ما هى النفس الأمارة بالسوء ؟

الناقل : heba | المصدر : www.dar-alifta.org.eg

ما هى النفس الأمارة بالسوء ؟
والجواب : 
    أن القرآن الكريم حدثنا عن هذه النفس فقال تعالى فى ثنايا قصة يوسف عليه السلام { إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} [يوسف :53] .
    وتدل صيغة المبالغة (أمارة) على خطورة النفس على الإنسان ، ومن هنا حق لأرباب السلوك والتربية والصوفية المسلمين أن يحذروا التحذير الدائب من النفس ، ويحاولوا الكشف عن أحوالها السيئة ، خوفا على الإنسان من الضلال .
وللإنسان فى صراعه مع النفس الأمارة بالسوء ومجاهدته لها ثلاثة أحوال :
الحالة الأولى : أن يغلبه الهوى فيملكه ولا يستطيع له خلافا ، وتلك حالة كثير من الناس وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك بقوله تعالى { أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً} [الفرقان :43] ، فلا معنى هنا للإله إلا المعبود ، والمعبود إنما هو المتبوع إشارته ، وعلى هذا فإن الإنسان الذى يتردد فى جميع أطواره خلف أغراضه البدنية وأوطاره الحسية يصير ممن اتخذ إلهه هواه .
الحالة الثانية : أن تكون الحرب سجالا بين الإنسان وهواه ، فمرة له ، ومرة عليه ، فهذا الإنسان حاله تكون حال المجاهد ، حيث يجاهد هواه كما يجاهد عدوه .
الحالة الثالثة: هى التى يغلب فيها الإنسان على نزعاته ، ويستولى على هواه ، بحيث لا يقهره الهوى بحالة من الأحوال ، وهنا نستطيع أن نقول : إن الإنسان نال الملك الكبير والنعيم العظيم والراحة التامة .
    وربما اختلطت هذه المرتبة الثالثة على بعض الناس ، بحيث تصير مزلة أقدام ، فقد يظن بعضهم أنهم نالوا هذه المرتبة ، مع أنهم يحملون بين نفوسهم شيطانا مريدا ، ويتبعون أغراض نفوسهم الأمارة بالسوء ، ويخدعون أنفسهم بأنهم يفعلون ما يفعلون من أجل الدين ، ويذكر الإمام الغزالى أنه شاهد قوما اشتغلوا بالتدريس والوعظ والقضاء والخطابة وأنواع الرئاسة الدينية ، وهم فى هذا متبعون للهوى ، ومع هذا يزعمون أن باعثهم هو الدين ، ومحركهم طلب الثواب ، كما يزعمون أن منافستهم على هذه الأمور من جهة الشرع لا غير .
    ويعطى الإمام الغزالى طريقة تربوية ليكشف بها الواعظ مثلا إن كان وعظه لله أم للشهرة والقبول ، فعلامة الواعظ الصادق أنه لو جلس مكانه واعظ آخر أحسن منه سيرة وأغزر علما وأطيب لهجة وتضاعف قبول الناس له فرح الواعظ الأول بأخيه الواعظ هذا ، وشكر الله تعالى على إسقاط هذا الفرض عنه بغيره ، وبمن هو أقوم منه ، وأما إن تغيرت نفسه وتكدرت من هذا الواعظ الآخر فهذا علامة على عدم صدقه فى الوعظ .
    وهذه الحالة لا يعرفها من نفسه إلا الولى ، وينتج عنها الاحتراز بأقصى الإمكان كل وقت عن مخالطة الأغراض الدنيوية ، ولا بد من يقظته دائما لوسوسة الشيطان ، كيلا يغويه ، فيقع فى حبائله.
غير أن التمييز بين إشارة العقل وإشارة الهوى مطلب عويص ، ولا خلاص منه إلا بالعلوم الحقيقية ، حيث ينكشف بها التلبيس ، فإذا ما عرضت للمسلم حيرة ما فإن القدر الذى ينبغى أن يفزع إليه هو أن يعلم أن العقل فى أكثر الأمر يشير بالأصلح للعواقب ، مع ما فيه كلفة ومشقة فى الحال . أما الهوى فإنه يشير بالاستراحة ونبذ التكلف ، ومن هنا وجب على العاقل إذا عرض له أمر لا يدرى صوابه من خطئه أن يلزم ما يكرهه لا ما يهواه ، فإن الأخلاق السامية مع مكاره النفوس ، لقوله صلى الله عليه وسلم : ((حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات)) أخرجه مسلم (ح 2822) عن أنس بن مالك .
    ونجد فى الكتاب العزيز إشارة إلى هذه الفكرة ، ومن ذلك قوله تعالى { فَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً} [النساء :19] ، وقوله تعالى { وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [البقرة :216].
    وبهذا تقرر أن كل ما يشير على الإنسان بالدعة والرفاهية وإيثار الراحة فى الحال فيجب أن يتهم فيه نفسه ، لأن حب الشىء يعمى ويصم .
    وعلى الإنسان أن يلجأ دائما إلى استخارة ربه ، وذلك عن طريق صلاة ركعتى الاستخارة والدعاء بدعائها المشهور الثابت عن النبى صلى الله عليه وسلم ، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كما يعلمنا السورة من القرآن يقول ( إذا هَمَّ أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب . اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري أو قال عاجل أمري وآجله فاقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري أو قال في عاجل أمري وآجله فاصرفه عني واصرفني عنه واقدر لي الخير حيث كان ثم أرضني به . قال ويسمي حاجته)) ، أخرجه البخارى (1109).
    فينبغى ألا نغفل عن الاستخارة ، واستشارة أولى الألباب ، ذلك أن أكثر تلبيس الهوى والنفس الأمارة بالسوء هو معاذير مزخرفة ، ومن المعلوم أن طبيعة الإنسان كثيرا ما تحاول خداعه ، ولا علاج لذلك إلا بالفزع إلى الله تعالى .
    وهناك معيار لهذا الموضوع يتلخص فى أنه إذا مال العقل إلى مؤلم فى الحال نافع فى العاقبة ، ومال الهوى نحو نقيضه الملذ فى الحال الوخيم فى العاقبة ، وتنازعا وتحاكما إلى القوة المدبرة المفكرة سارع نور الله تعالى إلى نصرة العقل ، وبادر وسواس الشيطان وأولياؤه إلى نصرة الهوى ، واحتدم القتال بينهما ، فإن كانت القوة المدبرة من حزب الشيطان ذهلت عن نور الحق ، وعميت عن نفع الآجل مغترة بلذة العاجل ، وجنحت إلى قهر أولياء الله تعالى ، وإن كانت القوة المدبرة من حزب الله وأوليائه اهتدت بنوره ، واستهانت بالعاجلة فى سبيل الآجلة ، وإلى هذا يشير القرآن الكريم بقوله {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة :257].
    ومنه تشبيه القرآن الكريم للعقل بشجرة طيبة ، وللهوى بشجرة خبيثة ، فقال تعالى {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ [إبراهيم : 24 - 27].
    فعند التحام الصفوف بين أولياء الله تعالى وفريق الشيطان من الوسواس والهوى والنفس الأمارة بالسوء فلا سبيل إلا إلى الفزع للمولى عز وجل والاستعاذة به من الشيطان الرجيم ، يقول تعالى {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الأعراف :200] ، وقال تعالى {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ} [الأعراف :201].
    ويجب التنبه هنا إلى علاقة الشهوات بالهوى ، لأن هناك شهوات تعتبر من الهوى ، وأخرى لا تعتبر منه ، فمن الشهوات المحمودة تلك القوة التى خلقها الله تعالى فى الإنسان لتنبعث بها النفس لنيل ما فيه صلاح بدنه ، إما بإبقاء بدنه أو بإبقاء نوعه ، أو إصلاحهما معا .
    ومن الشهوات المذمومة فعل النفس الأمارة بالسوء ، من استحبابها لما فيه لذتها البدنية ، وإذا غلبت هذه الشهوة سميت هوى، فإنها تستتبع الفكرة ، وتستخدمها ، لتستغرق وقتها فى الخضوع لأوامرها ، والفكرة مترددة بين الشهوة والعقل ، فالعقل فوقها يخدمها ، والشهوة تحتها تحاول أن تحط من شأنها ، فإذا انحازت الفكرة إلى جانب العقل سمت وارتقت ، ونتج عنها محاسن جمة ، وإذا مالت إلى الشهوة لا يخفى على العقلاء ما ينجم عن ذلك من شرور وأوضار ، والله الموفق . 
 


المصدر : أ/د عبد اللطيف العبد ، دراسات فى الفكر الإسلامى ، القاهرة : مكتبة الأنجلو المصرية ، 1977 م ، (ص 44 – 47) .