هناك الكثير من الناس من ينكر حقائق الأشياء والعلوم أو يجادل فى إثباتها ، فما هو موقف الفكر الإسلامى من هذه المسألة ؟ والجواب : من الأصول التى اتفق أهل السنة على قواعدها ، وخطأوا من خالفهم فيها ، مسألة إثبات الحقائق والعلوم ، فقد أجمع أهل السنة على إثبات العلوم معانى قائمة بالعلماء ، وخطأوا كل نفاة العلم وسائر الأعراض ، ويندرج تحت هؤلاء فريق من السوفسطائية الذين نفوا العلم وحقائق الأشياء كلها ، وكذلك فريق آخر من هؤلاء شككوا فى وجود الحقائق ، وأيضا الذين ذهبوا إلى أن حقائق الأشياء تابعة للاعتقاد ، وصححوا جميع الاعتقادات مع ما يوجد بينها من تنافق وتضاد . ويرى أهل السنة أن أصحاب هذه الآراء الثلاثة مخطئون ومعاندون لموجبات العقول الضرورية. ويرى أهل السنة والجماعة أن علوم الناس ثلاثة أنواع : علم بدهى، وعلم حسى ، وعلم استدلالى ، فكل من جحد العلوم البدهية أو الحسية الواقعة من حهة الحواس الخمس أو أنكر العلوم النظرية الواقعة عن النظر والاستدلال فهو معاند . وإن مثل هذه الأقوال قد تفضى بقائلها إلى اعتقاد قدم العالم أو إنكار الصانع أو إنكار الديانات كلها . ويؤكد أهل السنة والجماعة على ضرورة الأخذ بالحواس الخمس ومدركاتها ، وهى حاسة البصر لإدراك المرئيات ، وحاسة السمع لإدراك المسموعات ، وحاسة الذوق لإدراك الطعوم ، وحاسة الشم لإدراك الروائح ، وحاسة اللمس لإدراك الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة واللين والخشونة ، فالإدراكات الواقعة من جهة هذه الحواس معان قائمة بالآلات المسماة حواس ، وعليه فقد ضللوا الجبائى المعتزلى حين ذهب إلى أن الإدراك ليس عرضا ، ولا معنى وأنه لا شىء سوى المدرك . ومن جهة أخرى فإن أهل السنة يأخذون بالأخبار ، ويرون أن الخبر المتواتر طريق للعلم الضرورى بصحة ما تواتر الخبر فيه كعلمنا بوجود الأنبياء ، ويشترطون فى أخبار الآحاد أن يصح إسنادها وأن تكون متونها غير مستحيلة فى العقل ، وبذلك تكون موجبة للعمل بها دون العلم ، وتصبح بمنزلة شهادة العدول عند الحاكم ، فى إلزامه الحكم بها فى الظاهر ، وإن لم يعلم حقيقة ما يبطنون ، وبه أثبت الفقهاء أكثر فروع الأحكام الشرعية فى العبادات والمعاملات وكذلك سائر أبواب الحلال والحرام . وبين الخبر المتواتر وخبر الآحاد مرتبة وسطى هو الخبر المستفيض ، وهو يشارك المتواتر فى إيجابه للعلم والعمل ، لكنه يختلف عنه من حيث إن العلم الواقع عنه يكون علما مكتسبا نظريا ، والعلم الواقع عن المتواتر يكون ضروريا غير مكتسب . والخبر المستفيض على أقسام : منه إخبار الأنبياء فى أنفسهم ، وكذلك خبر من أخبر النبى صلى الله عليه وسلم بصدقه ، ومنه الخبر المنتشر بين بعض الناس ، إذا أخبر به بحضرة قوم لا يجوز منهم تواطؤ على كذب ، وادعى عليهم وقوع ما أخبر عنه بحضرتهم ، فإن لم ينكر عليه أحد منهم علم صدقه فيه . ومن هذا القسم علمنا بمعجزة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فى تسبيح الحصا فى يده ، وإشباع الخلق الكثير من الطعام اليسير ، وغير ذلك من معجزات استفيض العلم بها ، ما عدا القرآن الكريم المعجزة العظمى للإسلام فإنه ثابت بالتواتر الموجب للعلم الضرورى . ومن المستفيض : أخبار مستفيضة بين أئمة الحديث والفقه أجمعوا على صحتها ، مثل أخبار ثبوت الشفاعة له صلى الله عليه وسلم ، وأخبار نزول المهدى والمسيح الدجال ، وأخبار عذاب القبر الحساب والحوض والميزان ورؤية البارى ونحو ذلك من أمور الآخرة . ومن المستفيض : الأخبار المستفيضة فى كثير من أحكام الفقه كنصاب الزكاة والمسح على الخفين وحد الخمر والرجم والردة ونحو ذلك مما أجمع الفقهاء على قبول أخبارها والعمل بمضمونها ، من ثم أكد أهل السنة على الخطأ الكبير الذى وقع فيه من أنكر مثل هذه الأخبار المستفيضة . ومما اتفق عليه أهل السنة فى هذا الباب هو أن الله تعالى كلف العباد معرفته ، وأمرهم بها وأنه أمرهم بمعرفة رسوله وكتابه ، والعمل بما فى الكتاب والسنة من دلائل ، من ثم أنكروا على من ذهب إلى أن الله تعالى لم يكلف أحدا بمعرفته على ما ذهب إليه بعض الفرق كبعض القدرية والرافضة . وقد أجمع أهل السنة على أن كل علم كسبى نظرى ، يجوز أن يجعلنا الله تعالى مضطرين إلى العلم بمعلومه ، خلافا لمن زعم من المعتزلة أن المعرفة بالله عز وجل فى الآخرة مكتسبة من غير اضطرار إلى معرفته . ويرى أهل السنة بالإجماع أن أصول أحكام الشريعة الإسلامية : القرآن الكريم ، والسنة النبوية الشريفة ، وإجماع الأمة ، وأنكر أهل السنة أشد الإنكار على من خالف فى حجية السنة الشريفة أو فى حجية الإجماع . والله تعالى أعلم .
المصدر : المصدر : أ/د عبد اللطيف العبد ، دراسات فى الفكر الإسلامى ، القاهرة : مكتبة الأنجلو المصرية ، 1977 م ، (ص 22 – 24) .