إن أمنية كل إنسان، وخاصة جيل الشباب، أن يمتلك كل منهم مسكنا خاصا به، يكون هو عش الزوجية والأحلام والحياة الخاصة التي يحلم بها بعيدا عن بيت الوالدين أو بيت الإيجار المرهق، وأن يكون هذا البيت على مزاجه تفصيلا وهندسة وشكلا ولونا. ويفكر الجميع في امتلاك البيت لأنه من وجهة نظر الجميع أفضل استثمار، فالبيت الملك يكفي الإنسان الضريبة الشهرية التي يدفعها لمالك بيت الإيجار، كما أن المساكن عادة تزيد في الثمن سنة بعد أخرى، والعقار يعتبر من الاستثمارات المتشربة للتضخم، لذا فإن المال المستثمر لا يفقد قيمته، بل يزداد مع معدل التضخم وارتفاع الأسعار. إضافة إلى الرضا النفسي وراحة البال الذي يحصل عند امتلاك المسكن. عقبات الامتلاك: أمنية تملك المسكن تقوم أمامها عقبة كبيرة، وهي أن سعر شراء المساكن يعتبر أكبر تكلفة تواجه الأسرة أو الشخص، فهو يحتاج إلى مبلغ كبير في حالة الشراء نقدا، وهذا لا يكون متوفرا إلا نادرا. ولا يستطيع الشراء نقدا أو البناء إلا المقتدر ماليا، والذين يعتبرون من شريحة الأغنياء، وهم قلة في كل مجتمع، ولا يمثلون أكثر من 20% من سكان أي مدينة. لذا فإن فكرة شراء المسكن يعني الاستدانة أو الاقتراض لمدة طويلة، وهذا القرار هو أمر في غاية الخطورة، ويحتاج إلى حسابات دقيقة قبل الإقدام عليه، لأن امتلاك المسكن بواسطة قرض سيكون أكثر كلفة من الإيجار في حالة عدم الوفاء بأقساط القرض. كما أن امتلاك البيت يعني الارتباط بالمكان بغض النظر عن التطور الذي يلحق بالمنطقة، فقد يكون مكسبا وقد يكون عيبا، فقد يكون قريبا من مكان العمل ولكن حالما يتغير مكان العمل قد يصبح تواجد البيت البعيد عقبة وتكلفة إضافية للمالك. أيهما افضل الاستئجار أم التملك!! يعتقد البعض ان الإجابة عن هذا السؤال هو أن التملك سيكون الأفضل، وقد يكون هذا صحيحا في أحوال عديدة، ولكن ليس في كل الأحوال، فهناك معادلة تقول: إذا كان الإيجار السنوي يقل بمقدار 35% عن التكلفة السنوية لامتلاك البيت من حيث الإصلاحات والصيانة والضرائب والتأمينات، فإن الإيجار يكون أفضل من الاستثمار في امتلاك المسكن، حيث إن هذا الفائض يمكن أن يستغل في استثمارات أفضل ويعطي دخلا. فالمعروف أن مالك البيت سيكون مسؤولا عن تكاليف إضافية تكون عالية جدا في بعض المناطق أو بعض الأوقات، فالصيانة العامة للبيت وتجهيزاته هي من مسؤولية المالك وليست من مسؤولية المستأجر، وكذلك تكاليف المياه الداخلة والخارجة والأنوار العامة، وهذه يتحملها مالك البيت، من أول لحظات امتلاكه، كما ان البيت الجديد قد لا يحتاج إلى صيانة ولكن بعد خمس سنوات من عمره سيكون هناك تكلفة سنوية للترميم والإصلاح، وقد تكون هذه التكلفة باهظة وتزيد من أعباء المالك وتجعل القسط السنوي يزيد بمقدار النصف. معيار الثمن: يقول الخبراء إن امتلاك المسكن يجب أن يتم بحساب دقيق، خاصة إذا كان عن طريق قرض يجب تسديده على أقساط، ويقولون إن بعض المساكن تعرض بسعر معقول أو منخفض مما يدفع البعض إلى الشراء بدون ترو ودراسة، ويطرحون معادلة يجب أن ينظر إليها كل من يرغب في شراء البيت، وهي أن المسكن يجب أن لا يزيد ثمنه عن الإجمالي العام لدخل الراغب في الشراء مدة 30 شهرا، فلو أن دخل فرد ما هو 2000 دولار في الشهر فإن ذلك يعني أنه يستطيع شراء مسكن في حدود 2000×30=60000 دولار. وهذا التقدير هو تقدير أولي، وكل إنسان له ظروف خاصة يعرفها، ويبني قراره عليها، فان كان يعلم أن والديه سيساعدانه وقت الضيق، وإن كان ينتظر تحسنا كبيرا في دخله من عمله، فإن ذلك يشجعه على شراء مسكن بمبلغ أكثر من ذلك، ولذلك يجب أن تكون هذه النسبة هي المعيار الذي يبني عليه تقديره لمقدرته. كما أن هناك أيضا معادلة أخرى يجيب عليه النظر إليها واحتساب أرقامها، وهذه النظرية المالية تقول: إن قسط تكلفة شراء البيت يجب أن لا تزيد عن 41% من أجمالي الدخل السنوي للفرد. وهذا يعني لو أن شخصا ما دخله الشهري في السنة 24000 دولار فإن جملة ما ينفقه من أقساط سنوية على تكاليف شراء المسكن يجب أن لا تزيد عن 24000 X 41%= 9600 دولار. الحكمة هي البعد عن الغرق!! والغرض من ذلك أن يعلم الراغب في الشراء مسبقا عن مقدرته المالية، فإن كان عليه أقساط سيارة أو أقساط أثاث ويصبح جملة الأقساط الشهرية أكبر من نصف دخله، فإن النظريات المالية تقول إن هذا العبء المالي ينتهي بالفشل والإفلاس، وينتهي المقترض عادة بأن لا يستطيع المحافظة على كل ممتلكاته، مما يجعله يتنازل عن بعضها محققا خسارة كبيرة لنفسه، هذا عدا الضغوط المالية والصحية التي تصاحب هذه الأزمات المالية، ويجب على الإنسان التفكير الجاد قبل التسرع بدعوى انتهاز الفرص السانحة. فالفرص تسنح دائما، وقد لا تظهر في كل وقت، ولكن دائما هناك فرصة طيبة لاستثمار أفضل ومريح. ***