في نواحي حياتنا اليوم أصبح السلطان للمال؛ فهو المعيار، وهو الذي يُسخّر له ذكاء الإنسان. كل شيء يُقاس بالكثرة والمال، وبعد أن كان الإنسان ثرياً لأنه قوي أصبح قوياً لأنه ثري. الشركات الكبرى هي التي تحرك السياسة، والمطلوب من الدولة أن تخضع للاقتصاد. تحدّث المسلم النمساوي محمد أسد (ليوبولد فايس سابقاً) عن المجتمع الغربي وقصة إسلامه، قال: كنت مسافراً في سنة 1926 في قطار برلين تحت الأرض، وكان معي زوجتي وهي رسامة وذكية جداً، وقد لاحظت أن كل زملائي في هذه الدرجة (درجة أولى) مكتئبون، تعلو وجوههم كآبة ويغشاها قتام، وكان ما يحملونه من متاع ويلبسونه من ملابس ويتحلّون به من خواتم يدل على أنهم من الطبقة الثرية، وكان الزمن زمن الرخاء الذي أعقب سنوات التضخم في أوروبا، فأنا تحيّرت وفكّرت وقلت: لماذا هذه الكآبة؟ وما سبب هذا الحزن العميق الذي هم غارقون فيه؟ ولفتّ نظر زوجتي وقلت: يا عزيزتي، انظري وجوه هؤلاء القوم!! ألا تشعرين بأنهم تعلوهم الكآبة؟ قالت: نعم، إنهم جميعاً يبدون وكأنهم يعانون آلام الجحيم!! وأردت أن أفسر هذه الظاهرة فلم أنجح، ورجعت إلى مكتبي فإذا المصحف أمامي، فأخذته من غير قصد، وفتحت من غير اختيار فإذا سورة التكاثر تطالعني، حيث يقول الله تبارك وتعالى: (ألهاكم التكاثر) وكنت متردداً: هل أدخل في الإسلام أو لا أزال أشرحه وأعرضه بالأسلوب العلمي العصري كما كان شأني؟ ولما قرأت هذه السورة قلت: والله إن هذا الكلام لا يأتي به إلاّ من ينزل عليه الوحي!! هذا الكلام لا يقوله بشر قبل ثلاثة عشر قرناً، إنه يصور المجتمع الغربي المعاصر الراقي بقسماته ومخايله، ويتنبأ بالعذاب النفسي الذي يتميز به هذا القرن العشرون على الرغم من رقيه الصناعي والحضاري، ويعيّن مصدر هذا العذاب والشقاء الذي كان يعانيه ركاب القطار، ويعانيه المجتمع الأوروبي بشكل عام وهو داء التكاثر لا غير. فمن ساعتي خرجت إلى صديق لي مسلم هندي وقلت: يا أخي، ماذا يفعل من يريد أن يدخل في الإسلام؟ قال: يقول: أشهد أنْ لا إله إلاّ الله وأن محمداً رسول الله. فنطقت بالشهادتين وأصبحت مسلماً.