ
ورثاهْ..
الغريبُ الذي كان يضربُ في بهمةِ الليلِ مستوحشاً
لم يراهْ
.. رجلٌ طاعنُ اليأسِ
يحفرُ في الأرضِ حفرةَ موتٍ
ويسقطُ فوق حطامِ الحياةِ الحزينةِ
ميتْ!
فجعلتُ بآخرةِ الليلِ أبكي بكاءً كثيراً
وأرسلُ صوتي بعيداً مع النايِ
مولايَ مات المغنّي!
سألتُ مواجيده عن أسايَ
وفعلِ الشقاءِ بوحشةِ نفسي
وفرقةِ روحي تحت أديمِ التعاسةِ
لكنه لم يجبني المغني..
تطلّعَ نحوي حزيناً
ففاضَ به الدمعُ
وانتشرَ الحزنُ في الريحِ
فاحتْ برائحة الصمتِ حسرةُ نفسي
فقلتُ له: والدي الحزن
كيفَ ذهبتَ وما زلتُ ألقاكَ
تعبانَ في المغربِ!
كيفَ صرتَ غريباً على هذه الأرضِ
لا تستطيعُ فراقاً ولا سفراً يا أبي!؟
كيفَ تحمي كآبةَ روحكَ
من وقتها المتباكي وهجرانها الأصعبِ؟
أبتاه تمهّلْ قليلاً لأرثيكَ
أنتَ بكائي إذا ما بكيتْ
وشقائي إذا ما ابتليتْ!
.. يا حبيباً إلى هذه الأرضِ ميتْ!