مما ترويه العرب في كتبها قصة بين المعتصم وتميم بن جميل السدوسيّ الذي (خرج بشاطئ الفرات، واجتمع إليه كثير من الأعراب، فعظم أمره، وبَعُدَ ذكره، ثم ظُفِرَ به، وحُمل موثقاً إلي باب المعتصم). ويذكر أحمد بن أبي دؤاد أنّ تميماً هذا كان غاية في الشجاعة، فيقول (ما رأيت رجلاً عاين الموت، فما هاله ولا شغله عما كان يجب عليه أن يفعله إلا تميم بن جميل). لكنّ هذه البسالة التي أشار إليها أحمد بن أبي دؤاد لم تفعل فعلها بماهيتها وحدها، وإنما احتاجت إلي ماهية أخري، أشدّ تأثيراً، وأجدي علي دفع الموت عن النفس. إنها ماهية البلاغة، التي ستقلب وضع الخليفة، وتحوله من بطشة السيف إلي ابتسامة الصفح. يروي أحمد بن أبي دؤاد أنه (لما مَثُلَ بين يدي المعتصم، فأحضر السيف والنطع وأوقف بينهما، تأمله المعتصم وكان جميلاً وسيماً (وهنا لم تنفعه وسامته ولا جماله أيضاً في الخلوص من الموت) فأحبّ أن يعلم أين لسانه وجَنَانه من منظره، فقال: تكلم يا تميم. فقال: أمّا إذ أذنت يا أمير المؤمنين فأنا أقول الحمد لله الذي أحسنَ كلّ شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين، ثم جعل نَسْلَه من سُلالة من ماء مهين، جَبَر بك صدع الدين، ولم بك شعث المسلمين، وأوضح بك سبل الحق وأخمد بك شهاب الباطل. إن الذنوب تُخرس الألسنة الفصيحة، وتعي الأفئدة الصحيحة، ولقد عظمت الجريرة، وانقطعت الحجة، وساء الظن، ولم يبق إلا عفوك أو انتقامك، وأرجو أن يكون أقربهما منك وأسرعهما إليّ أشبههما بك وأولاهما بكرمك، ثم قال علي البديهة:
فتبسم المعتصم وقال: كاد والله يا تميم أن يسبق السيف العَذل، قد وهبتك للصبية، وغفرت لك الصبوة. ثم أمر بفك قيوده وخلع عليه.