الفكر الإسلامى : كلمة حول (مبادئه – مناهجه السلوكية – قيمه)

الناقل : heba | المصدر : www.dar-alifta.org.eg

هل يمكن تقديم تصور عام حول مبادئ الفكر الإسلامى ومناهجه السلوكية وقيمه ؟

والجواب : 

    إن للفكر الإسلامى منهجا أصيلا لا نحتاج فيه إلى تقليد ، وإنما نحتاج فيه إلى الحجة والدليل ، ونحتاج أن نقدم صورة صحيحة عن الإسلام فى معالمه الأساسية ، ليستطيع أى فرد أن يوازن بينه وبين الأديان الأخرى ، والمذاهب الوافدة ، وأن يحافظ على جميع جوانب الإسلام ، دون الدخول فى المزالق المذهبية والخلافات الفقهية .
    فالفكر الإسلامى هو حصيلة الموضوعات التى تخاطب العقل البشرى فيما يمس عالمنا الواقعى الموسوم بعالم الشهادة ، وتدفعه إلى التأمل والملاحظة والنظر فيما يتعلق بقضايا العقيدة والعبادة والقيم والنزعات والأخلاقيات فى الإسلام . 
    والفكر الإسلامى ليس مجرد نظرية فى السياسة أو نظرية فى الحرب ، وليس هو نظرية فى الاجتماع فحسب ، ليس هو نظرية فى هذا المجال أو ذلك ، وإنما هو بناء عقائدى يمتد من علاقة الفرد بالفرد على هذه الأرض ، إلى علاقة الفرد بالكون والأرض ، إلى علاقة الفرد والكون والأرض بالخالق جل شأنه .
    وعملية التفكير تنحل إلى وحدات بسيطة كما يقول علماء النفس ، تقوم الوحدة منها على سؤال يشرق فى الذهن أو مشكلة تعرض للإنسان فتستغرق شعوره ، ويتلمس السبل للاهتداء إلى جواب مقنع يرضاه .
    ثم يتبع التفكير عادة نوع من السلوك والتطبيق للمناهج الوضعية التى اهتدى إليها العقل ، أو للنظم الإلهية التى جاء بها الرسل عليهم السلام .
    ويرتكز الفكر الإسلامى فى مجمله على : مبادئه العقائدية – ومناهجه السلوكية – وقيمه الروحية – ونزعاته الأخلاقية .

أ - المبادئ العقائدية للفكر الإسلامى :
    العقيدة فى مفهومها العام تعبر عن الإيمان الذى وقر فى القلب بمبادئ تعد محور ترابط وتواد بين معتنقيها ، وتتمثل مبادئ العقيدة الإسلامية فيما يلى :
حرية العقيدة : حيث تعد الشريعة الإسلامية هى الشريعة السماوية الوحيدة التى نادت بحرية العقيدة ، وتركت لكل إنسان الحرية الكاملة فى اعتناق ما يشاء ، قال تعالى {لا إكراه فى الدين} البقرة 256 ، وقال تعالى {أفإنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين} يونس 99 .
إخلاص العقيدة : فالمقصود الأساسى الذى أكده القرآن الكريم فى الدرجة الأولى هو إخلاص العقيدة والعبادة لله فاطر السموات والأرض ، وقد تنادت جميع الرسل بذلك {يا قوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره} الأعراف 59 .
أسس العقيدة : الإيمان بالله وحده – الإيمان بوجود الملائكة – الإيمان بالكتب المنزلة على أنبيائه ورسله – الإيمان بالرسل – الإيمان بالبعث واليوم الآخر ، وهذه الأسس نص القرآن الكريم عليها {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ المَصِيرُ} البقرة :285 ، وقال تعالى {وَمَن يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيدًا} النساء :136 .
ثبات العقيدة : وهو من المبادئ الأساسية للعقيدة الإسلامية ، والتى يمكن من خلالها مواجهة مظاهر القلق والحيرة التى تنتاب كثيرا من الناس ، وقد أرشدنا الله تعالى إلى ضرورة الثبات فى العقيدة ، وترك القلق والتردد فقال تعالى {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الخُسْرَانُ المُبِينُ} الحج :11.
وضوح العقيدة : فالعقيدة الإسلامية تتسم بالوضوح والترابط وتبديد ما قد يسبق إلى الأذهان من وهم أو شبهات ، وتقوم عقيدة الإسلام على الإقرار بالله وحده إلها وربا وخالقا ومعبودا ، وبوحدانيته فى ذاته وصفاته وأفعاله .

ب- المناهج السلوكية للفكر الإسلامى :
    ترتكز المناهج السلوكية فى الفكر الإسلامى على مفهوم العبادة ، والتى بها يتحقق للإنسان سعادة الدنيا والآخرة ، والعبادة فى الإسلام لها مفهومها الواسع الذى يمتد إلى أعمال الحياة الإنسانية المتعددة جميعها { قُلْ إِنَّ صَلاتِى وَنُسُكِى وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِى لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ} الأنعام :162 .
    والعبادة فى الإسلام تعد جانبا مهما من الجوانب التربوية والتهذيبية التى بسطها الإسلام ليستظل بها الإنسان ، فهى تهذيب للخُلُق ، وتربية للنفس لتواجه مصاعب الحياة ، وتفتح له أبواب الآخرة . والعبادة من جانب آخر بلاء واختبار قال تعالى { وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} الأنبياء :35، ومن جانب ثالث حق للربوبية ، قال تعالى { وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} الذاريات :56 . ومن جانب رابع فالعبادة فى الإسلام تؤلف معنى الحياة الإنسانية نفسها ، وتساعد الإنسان على بلوغ الكمال دون انتظار إلى ما بعد إماتة شهوات الجسد كما فى بعض الديانات ، أو عبر سلسلة متلاحقة من تناسخ الأرواح كما فى الهندوسية ، أو بعد انعدام النفس الجزئية كما فى البوذية . ويعلى الإسلام من شأن النية والتى بها تحصل العبادات ، وتتحول العادات إلى طاعات . كما شرع الإسلام من العبادات ما فيه تربية للروح والجسد ، وتربية للدين والدنيا ، وتربية للإعداد النفسى والخلقى ، وتربية لوحدة الصف والجماعة ، وتربية على الفضيلة والنظام والمساواة والإخاء كما فى الصلاة ، وتربية على التوسط وعدم الإسراف ومراعاة الفقير كما فى الزكاة ، وتربية على التراحم والتعاطف والصبر وتقوية الإرادة وإحياء الضمير كما فى الصوم ، وتربية على التشاور والأخوة والمساواة والأمن والتوبة والاستغفار .
    ويهتم الإسلام فى مناهجه السلوكية بالصلات الدنيوية بين الفرد وما حوله ، ولا يكتفى بالصلة بين المرء وخالقه فقط .

ج - القيم الروحية للفكر الإسلامى :
    لا شك أن هناك منظومة متكاملة وعظيمة من القيم الرفيعة التى تمثل القيم الروحية للفكر الإسلامى ، يأتى على رأسها : الحرية – العدل – السلام – التقوى – الوفاء – المساواة . والقيمة الروحية النابعة من الدين الصحيح هى وحدها القادرة على هداية الإنسان ، لأن هذه القيم {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ} [النمل :88] . ولا شك أن كل قيمة من قيم الإسلام تستحق الوقوف عندها بموضوع أو أكثر .
    وعندما جاء الإسلام بقيمه فإنه انتهج فى الدعوة إليها طريق الحكمة والموعظة الحسنة ، قال تعالى { ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [النحل :125].
     والمبادئ الدينية والقيم الروحية تؤثر فى وجدان الأفراد ، وفى سلوكهم ، وتصوغ جانبا كبيرا من أخلاقياتهم ، وقد أقام الإسلام جميع شرائعه فى العبادات والمعاملات على أساس أخلاقى، قال تعالى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل :90] .
    إن الأساس الأخلاقى والقيمى فى الإسلام يقف حاجزا منيعا ضد سقوطنا تحت وطأة القيم المغلوطة التى تسرى فى الحضارة الحديثة ككون الغاية تبرر الوسيلة ، والتفسير المادى للتاريخ وللواقع بل وللأمور كلها ، والتفسير الجنسى للسلوك الإنسانى ، ونسبية الأخلاق أو إنكارها برمتها ، ... إلى غير ذلك من الانحرافات الفكرية التى عصمنا الإسلام منها بإقامة الحياة كلها على قاعدة الإيمان بالله وحده ، والأخذ عن الله فى منهج المادة ، ومنهج الروح ، ومنهج الحياة ، ومنهج الأخلاق .
 


المصادر:
-----------------------
- الفكر الإسلامى (مبادئه – مناهجه – قيمه – أخلاقياته) ، للأستاذ الدكتور محمد الصادق عفيفى ، القاهرة : مكتبة الخانجى ، 1977 .
- فى الفكر الإسلامى من الوجهة الأدبية ، للدكتور محمد أحمد العزب ، القاهرة : المجلس الأعلى للثقافة ، 1983 م ، (ص 55) .